دور الإنسان في التنوع الحيوي في حوض المتوسط تدميري أم تجميلي؟
تحدث بلوندل وزملاؤه في كتاب «منطقة المتوسط، التنوع الحيوي في المكان والزمان» عن دور الإنسان في التنوع الحيوي وأظهر الاختلافات في النظريات حول ذلك.
أجمع غالبية العلماء أن حوض المتوسط يملك خاصية هامة جداً وهي أن الإنسان يشكل جزءاً هاماً من المشهد الطبيعي ولا يمكن اعتباره دخيلاً عليه كما يحاول البعض الإيحاء، صحيح أنه يوجد استخدام جائر لكن لا يمكن وجود المناظر المتوسطية الطبيعية دون الإنسان.
نظراً للانقراض الجماعي الذي يجري للنباتات والحيوانات حالياً في أنحاء العالم جميعها، يمكن للمرء أن يتوقع حدوث تراجعات كبيرة في التنوع الحيوي ضمن منطقة كالمنطقة المتوسطية والتي كان قد تم إدارتها وتعديلها وفي بعض الأماكن، وإفسادها من قبل البشر ومنذ زمن طويل. ولكن وعلى نحو مفاجئ فإن المعدل الحالي للتراجع في المتوسّط ليس عالياً بمقدار ما هو عليه في العديد من الأماكن الأخرى، ومن الأرجح أن يعود هذا الأمر إلى حقيقة أنّ التراجع الذي يسببه البشر كان قد بدأ في السابق منذ عدة ألفيات خلت كما يظهر ذلك من خلال العديد من السجلات الأحفورية والأثرية.
البنية الاستثنائية
للنظم البيئية المتوسطية
على الرغم من ذلك، لا يوجد هناك شك حول التدهور الذي جرى والذي من خلاله أضحت معظم الأراضي الجنبية عبارة عن صورة مُعدّلة أو مُشتقة عن – إذا ما أردنا قول متدهورة - عن أشكال الغابات والأراضي الحراجية السابقة، ومن الأمور الثابتة وغير القابلة للجدال أنّ هذه البنية الاستثنائية في تنوعها وحركيتها للنظم البيئية والمجتمعات المتوسطية ناتجة في جزء منها عن التأثيرات البشرية. لقد أثّرت العمليات المُتضافرة للعوامل البشرية وغير البشرية على الأنظمة البيئية المتوسطية وعلى التنوع الحيوي فيها لينتج عنها أنظمة وُهب لها التنوع الحيوي المثير للدهشة، بالإضافة إلى القدرة الاستثنائية على التعافي ومقاومة الاختلالات.
نظرية الجنة الضائعة
يوجد هناك نظريتان أو نموذجان من الأفكار فيما يتعلّق بالعلاقات ما بين الإنسان والنظم البيئية في حوض المتوسط. الأولى: هي نظرية المنظر الطبيعي المتدهور أو الجنة الضائعة والتي قد أيدها مؤرخو القرن السادس عشر والسابع عشر ومن ثم عدد كبير من البيئيين والمهتمين بالغابات، ومديرو الأراضي، تفترض هذه النظرية أنه قد نشأ عن إزالة الغابات والرعي الجائر المُمارسة من قبل الإنسان، التدهور التراكمي والتصحّر لأجزاء عديدة من المناظر الطبيعية المتوسطية، ومن بينها الكثير من الغابات السابقة الرائعة.
إسهامات الإنسان في الصون والتنوع
أكّد عدد من الباحثين على أنّ الاستخدام غير المستدام ونضوب الموارد، هما أفضل عبارتين يمكن أن تصفا التأثرات ما بين الإنسان والنظم البيئية المتوسطية عبر الألفيات المتعددة، وبشكل خاص أثناء القرون القليلة الماضية. تتحدى المدرسة الثانية هذه الأفكار التي تقول بالأثر التدميري الكامل للإنسان. فقد جادل البعض على أنّ الأمر ليس بهذه البساطة، وعلى أنّ الماضي الخيالي، الذي يتحدثون عنه، قد تمّ جعله مثالياً من قبل الفنانين والعلماء، والذين لم يعترفوا بشكل كامل بإسهامات الإنسان في الصون والتنوع وحتى في تزيين ورونقة المناظر الطبيعية المتوسطية منذ الفترة الجليدية الأخيرة. يشدّد عدد من الباحثين على أنّ المناظر الطبيعية الشبيهة بالسافانا أو المناظر الطبيعية الحراجية بالإضافة إلى السهوب الواسعة عديمة الأشجار، تحدث بشكل طبيعي وتكون مُميّزة لحوض المتوسّط.
فسيفساء الأحراج والجنبات
يلاحظ أيضاً أن فسيفساء الأحراج والجنبات والأراضي العشبية يمكن أن نجدها بشكل متكرر على مقياس المنظر الطبيعي، وتكون ناتجة عن عوامل غير بشرية بالإضافة إلى المحددات البشرية أيضاً. يمكن تسليط الضوء على حقيقة أنّ العديد من الجنبات والأشجار المتوسطية تعود مرة أخرى للنمو والتجدد حالما يتمّ قطعها، وهذا الأمر واضح في العديد من أجزاء المنطقة وبشكل خاص في جنوب أوروبا حيث تنمو الغابات والأحراج مجدداً بشكل تلقائي بسبب قدرة التعافي والتجدد المتوارثة ويحدث هذا في سياق هجرة الأراضي الزراعية وترك الريف.
نظرة تاريخية
شجب جورج بيركنز مارش (1874) في كتابه المميز وذو الأهمية «الأرض كما عُدلت بسبب أعمال الإنسان» (The Earth as Modified by Human Action)، سوء إدارة الإنسان وفشله في سدّ النقص الحاصل للموارد عبر الترميم والإعادة. لقد استنكر تدمير الغابات البدائية آخذاً المنطقة المتوسطية كأحد أمثلته الأساسية، الأمر الذي أدّى حسب رأيه إلى حدوث الفيضانات المدمّرة والملاريا ووصولنا لمناخ أكثر جفافاً. لقد عزا مارش العقم الملحوظ ودمار المناظر الطبيعية المتوسطية من بين أحد الأسباب إلى «الاستبداد، والحكم الكنسي المطلق، والاستخدام الخسيس للأراضي من قبل رجال الكهنوت». وبالرغم من ذلك، عزا مؤلفون آخرون تراجع الغابات وهجر المزارع في المنطقة إلى ظاهرة تناقص معدلات الهطول المطري، وهو بحد ذاته نقاش تم عكسه في وقت لاحق من أجل ادعاء أنّ الترب المتوسطية كانت قد تدهورت بسبب الأمطار الغزيرة المتعلقة بالشذوذات المناخية! وفي الواقع تدعم النظرة العامة التاريخية/الأثرية نموذج التغير اللاخطّي، أي بالتحديد التناوب الدوري بين التكثيف الزراعي والتخفيف.
من السمات العامة التي تتسم بها الغابات المتوسطية نجد الهشاشة وعدم الثبات والتدهور، ولكن مع وجود قدرة واضحة على التجدد عبر الزمن في معظم الحالات.