الضغوط النفسية في ظل الأزمات
بقلم المحللة النفسية  د.مرسلينا شعبان حسن بقلم المحللة النفسية د.مرسلينا شعبان حسن

الضغوط النفسية في ظل الأزمات

لم تشهد البشرية كوارث أقسى وأشد عليها من الحروب، وذلك لأن الحرب تقسي قلوب الناس، وتصل عند المتحاربين للموت الوجداني والميل إلى الهمجية والسلوك البدائي.

إن الضّغوط النفسية من جراء الحروب والكوارث تشكل تهديداً على صحة الإنسان النّفسية والاجتماعية، إذ تؤدي إلى ضعف في الأداء وتراجع في مسار الحياة العاطفية والاجتماعية، وتعتبر الضغوط النفسية الشديدة مماثلة لأقصى درجات الاكتئاب، وهي تصيب كل الأعمار.

إحباط الآمال

هذه الظروف العامة الضاغطة، تتسبب بضغوط شخصية مردها إحباط الآمال التي لا تتحقق، إذ نجد أن من لديهم طموحات كبيرة، ويعملون ويصادفهم الفشل يعيشون ضغوطات نفسيّة كبيرة، هذه الضغوط هي ما تشكل أزمة حقيقية في حياة هؤلاء الأشخاص، تتحدد بتمظهرين صريحين.

التمظهر الجسماني

المتمثل بـ: الإنهاك الجسدي، والشّد العضلي والتّنفس غير المنتظم والتعرق غير المتناسب مع حرارة الجسم، إضافة إلى أعراض الصّداع المتكرر، ونوبات الهلع التي من آثارها الرجفان وخفقان القلب، إضافة الى أمراض الدّورة الدّموية من ارتفاع الضّغط أو انخفاضه.

التّمظهرات النّفسية

وتتجلى بتراجع الأداء والانعزال، واضطراب عادات النّوم والأكل، وتراجع منطق الكلام، وفقدان التّركيز، والأرق وسرعة الاستثارة، ونفاد الصّبر وفقدان الدّافعية للنّهوض والذّهاب للعمل.

ثبت من خلال الدّراسات النّفسية العديدة حول أشخاص ممن تعرضوا لضّغوط نفسيّة شديدة، أن آليات التّكيف لديهم تختلف حسب الحالة المزاجية والصّحية، فنجد أشخاصاً يلجؤون للتّجنب ويعيشون بطريقة غاضبة وبصراع مع الألم، من حيث النكران والتّقبل، بمعنى أدق وسائل الحيلة أو التّكيف المحدودة تزيد من آثار الضّغوط، كما أن الوعي بالأسباب يجعلنا نتحاشاها وعيش ما يمكن عيشه، كما أن التّكيف مع الظّروف، مبتدأه العلاقة مع النّفس، لتبقى العلاقة بين الشّخص وذاته تتبدى بصورة أكثر سلاماً.

ومن الاستراتيجيات المساعدة في تخفيف الضّغوط النّفسية، إعادة النّظر في الأهداف الحياتية، بأن نضع أهدافاً قابلة للتّحقيق، بدلاً من المبالغة والتّهويل.

العمل على الجسد

من الأفكار الجدير بنا ذكرها الإشارة إلى أن الشّخص المنهك يكون اتصاله مع أحاسيس جسده شديدة، وبالتالي فإن العمل على استعادة العافية النّفسية يمر عبر العمل على الجسد، وبذلك فإن التّعلم الفيزيولوجي بتقليد حركات حيوية هو من أولى الحاجات السهلة التعلم في ظروف الإعياء النّفسية، والتي لها الأثر في استعادة بعض الثقة بالتمسك بالحياة، من خلال استعادة السيطرة على حركات الجسد.

هنالك فنيات للتّخفيف من الضّغوط تتمثل: بالحض على الفكاهة والضّحك، لأنه من خلال الضّحك يصبح الإنسان متجدداً 14مرة من حيث الاستيعاب، كما أن إدماج فنيتي التنفس المنتظم مع الضحك يحسن الاستيعاب إلى 18مرة.

هناك نوعان من النّوم: نوم متعمد هدفه الهروب من التّفكير وأداء الواجبات، والنّوم نتيجة الإنهاك الجسدي، الذي يعبر عن ازياد ضغوط العمل الطّويل لتأمين لقمة العيّش في ظل الظّروف الاقتصادية المتراجعة، يكون الاحتجاج الدّائم من ضيق الوقت ليصبح النّوم النّشاط الأبرز المفضل على نشاطات كثيرة، ويكون الاحتجاج الدّائم من ضيق الوقت.

هناك إشارات تخديرية داخل الجسد تجعلنا ننتبه إلى وقاية شخصيتنا من الانهيار، من مثل:

قلة الانتباه-تكرار التّعب والإعياء-تراجع الأداء أو القيام بالواجبات برداءة الانفعال الزائد.

ولكن من أشد العوارض النّفسية للضّغوط: عارض التّبلد الانفعالي Numbing، حيث أن التّجنب والتّبلد وسيلتان من الوسائل الدّفاعية للذات، يلجأ إليها الأشخاص للسّيطرة على بيئتهم ويمارسون بذلك تكيفاً سلبياً.

العزلة الاجتماعية

عالم النفسHorowitz1980 ، وجد في دراسة له أن حوالي 65% من الأشخاص يعيشون هذا العرض بعد مرورهم بظروف نفسية ضاغطة، نتيجة ظروف مهددة للحياة، كالحال في الحروب والنزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية، ونتيجة لتكرار هذا السّلوك البليد في التّعامل مع الأحداث القوية الأثر على الحياة، تصبح العزلة الاجتماعية من العوارض البارزة التي تأتي نتيجتها متجلية في الكف العاطفي والجنسي، بحيث لا يعود يشعر هكذا أشخاص بأي رغبة أو قدرة على المشاركة الوجدانية والحب، ليكون تحصن الشّخص الدّاخلي بموت العاطفة والشّعور، ويصبح أقرب إلى قبول أي نهاية مأساوية بدون ارتكاس يذكر. 

إن ضحايا الأزمات والضّغوط النّفسية المتراكمة يبذلون قصارى جهدهم لتحمل المسؤوليات، ولكن لا يلبث هذا المخزون أن ينضب معينه ويتدهور تكيفهم، كما إن فقدان الشّعور بالحياة ينحدر من سلبية إلى أخرى.

العقل الجمعي

وتبقى هناك علاقة بين العقل الإنساني والبيئة المحيطة، والتّفاعل مع الآخرين في شعور عام يطلق عليه العقل الجمعي يتأثر بالأحداث العامة، كما هو الحال الذي نعيشه في هذه المرحلة وبلادنا تعيش حالة الحرب. 

وإذا كان الأساس في مواجهة الضغط النفسي يكمن في إزالة الأسباب التي تشوه وتدمر العالم الروحي للانسان، و تغيير شبكة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والثقافية المنتجة والمسببة لذلك الضغط، فإن المواجهة الآنية و المباشرة تبدأ من دراسات التجارب العامة، وتطوير مهارات الأفراد، وأداء المؤسسات المعنية في التعاطي مع هذه الظاهرة التي باتت عامة وإن كانت بنسب متفاوتة ودرجات متعدده، و التأكيد على ضرورة انتصار الإرادة الذّاتية على انكساراتها مبعدة شبح الاستسلام والانغلاق على الذّات، و التركيز على منظومة القيم الإنسانية العامة وإبرازها، وبالدرجة الأولى الروح الجماعية وإعلاء قيمة الحياة.