«آي - قهر»

«آي - قهر»

حملت الفتاة الجميلة الجهاز الجديد بكل خفة، ابتسمت للعدسات التي تنهمر أضواءها على منصة التقديم، ثم بدأت على الفور بالنقر على شاشته البراقة، تمايلت لتبدأ الكاميرات بنقل كافة تفاصيل وانحناءات الجهاز المنتظر، لقد استغرق تصميمه عدة سنين وها هو اليوم ينطلق في حملة دعائية عالمية ترضي عطش ملايين المنتظرين والمتابعين، كما أن هناك من ينتظر في خيمة صغيرة أمام متجر «أبل» ليحجز مكاناً يمكنه في شراء الجهاز الجديد قبل غيره..

إنها الدراما الدائمة والغريبة التي ترافق صدور أجهزة شركة «آبل» التقنية الأمريكية كل حين، والتي لا تختلف كثيراً عن الاهتمام المشابه الذي يبديه المتحمسون لمنتجات الشركات الأخرى المماثلة، لكن تقريراً جديداً     للـBBC قد سلط العدسة على جانب آخر يختلف تماما عن نقاء «الجهاز الأبيض الفاخر»، وجه حالك للغاية لا يريد أحد الحديث عنه.
خفايا العمالة الرخيصة
لقد أخذت شركة «آبل» الشهيرة حصتها من الإعلام هذه السنة، وتعرضت الكثير من خدماتها للاختراق في أكثر من مناسبة، وها هي اليوم تعود إلى الواجهة بعد أن عرضت هيئة الإذاعة البريطانية تقريراً وثائقيا توجهت فيه إلى المراحل الأولى من خطوط إنتاج أجهزة «آبل» المعروفة، وأظهرت للعالم مشاهد صادمة لخصت فيها ظروف العمل المزرية التي يعاني منها الكثير من العمال في تلك المصانع، وآثرت الحديث مطولاً عن خفايا «العمالة الرخيصة» التي تعتمدها الكثير من الشركات التقنية بعد أن نقلت معظم معاملها إلى الدول الفقيرة والنامية لتحقق المزيد من الأرباح، دون أي مراعاة للعواقب الإنسانية من وراء ذلك.
السباحة في المجارير
بدأ التقرير بمشاهد من الجزيرة الأندونيسية «بانجكا»، وتحدثت عن المورد الصيني الأساسي لمادة القصدير، والذي يزود مصانع «آبل» على الدوام، جالت العدسات في المناجم الصغيرة والخطيرة حيث يعمل بها الأطفال، والتقطت مشاهد صادمة لهم وهم يسبحون في المجارير ويفتشون في أكوام النفايات باحثين عن مخلفات مستعملة قد تحوي تلك المادة، وجوه بائسة لأطفال تغطيهم الاوحال والقاذورات، كما تلتفت لتلقط المزيد من الصور لمقابر العمال الذين قضوا في عملية البحث تلك بعد أن انهارت عليهم جبال الأوحال ودفنتهم في أمكنتهم، تزيل الجرافات الجثث النتنة فتلتقط العدسات جثة طفل وقد ملئ فمه المفتوح بالتراب! لا راحة من هذا العمل حتى ينتهي كل عامل من حصته اليومية من القصدير!
السقوط من التعب
تدخل الكاميرات السرية إلى المعامل الأخرى، كمصانع «بيجاترون» على مشارف شنغهاي، حيث يعمل الناس هناك في ورديات تفوق الـ 12 ساعة، ثم ينامون متعبين في غرف داخل المصنع تتسع الواحدة منها لـ 12 شخصاً، الكثير من عمال قد غلبهم التعب يغمضون أعينهم أمام الآلات، ينهر أحد المدراء أحد العمال ويشده من شعره محذراً من عواقب النوم امام الآلة، قد يصعق العامل وتتوقف دورة العمل إلى أن يتم إصلاح الآلة، يقول أحد العمال بصوت مسموع : «أريد أن انام.. قد أسقط متعباً قبل أن تحين استراحة الحمام»!، يظهر الفيلم العديد من الوثائق الرسمية المزورة التي تحمل تواقيع العمال وتثبت موافقتهم على العمل في ورديات ليلية إضافية فتزيل عنها أي شبهة قانونية، لكن لا داعي لذلك على جميع الأحوال، فلا أحد يهتم بكل هذا..
«الشركة تشعر بالإهانة العميقة»
أطلقت «آبل» منذ أيام تصريحاً نارياً ردت فيه على تلك «الإدعاءات»، وهددت بالملاحقة القانونية لمعد التقرير، وأفادت بأن الشركة «تشعر بالإهانة العميقة» من الافتراءات التي تضمنها التقرير، وشرحت بأن معظم مشاهده قد عرضت من قبل على قنوات آسيوية محلية بعد أن تم تركيبها من قبل الشركات المنافسة وأشارت إلى لائحة طويلة من المنظمات غير الربحية التي تتعمد تشويه صورتها والإساءة إلى أسلوبها في العمل، اسلوب «العمالة الخارجية الرخيصة»! كما تعمدت على تكرار الحجج القديمة ذاتها حين يتعلق الأمر بمثل هذا النوع من الاتهامات، والذي يتلخص بالاستفادة من توزيع الأدوار بين الجهة الموردة للمواد الأولية، والجهة المصنعة للمنتج، وصولا للجهة المسوقة له، فتلقي التهم على المورد وتغطي الكثير من سياستها بادعاءات «الخلل في التسويق»، وتبدأ بقذف كرة المسؤولية على جهات أخرى لا تملك حتى اسماً تجاريا واضحاً، لتتلاشى تلك الاتهامات بين تلال الورق والمعاملات القضائية.
حملة تلميع
على كل حال، يبدو بان «آبل» لديها الكثير من الامور لتفعلها الآن، ستبدأ حملة «تلميع» جديدة تحاول التخلص من تلك الاتهامات، وهذا أمر تبرع فيه «آبل» على الدوام، وهو ليس بالجديد على جدول أعمال الشركة العتيدة، لكن هل ستستطيع أن تزيح من أذهان من اقتنى جهازاً جديداً لماعاً صورة الفتاة الاندونيسية الصغيرة التي وضعت رأسها على طاولة العمل المزدحمة بقطع أجهزة المحمول، بعد أن فردت لنفسها مكاناً صغيراً لا تعكره أصوات الآلات.. ولو لخمس دقائق!

رابط التقرير:
https://www.youtube.com/watch?v=kSvT02q4h40