كيفية التعامل مع الذّكريات المؤلمة
يولد الإنسان بآليات داخلية لمراقبة وإطلاق مستويات عالية من الإثارة النّاجمة عن السّلوكيات الخطرة، لكن تردعها عمليات التّفكير المتنوعة عند كل شخص، ويمنع هذا الوضع الإطلاق الكامل لطاقات البقاء بعد حدث أليم، وبذلك يكون السّبب الذي يمنع الإنسان في هذه الحالات من العودة إلى حالة الاتزان.
فتظل الطّاقة في الجسم ويتعلق الشّخص في وضع البقاء، والتّجربة الجسدية تركز على تنمية وعي جديد أعمق لمشاعر الجسد، وبناء موارد عضوية والتّركيز على أحاسيس الجسم الأكثر رِقَة، بحيث يستطيع الشّخص إعادة الاتصال مع جهاز المناعة الدّاخلي، ومن ثم إطلاق الطّاقات المتراكمة بداخله بصورة تدريجية وتحت إشرافه، وتوفر هذه العملية راحة كبيرة من ضغط الشكوى، وتتيح شعوراً أفضل خلال فترة قصيرة نسبياً.
العلاج النّفسي الجماعي
يوفر الدّعم والتّشجيع لأشخاص مروّا بتجارب مماثلة، وتشعر أحياناً كأن المجتمع لا يستطيع أن يفهم ما جربناه، وبذلك فإن مجرد تواجدنا مع أشخاص مروّا بتجارب مشابهة وجربوا وضعاً يمكن أن يكون مريحاً، يخفف من الشّعور بالوحدة التي يشعر بها بعضنا.
وهناك أساليب علاجية للعمل مع مجموعات تعالج الصّدمات مباشرة لديهم، بحيث يعالج كل فرد قصته الشّخصية مع المجموعة.
وهناك مجموعات أخرى لا تتعامل مع الذّكريات الصّعبة بصورة مباشرة، بأن تركّز على منح أعضائها الدّعم وطرق المواجهة بعواقب الصّدمة.
ليس من الضّروري أن يكون التّهديد هذا موجهاً إلى الشّخص ذاته، بل يمكن أن يكون موجهاً إلى أشخاص آخرين (مثلاُ إذا كان الشخص شاهداً لحادث خطير، أو عمل من أعمال العنف).
تظهر الأعراض النّفسية والجسدية لاضطراب ما بعد الحوادث المؤلمة (الصّادمة) عادة في غضون نصف عام بعد الحادث.
إذ يؤدي الحادث إلى اهتزاز فهم الشّخص لذاته، والعالم من حوله وإلى تشكل أحاسيس العجز لديه، بما يسمى اضطراب ما بعد الصّدمة، والذي يتمثل برد فعل لاحق محتمل من معايشة حدث مؤلم أو أكثر من قبيل معايشة العنف الجسدي والجنسي، أيضاً في الطّفولة التّحرش الجنسي، و الاغتصاب، والهجوم العنفي على الشّخص ذاته، الاختطاف ، أو كأن يؤخذ المرء كرهينة نتيجة لهجمة الإرهابين لمسكنه أو بلدته، كما هو الحال في أوضاع الحرب، وما يحصل للأسرى، وفي حال الاعتقال السّياسي، التّعذيب، الاحتجاز في معسكرات الاعتقال، وأيضاً من الذّكريات المؤلمة التّعرض للكوارث المُتسبَبة من قبل الإنسان أو الطبيعة، الحوادث اليومية كحوادث السّير والكهرباء، وغيرها من الأحداث الاستثنائية أو الكارثية، كمسائل الانفصال أو الطّلاق أو وفاة أحد الأقارب والهجرة.
اضطراب ما بعد الصّدمة
هناك مرض يسمى بالقذيفة bomb-shell disease» » وفي بلدنا اليوم هذا الأمر بات مسجل بخلايا جسدنا كما في خلايا دماغنا لكثرة تكراره بالسّنوات الخمس الاخيرة .
لا ينشأ اضطراب ما بعد الصّدمة بسبب عدم الاستقرار النّفسي، ولا هو تعبير عن مرض نفسي -إذ أن الأشخاص الأصحاء نفسيّاَ يمكن أن تنشأ لديهم اضطرابات ما بعد عيش الأحداث العصيبة ومع ذلك، هناك بعض عوامل الخطر عند بعض الأشخاص ترجح احتمال تولد اضطرابات ما بعد الصّدمة لديهم، والتي هي محاولة الكائن الحي للبقاء على قيد الحياة رغم حالة الصّدمة إبان التّهديد على الحياة وبالتالي، فهي ليست تعبير عن الفشل (أو الخلل)، ولكن تشكل استجابة صحيّة ورد فعل مناسب إزاء الحدث.
