جولة تسوق
«تأجيل الخدمة الإلزامية لسنة على الأقل.. تأجيل إداري.. تأجيل دراسي ..تأجيل بداعي السفر ..خدماتنا مكفولة ومجربة.. والدفع عند الانتهاء من كافة الأوراق.. ريح بالك من كل المشاكل واترك الهم علينا.. وبمبلغ بسيط يسهل عليك حياتك..»
إنه أحد الإعلانات الغريبة التي يطالعها البعض يوميا على صفحات الموقع الأزرق، تتوضع بين الآلاف من الإعلانات الفيسبوكية فيما يشبه سوقاً شعبياً يضيع فيه الحابل بالنابل، سيارات وبيوت ومحلات وأدوات كهربائية والكترونية وصولاً للكلاب والقطط و مستلزمات النرجيلة، يمكنك أن تجد كل ما تريد اليوم على صفحات الإعلانات الفيسبوكية، مع إمكانية التفاوض على السعر المناسب وإبداء رأيك في المنتج المعروض للبيع، يمكنك حتى وضع طلبك على الشبكة ليبدأ مزاد من العروض قد يضمن لك صفقة مربحة.
الأسواق الرقمية
حالة مستجدة احتضنها الفضاء الرقمي المحلي، فـ «الشغل واقف» كما يقول الكثير من أصحاب المحلات، والأسواق خلت من روادها خلال هذه الأيام العصيبة، تقتصر عمليات الشراء على الضروريات فقط بعد أن عجزت الليرات القليلة على توفير كافة مستلزمات شريحة واسعة من السوريين، لكن بعضاً من السلع قد شهد نمواً مشوهاً في العرض والشراء، واخذت أسواق العقارات تلاقي حركة دائمة نتيجة حالات النزوح والهجرة الداخلية بين المحافظات كما أن بعض الأسواق قد امتلأت بالأثاث والقطع المنزلية المستعملة وفضل الكثيرون التبضع من هناك نتيجة الفارق الكبير في السعر دون أن يلتفت أحد إلى مصدر تلك البضائع، على كل حال، استطاعت صفحات «الأسواق الرقمية» الاعتماد على تلك المنتجات لتتمدد بسرعة، ثم ما لبثت أن استقبلت كل شيء يمكن بيعه، كل شيء مهما كانت قيمته.
لا ضرائب ولا عمولة
لا قيود على تلك العملية على الإطلاق، يمكنك وضع صورة توضيحية للمنتج الذي تود بيعه مع تعليق بسيط يحوي معلومات التواصل مع البائع أو ما تود من تفاصيل، ثم دع ذلك المنشور الالكتروني لـ«الزبائن»، عندها ستتوارد عشرات التعليقات والعروض المضادة حتى تتم عملية الشراء، لا رقابة ولا شرطة تموين، لا ضرائب ولا عمولة للوسيط، إنه الطريق الأقصر الذي يتبعه اليوم الكثيرون لتأمين ما قد يحتاجونه، مما دفع الكثير من أصحاب المحلات إلى إنشاء «واجهة فيسبوكية» لمتجرهم، يعرضون فيه قائمة المنتجات ويشرعون أبوابهم «الافتراضية» امام الجميع، لا حل سوى ذلك، وإلا ستبقى متاجرهم موحشة.
الجغرافيا ليست عائقاً
لم تعد العوائق الجغرافية عائقاً الآن، وهذه هي الميزة الأقوى لذلك النوع من العروض، يترك «سالم» ابن الجزيرة السورية تعليقاً صغيرا يشكر فيه صفحة «سوق دمشق للعقارات» قائلاً : «أنقذتني هذه الصفحة فوجدت غرفة صغيرة لوالدتي وأختي الهاربتين من جحيم الرقة.. شكرا لكل من ساعدني في ذلك» بينما يطالعك على الفور تعليق آخر على صفحة «السوق الالكتروني السوري» : «انتبهوا يا جماعة.. صاحب هذا العرض غشاش.. لقد اشتريت منه حاسباً محمولا الشهر الماضي وتبين بأنه معطل تماما..» ليتلوها سجال مطول تتزاحم فيه الآراء حول صحة هذا الكلام، حتى تكاد تسمع زعيق المشاركين كما لو أنك في سوق حقيقي!
أسواق ضائعة
لا يمكن النظر إلى هذا الأمر على أنه مجرد دعاية فيسبوكية «مكثفة»، وبالأخص بعد أن لاقى مثل هذا النوع من الانتشار وفي مثل هذا الزمن القياسي، إنه انعكاس واضح لحالة الاضطراب الاقتصادي التي تعاني منها البلاد، أسواق بلا رقيب ولا حسيب تبيع كل شيء لجميع الناس، جرعة كبيرة من الدهشة الممزوجة بالارتباك تطالعك بين الإعلان والآخر يحاول من خلالها أصحاب المصالح التشبث بـ«الافتراضي» لانتشال «الواقعي» من القعر.