وجدتها: الإيكوشارات الصغار
عندما وضع إيكوشار المخططات المعمارية الجديدة لمدينة دمشق لم يكن غائباً عن ذهنه البعد الاستراتيجي والنفسي للتخطيط المعماري وبالتالي فقد كانت رسالة موجهة ومدروسة أشد الدراسة لأهداف مبيته محدودة.
إن اختراق البنية المعمارية ذات النسق المتشابك للمدينة بشوارع متعامدة تخترق لب المدينة لتقطع أوصالها ليس وليد الصدفة حتماً.
إن الانقطاع البصري والمادي والمعنوي لسوق ساروجا على سبيل المثال الذي يبتره شارع الثورة، هو أحد الأمثلة الواضحة بشدة على هذه العملية بحيث لا يمكن للسائر في هذا السوق أن يدرك الوحدة البيئية والمعنوية والمعمارية لطرفي السوق إلا بصعوبة جمة.
هذا ناهيك عن عزل العديد من الأماكن الأثرية وانتزاعها من بيئتها الطبيعية بطريقة تدريجية أو بترية، كما حصل مع حمام القرماني الذي تمت إحاطته بأسواق غير نظامية بادئ الأمر (مما سهل عملية تدمير أجزاء كبيرة منه بعيداً عن الأعين) ومن ثم كشفه ليظهر وحيداً في بيئة غريبة عنه أشد الغربة من أبنية وحشية الطابع كمثال البناء القابع قرب مجمع يلبغا ذاك الذي لم ينته.
لست هنا أريد إلقاء اللوم على إيكوشار فحسب، فهو مستعمرـ لا نرجو منه خيراً لبلدنا حتماً، لكن العديد من الإيكوشارات الصغار المزروعين في أماكن عديدة، ما زالوا ينفذون خطة سلفهم، وهم خير خلف لذاك السلف.
منهم من يدري ومنهم من لا يدري (وتلك مصيبة أكبر)، وتستمر العملية بهدوء منظم، تستغل صمت الغارقين في مآسيهم، من كوارث اقتصادية وإنسانية ووطنية، وهم يحفرون تحت أقدامنا غير عابئين بمن يئن ويتألم، وبذاكرتنا ونسيجنا الذي يتمزق أمام أعيننا.