علماء الأعصاب في جامعة «أوتريخت الهولندية» أظهروا أن المصابين باضطراب ما بعد الصّدمة لديهم استجابة ضعيفة بشكل غير اعتيادي للآلام النّفسية.
تشمل عوامل الخطر من الذّكريات المؤلمة، أحداثاً حياتيةً وظروفاً معيشية مجهدة، تساهم كل بانفراد أو نتيجة تضافرها في تَشَكُل اضطراب ما بعد الحدث المركزي المؤلم.
العوامل المهيئة لشدة الألم
الافتقار إلى الدعم العاطفي للوالدين أو الأقارب.
النشأة في العوز والفقر.
انخفاض المستوى التعليمي للوالدين.
النشأة في عوائل كثيرة الأعضاء مع ضيق المساحة السكنية .
انخفاض التناغم العائلي.
الاضطراب النفسي لدى أحد أو كلا الوالدين.
السّلوك الاستبدادي لأولياء الأمور.
كل ما تم ذكره هي عوامل مهيئة لشريط ذكريات مؤلمة في حياتنا.
صعوبات الانغمار في الحياة ثانية بعد تجارب مؤلمة
يواجه الكثير من الناس بعد التجارب النّفسية المؤلمة، صعوبات بالانغمار في الحياة ثانية نتيجة ثقل الألم الناجم عن الذّكريات.
خلال حياتنا اليومية كل منا معرض لأن يمر بتجربة مخيفة وخارجة عن سيطرتنا. فقد نجد أنفسنا في حادث سيارة مثلاً أو ضحية اعتداء أو نشاهد حادثاً مروعاً، أو مشاهدة رجال الشّرطة والإسعاف والإطفاء معرضون لمثل هذه المواقف، مثل الحوادث المروعة والجنود قد يصابون أو يتعرضون لاانفجارات أو يشاهدون رفقائهم يقتلون أمامهم.
أغلب الناس يتغلبون على هذه التّجارب بمرور الوقت حتى بدون مساعدة نفسية، ولكن لدى بعض الأشخاص مثل هذه التّجارب تسبب ردة فعل، قد تستمر لأشهر أو حتى سنوات (Post Traumatic Stress Disorder «PTSD»).
عندما نشعر بالخوف نتذكر الأحداث بصورة أحسن، على الرغم من صعوبة تذكر هذه الأحداث، ولكن قد تكون مفيدة وتساعدنا في فهم ما حصل وعلى المدى البعيد تساعدنا على العيش ومواجهة المخاطر.
وعندما يكون الجسم تحت الإجهاد يفرز هورمون الأدرينالين، وذلك لتحفيز الجسم، وعندما يهدأ الجسم يعود مستوى هذا الهورمون للطبيعي.
إن ذكريات الحادث المؤلمة تُبقي على هرمون الأدرينالين بمستوى عالي. وهذا يؤدي إلى شعور الإنسان بالتوتر والقلق واضطراب النوم.
و يؤثر هذا الهورمون أيضاً على عمل الجزء من الدّماغ الذي يتعامل مع الذّكريات.
الإجراءات التي تخفف علينا ثقل الذّكريات
• الإصرار على عيش الحياة بصورة طبيعية قدر الإمكان.
الإصرار على العودة لروتين الحياة المعتاد الخاص بكل منا.
• الحديث حول ما حدث معنا، لشخص نثق به.
• مزاولة تمارين الاسترخاء.
العودة إلى العمل.
• كما أن تناول الطعام اللذيذ وإدراج ممارسة التمارين الرياضية كجزء هام من فعاليات أيامنا.
• فكرة قضاء وقت مع العائلة والأصدقاء إجراء اجتماعي فعال.
• الابتعاد عن لوم النفس على ما حدث وكبت المشاعر، وتجنب الحديث عن هذا الأمر.
- كل هذه الإجراءات إجراءات منهجية مجربة وثبتت فعالياتها، وبذلك الالتزام بها، ونتوقع أن تتلاشى ذكريات الحادث المؤلم.
- إن اعتزال الآخرين أمر غير مستحب وأيضاً شرب الكثير من القهوة أو الكحول أو التدخين والاجهاد بالعمل، واضطراب عادات الطعام المنتظمة، كلها أمور غير مستحبة، وتبقينا تحت تأثير هواجس الذّكريات الأليمة.