وجدتها: ديناميكية المجتمعات بعد الحرائق

إنّ معظم الحرائق المُعاصرة في المنطقة المتوسطية هي ذات منشأ بشري، إن كانت عن عمد أو عن طريق المصادفة. للوهلة الأولى، يكون لمعدلات الحرائق المرتفعة أثر تدميري على النظم البيئية.

 ومع ذلك، تلعب الحرائق الطبيعية دوراً هامّاً في ديناميكية المناظر الطبيعية والمجتمعات في المتوسط إلى الحد الذي يتوجب علينا اعتبارها كقوّة محركة في الفسيفساء المنتقلة من الموائل ضمن منظر طبيعي. إنّ كلاً من نمط ومدى وحجم وتكرارية وموسم حدوث الحرائق، وسلوك النيران عبارة عن صفات تميّز نظام الحرائق لمنطقة معينة والتي تكون الأحياء متكيفة معها. ومع ذلك، يظهر أن أنظمة الحرائق الحالية في الأنظمة البيئية المتوسطية، تتغير بالعلاقة مع استخدام الأرض من قبل البشر، ومع تجزء الأراضي تكون الحرائق مكوناً طبيعياً لديناميكية معظم الأنظمة البيئية، عندما لا يكون معدل عودتها مجدداً ذو مدة قصيرة جدّاً. لا يبدو أن الحرائق قد تساهم في تغيير البنية الفيزيائية للترب، أو أن تدمّر محتواها من المادة العضوية، إلاّ في حال حصول الرعي المكثف والفوري للمناطق المحترقة حديثاً من قبل الأغنام والماعز. يمكن أن تقود التغييرات في نظام الحرائق المحلّي إلى تغييرات جذرية على المناظر الطبيعية، وأحياناً تفوق قدرة الأنظمة البيئية على التعافي.

تعطينا الحرائق مثالاً إيضاحياً ممتازاً حول دور الاضطرابات الطبيعية في أداء الأنظمة البيئية على مستوى المناظر الطبيعية، والتي تسمى بالديناميكية الرقعية. في الحقيقة ينطبق تعريف الاضطراب على الحرائق والذي يقول «كل حدث منفرد نسبياً بالزمن والذي يخلّ بتوازن بنية نظام بيئي أو مجتمع أو جماعة، ويغيّر من إتاحية الموارد والمواد، أو يغيّر البيئة الفيزيائية». تتميز المناظر الطبيعية المتوسطيّة التي تتعرض دورياً وبشكل متكرر للحرائق بتجديدها لأربعة أنماط من الموائل، والتي تحلّ محلّ بعضها الآخر مكانياً وزمانياً، لتخلق فسيفساء متحركة. أنماط الموائل هذه هي الأراضي العشبية، الجنبات قصيرة الارتفاع، الجنبات الطويلة، والغابات، هذا مع وجود درجات كبيرة من التباين المحلّي الذي يعتمد على الركيزة الصخرية، دوريّة حدوث النيران، تاريخ استخدام الأرض، النوع النباتي السائد، وغيرها من العوامل الأخرى. أظهر باحثون الدور الحاسم للحرائق كعامل بيئي وتطوّري في صياغة المناظر الطبيعية والغطاء النباتي. تعتمد العديد من المجتمعات وأنواع الموائل المفتوحة بشكل محدد على مثل أحداث الاضطراب هذه، ومنها الأنواع المحية للجفاف والحرارة.