المساواة المكانية في دمشق وريفها (2/3)
تحت عنوان «سياسات التخطيط الحضري المستدام ودورها في تحقيق المساواة المكانية-دراسة حالة مدينة دمشق»
قدمت المهندسة نيفين رياض الزيبق في مجلة جامعة تشرين للعلوم الهندسية بحثها.
تعاني مدينة دمشق العديد من التحديات التي تتمثّل في:
- التركز الاقتصادي الكبير في المحافظات الرئيسة وخاصة تلك المتوضعة على المحور التنموي الأهمّ في سورية) درعا– دمشق - حمص– حلب (، وقد صاحب هذا تركّزاً سكانياً كبيراً نتيجة فرص العمل الموجودة ممّا أدى إلى هجرة إقليمية من باقي المحافظات تجاه المحافظات الرئيسة مثل حلب ودمشق وحمص واللاذقية، ومن ثَمّ تركزت عائدات التنمية في محافظات دون أخرى مما أدى إلى تباين إقليمي واضح وكبير.
- النقص في الموارد المحلية والإقليمية الموجودة، ولاسيما المياه والقطاع الزراعي، فالزيادة السكانية أدّت إلى توسّع عمراني تسبب في الضغط على الأراضي الزراعية في المناطق المجاورة، ومن ثَمّ تقليص المناطق الخضراء والغابات والأراضي الزراعية واستنزاف جائر للموارد الموجودة وخاصة المائية، حيث تراجعت نسبة المناطق الخضراء في المدينة ولا سيما الغوطة الشرقية والجنوبية بنسبة أكثر من 51% وأصبح العمران، يشكل سواراً يطوق دمشق ويشكل تهديداً للموارد الطبيعية والبيئية، التي لم تعدّ كافية للمدينة .
- تركّز الخدمات الرئيسة في مراكز المدن، نتيجة وجود البنية التحتية الأساسية واللوجستية، الأمر الذي أدى إلى نموٍ عمراني سريعٍ على أطراف المدن، نتيجة القرب الجغرافي من هذه الخدمات، كما أن التوزيع غير المتوازن للاستثمارات بين المدينة وريفها أدّى إلى نشوء ظاهرة السكن العشوائي، التي باتت تشكّل أكثر من 41 % من مساحة مساكن دمشق ومحيطها الحيوي.
يمكننا أن نستنتج من أرقام الإحصاءات:
هجرة عكسية من المدينة
- التركز السكاني الحضري الكبير في كلتي المحافظتين، حيث تبلغ نسبة التركز السكاني في محافظة دمشق وريفها ما يقارب 62 % من نسبة التركز السكاني في سورية، وهي نسبة كبيرة جداً، وقد ترافق ذلك مع ارتفاع لأسعار العقارات وايجاراتها في مدينة دمشق، واستقطاب السكان نتيجة ازدهار القطاع الاقتصادي والتعليمي والخدمي في المدينة ومن ثَمّ حدوث هجرة عكسية من المدينة تجاه الريف المحيط، وتوضّح آخر دراسة تم إجراؤها عن الهجرة للداخلية في سورية أن دمشق تُعدُّ المدينة الأكثر طرداً للسكان بعد القنيطرة وذلك بسبب غلاء المعيشة ومحدودية الأراضي وعدم إمكانية التوسع العمراني، والتلوث الشديد، بالمقابل فإن محافظة ريف دمشق هي الأكثر جذباً على مستوى سورية ككل.
- ارتفاع نسبة الأفراد المتعلمين) تعليم عالٍ ومتوسط (في دمشق بدرجة تفوق ريف دمشق بمقدار الضعف، وذلك نتيجة تركز أغلب المراكز التعليمية العليا والمتوسطة ضمن حدود المدينة، ومع ذلك ترتفع نسبة البطالة في مدينة دمشق عن ريفها.
- أدّت عملية الجذب السكاني والاقتصادي تجاه ريف دمشق في السنوات العشر الأخيرة، إلى ارتفاع نسبة السكن العشوائي وهي نسبة تقارب النصف تقريباً، مما يعني استنزاف هذه المناطق العشوائية للموارد الطبيعية الموجودة، واستهلاكاً جائراً لموا رد الطاقة، كالكهرباء باعتبار أن مصادر استجرار الطاقة الموجودة في المنازل غير نظامية، إضافةً إلى سوء وضع الصرف الصحي في بعض المناطق، ومن ثَمّ تلويث الموارد المائية الموجودة وخاصة الجوفية منها.
- تُعدُّ نسب إمداد المياه الآمنة في مدينة دمشق وريفها، من النسب المرتفعة مقارنة بالمعدّل الوطني، وذلك يرجع إلى كون الإقليم ككل إقليماً مستقطباً للسكان والاستثمارات، من باقي أقاليم الدولة، إلّا أنَّ محدودية محطات المعالجة في الريف الدمشقي أدت إلى تلوثٍ كبيرٍ وواضحٍ في المناطق الزراعية وفروع الأنهار لاسيما في الغوطة، كما أدت إلى خروج أكثر من 95 % من الآبار من الخدمة وإقفالها بسبب التلوث الشديد بالنترات
ارتفاع نسب الجريمة
- ارتفاع نسب الجريمة في محافظة دمشق بشكل كبير، وهي الأعلى على مستوى الدولة، تليها مباشرة محافظة ريف دمشق وفقاً لنتائج المكتب المركزي للإحصاء لعام 2011، ويعود ذلك إلى التركز السكاني الكبير، وما يترافق معه من آثار سلبية تؤثر في البنية المجتمعية الموجودة.
- تدهور بيئي ملحوظ، وبشكلٍ خاص ضمن محافظة دمشق، حيث أدّى العمران المكتظ والكثيف إلى محدودية ) النطاق الأخضر (، كما أن نسبة المناطق الخضراء في محافظة ريف دمشق، قد انخفضت بشكل كبير وفق دراسات وزارة الإدارة المحلية، حيث كانت تبلغ نسبة المناطق الخضراء في المحافظة في بداية الثمانينات 95% من مجمل مساحة المحافظة، بينما تبلغ حالياً 74.2% وهذا التدهور البيئي في ازدياد ما لم يتم اتّخاذ الإجراءات القانونية والتخطيطية المناسبة.
اختلال مكاني اقتصادي واضح
واستناداً إلى ما سبق، فإن قِيَم المؤشرات تُظهر: أن النمو السابق والحالي والمستقبلي، للقطاعات كافة في إقليم دمشق الكبرى، ليس مستداماً اقتصادياً واجتماعياً وعمرانياً وبيئياً، ولا يتّجه نحو الاستدامة، كما تشير القيم، إلى وجود تباين سكاني عالٍ بين المدينة والريف، واختلال مكاني واضح، اقتصادياً واجتماعياً وبيئيا،ً ومن ثَمّ عدم المساواة المكانية بين محافظة دمشق وريفها، وبين الإقليم ككل وباقي أقاليم الدولة.
لذلك عند وضع السياسات التنموية، لابد من أن تراعي نتائج المؤشرات السابقة، للوصول إلى خطة تنموية تنطلق من الواقع وتحاكيه، وتعالج التحديات التي تتعرض لها المدينة وريفها وفق الأولويات الملحّة، وتنطلق من الواقع بإيجابياته وسلبياته وإمكانياته بهدف تحقيق نمو اقتصادي، تنعكس عائداته بشكلٍ عادلٍ على الأقاليم والمناطق كافة، لتحقيق المساواة المكانية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 789