أجهزة العلاج والكشف عن الفيروسات: ضرورة التمييز بين التمني والتقييم العلمي (1/2)
د. محمد أشرف البيومي د. محمد أشرف البيومي

أجهزة العلاج والكشف عن الفيروسات: ضرورة التمييز بين التمني والتقييم العلمي (1/2)

أكتب هذا المقال من واقع المسؤولية كمواطن مهتم بصحة ملايين المصريين المصابين بمرض يسبب المعاناة الصحية الشديدة وغالبا ما ينتهي بالموت المبكر، وكمشتغل لعدة عقود بالعلم ومهتم بمستقبله في مصر وبسمعة الوطن، وكحريص على سمعة جيشنا الوطني خصوصا في الظروف السياسية التي تمر بها البلاد الآن. لايخفى على أحد أن هناك قوى سياسية محلية وإقليمية وأجنبية تسعي للنيل من جيشنا الوطني وتشويه ما أنجزه بالفعل من حماية هوية المجتمع وإنقاذ مصر من براثن الإخوان والإسلام السياسي. لكل هذه الأسباب وجدت من الضروري تناول موضوع جهاز الكشف عن فيروس سي والإيدز عن بعد وجهاز آخر يعالج من هذه الأمراض والعديد غيرها، خصوصا وأن هذه الأجهزة تعمل بقواعد غير معروفة علميا

هل أصبح البحث عن الحقيقة جهلاً وعمالة وتحطيم آمال؟
سرعان ما يتهم لغير المقتنعين بهذا الاكتشاف، وغيره من اكتشافات سابقة تزعم الوصول إلى علاجات ناجحة، بأنهم أعداء النجاح أو أنهم لا يؤمنون بالقدرات المصرية أو أنهم غير وطنيين وجهلاء وعملاء، أو أنهم لا يفهمون المتغيرات العلمية أو أنهم غير متنبهين لوسائل مافيا الدواء العالمية التي صدرت مبيدات سرطانية ( انظر مقالات للكاتب بالأهرام الإقتصادي في أوائل الثمانينيات) ولغطرسة قوي الهيمنة الأجنبية التي نتصدى لها دائما،أو أن لديهم أسباباً شخصية غير معروفة. كما أنهم مشككون، علماً بأن الشك والتساؤل فضيلة عندما يكون أول خطوة في البحث عن الحقيقة بل هو واجب علمي ووطني. أما الثقة العمياء وقبول الأمور دون تمحيص و تفكير فهو الخطيئة بعينها. و رغم ذلك، نتفهم تعلق المرضى بتمنيات غير واقعية ولكن هذا لا يمكن أن نقبله من باحثين جادين.
إن اتهام غير المقتعين بأنهم يحبطون آمال الملايين من المرضي ولا يكترثون بهم اتهام غير صحيح في حين أن إعطاء أوهام للمرضى مما يؤدي لبعضهم التوقف عن العلاجات الحالية (رغم أنها لا تقضي على الفيروس بشكل كامل) فينم عن عدم مسؤولية كبيرة. ولهذا يجب ان نتحلى بأقصى مستوى من المسؤولية، كما يجب التحفظ الشديد والحرص الكبير قبل اعلان نتائج موثقة وخاضعة للقواعد العلمية وعلى رأسها الحصول على  النتائج نفسها تحت  الظروف نفسها.

استدعاء المنطق

 أؤكد أن هناك عدة جوانب متعلقة بالمنطق البسيط التي لا تتطلب أي خلفية علمية وتكفي وحدها لبلورة قناعة أولية. كما أن هناك أموراً أخرى  تتطلب معرفة بالأداء العلمي وتطوره والتمييز بين الثوابت والمتغيرات العلمية. الوسيلتان معا تؤديان إلي قناعة أكثر تأكيداً في غالب الحالات حتي قبل حسم الموضوع من خلال القياس العلمي الملتزم بالقواعد الصارمة المعروفة للقائمين بمثل هذه الدراسات.

على من تقع المسؤولية؟

فريق البحث هو المسؤول الاساسي عن صحة النتائج ودقة المزاعم العلاجية وليس المؤسسة، سواء كان جيشاً أو مركز بحوث او جامعة إلا اذا تبنت المؤسسة رسميا صحة النتائج. اقحام جيش مصر الوطني في الموضوع قبل التحقق منه من قبل مؤسسات علمية محايدة أمر خطير خصوصا في الظروف السياسية الحالية. ولهذا أري من الحكمة أن تنأي المؤسسة العسكرية بنفسها عن أي اكتشافات حتي التحقق القاطع من صحتها وأن تصدر بيانا واضحا وعاجلا بذلك.

