وجدتها : في الأداء الإعلامي

وجدتها : في الأداء الإعلامي

خلافاً لما كانت المناهج القديمة تقدمه من أن الحياد والموضوعية أساسيان في مبادئ عمل الإعلامي والوسائل الإعلامية، يتعلم الدارسون في أساسيات الإعلام في المناهج الحديثة أن الإعلام يمثل دوماً مصالح الجهة المالكة أو الممولة، وأنه لا حياد ولا موضوعية في الإعلام، ويتبقى فقط المهنية مع قشور من الموضوعية. لكن هذه الأساسيات تبقى حبيسة الكتب الأكاديمية، وضمن عملية اللاحياد واللاموضوعية يظهر التظاهر بالحياد والموضوعية على أشده، لإثبات مالا يمكن إثباته بطبيعة الحال.

لكن من العيوب التي يقع فيها الإعلام في مقتل هو السقوط في فخ التوصيف والرد والسباب وطريق الفضائح وهو ما انزلق إليه بعض من الإعلام المحلي، رغم أن الإعلام المتزن يجد دوماً مقاربات لها علاقة بالتحليل والتقصي المفضي إلى إيجاد الحلول، ليكون بذلك قد خطا خطوة إلى الأمام متقدمة عن أحاديث المقاهي، وإلا فما هو الجديد الذي سيقدمه إلى المتلقي الساعي وراء المعلومة ووراء الحل، في ظل أوضاع باتت تبعث على اليأس، وخاصة في مفردات الحياة اليومية، ومتابعة أخبار القتل والدمار.

فإذا كانت جرعة الأمل المطلوبة من الإعلام في وظيفته كمحرك لوعي الناس تستند إلى عملية وصفية سطحية، وليس إلى تحليل عميق، فهي ليست قادرة على الإقناع ولا إلى الوصول إلى أعماق الوعي وطمأنته إلى خبرة من يعتقدون أن بيده الحل، لا بل قد تساهم في زيادة جرعة الياس المنتشرة، من خلال جرعات عالية من مشاهد الدماء والقتل والدمار، وتحول الضحايا إلى مجرد أعداد، يدور العداد من خلال أجسادهم يومياً.

ويصبح الإعلام أبعد فأبعد عن دوره الوظيفي كإعلام وطني من المفترض أن يعبر عن مصالح مموليه (دافعي الضرائب السوريين الذين يشكل العاملون بأجر أكبر شريحة منهم)، ويغدو مدافعاً عن مصالح ليست حتماً مصالح السوريين بطريقة منحازة إلى أقصى الدرجات، مظهراً السوريين كأكبر مدافع عن رفع سعر الخبز!!!! من خلال المقابلات «العشوائية» التي يقوم بها مع مواطنين «عاديين» من الشارع السوري، إن هذه الممارسات التي تتنافى مع المهنية، فالإعلام الوطني الذي من المفترض أن يكون منحازاً للمزيد من الدعم لمموليه، يصبح في نوع من انفصام الشخصية عاملاً ضد مصالحهم، وفي أحسن الأحوال صامتاً، وقد قيل هو شيطان أخرس.