اكتشافات أمريكية زائفة

هناك اكتشافات أمريكية تتناقض مع أسس علمية ثابتة فكيف تعاملت معها المؤسسات العلمية؟ وماذا كان مصيرها؟. فعلى سبيل المثال نذكر إدعاء انصهار نووي عند درجات حرارة عادية. ورغم أن باحثين مرموقين قاموا بهذا الاكتشاف، وزعم أحدهم أن قيمة الاكتشاف ثلثمائة تريليون دولار، إلا أن الجمعية الفيزيائية الأمريكية «شككت» في الاختراع ثم رفضته بعد فشل تكرار النتائج وغياب نموذج نظري للانصهار النووي البارد. وسرعان ما تراجعت الجامعة التي أجريت الأبحاث بها عن دعمها.  يجب أن أؤكد هنا أن المؤسسة العلمية أعطت فرصة حقيقية لإثبات صحة أو خطأ الاختراع رغم الشكوك الكبيرة وأكرر أن مصداقية أي اختراع أو اكتشاف ترتكز على الإثبات المعملي المتكرر. والجدير بالملاحظة أن العلميين الذين توفرت لديهم خبرة طويلة، وبصرف النظر عن تخصصاتهم لديهم القدرة على التمييز بين ما هو علمي وما هو غير علمي مهما كان الاكتشاف مدهشا أوغير متوقع مثل اكتشاف نوع جديد من الكربون غير الجرافيت والماس.

اكتشافات مصرية مزعومة

وفي واقعنا المصري لا بد من الاستفادة من خبرات سابقة متعلقة باكتشافات مزعومة تبين فيما بعد عدم مصداقيتها رغم الإدعاءات الواسعة إعلاميا. سأسوق حالتين فقط من أمثلة عديدة. أولها اكتشاف طبيب مرموق في عمله كجراح ولكنه أعلن عن دواء لفيروس الإيدز وأسماه إم إم واحد وإم إم إثنين تباركا بالحروف الأولي للرئيس مبارك والرئيس موبوتو. هذا الدواء يعتمد على حقن من اللبن والذي يؤدي إلى استنهاض مؤقت لجهاز المناعة بسبب بروتينات اللبن الدخيلة في الدم وبالتالي تقل أعداد الفيروس ولكنها تعود لمستواها السابق بعد فترة قصيرة.
المثال الآخر لأستاذ بجامعة الإسكندرية والذي زعم كما أعلن «اكتشاف علاج نهائي للسرطان بدون التدخل الجراحي أو الكيميائي باذن الله» وشكلت لجنة لتقييم الموضوع انتهت بتحويله لمجلس تأديب.
إذا هناك تاريخ حافل في إعلامنا باكتشافات مذهلة ولكن للأسف لم تستند للمعايير العلمية بل تميزت بعدم المسؤولية وأحيانا بغياب الأمانة العلمية التي كثيرا ما تضرب بعرض الحائط في هذا الزمن.
والمدهش أن الاتهامات المعتادة سيقت للدفاع عن هذه الاكتشافات المزعومة من عدم الإيمان بالقدرات المصرية والعدوانية ضد النجاح ..الخ.  وكثيرا ما صاحب هذه الاكتشافات المذهلة عروض سخية بالملايين بل بالبلايين من الدولارات من مصادر مجهولة.

الالتزام بالقواعد العلمية

ليس كافيا أن يعلن باحث أنه التزم بالقواعد العلمية المتبعة بشأن اكتشاف دواء أو طريقة علاج جديدة بدءا بالاختبارات على الفيروس ثم الحيوانات وانتهاءً بالاختبارات على المرضى. وليس كافيا أن يؤكد أن اختيار العينات تم بطريقة علمية. لابد من توثيق الإجراءات بشكل كامل علما بأن هذا لا يتناقض مع سرية الاكتشاف. أما الحديث عن إحضار مريض وعلاجه لإثبات نجاح جهاز أو دواء فهو حديث غير علمي وغير مسؤول. والقول بأن تجارب ناجحة أجريت في الهند وباكستان واليابان فهذا لايعني شيئا دون تقرير علمي موثق من قبل هيئات علمية معروفة تذكر بالتفصيل كيفية اختيار العينات ووجود عينة حاكمة والظروف التفصيلية لهذه التجارب من حيث المتابعة الدقيقة لكل مريض في العينات  وتطور المرض لفترة زمنية كافية للتأكد بأن اختفاء الأعراض وتراجع عدد الفيروس في الدم  ليس مؤقتاً وأن الفيروس لم يختف كليا بل أصبح كامناً في أعضاء مختلفة من الجسم.  
 
عن موقع حركة الديمقراطية الشعبية المصرية