المحميات نظرة حالية ومستقبلية
لا تشكل غالبية المحميات في سورية أنظمة بيئية معقدة فقط وإنما هي نظم اجتماعية وبيئية معقدة تُظهر درجة عالية من عدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ عندما يتعلق الأمر بإدارتها
من الواضح أن الغرض من نظام المحميات هو أن يكفل عدم فقدان أي من مكونات النظام البيئي بسبب عملية بشرية أو أحداث عشوائية. مع ذلك، فإن النظم البيئية، بحكم طبيعتها، تعدّ بدرجة عالية أنظمة ديناميكية وبالتالي فمن المهم إيضاح أهداف نظام المحميات لتجنب محاولة عرقلة هذا النظام عند نقطة معينة أو محاولة العودة إلى نقطة ما في الماضي.
قوة المحميات
تتوزع عوامل قوة المناطق المحمية على عدة مجالات منها طبيعة تركيبها وإدارتها والتشريعات المتعلقة فيها ومشاريع المحميات الرائدة.
فنجد أن معظم المحميات تقع تحت سلطة وإشراف وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي التي تعتبر أقوى الوزارات في سورية من حيث ميزانيتها الضخمة وكوادرها البشرية المؤهلة والعديدة، ومراكز البحوث التابعة لها والمنتشرة على الأراضي السورية كافة، إن الحماية والرعاية والإشراف الذي تؤمنه الوزارة يعتبر عامل أمان رئيسياً للمحميات ولا غنى عنه في هيكلية إدارتها.
وهي تغطي جزءاً هاماً من التنوع الحيوي الطبيعي والتنوع الحيوي الزراعي. كما يعتبر تنوع طبيعة المحميات بين رعوية وطبيعية وبحرية وغيره عاملاً هاماً.
تعتبر المشاريع الرائدة في دراسة المحميات ووضع الخطط الإدارية لها كما في محميات الفرنلق وأبو قبيس وجبل عبد العزيز ضمن مشروع إدارة المحميات والذي تبعته لاحقاً محمية اللجاة كملحق للمشروع، ومن قبلها محمية الأرز والشوح، من النقاط الهامة والأساسية التي تستند إليها الخبرة السورية في دراسة وإدارة المحميات.
إن الدراسات الناتجة عن المشاريع الرائدة تعد من الوثائق المفتاحية التي يمكن استخدامها كنموذج مبدئي للدراسات اللاحقة في المحميات وخاصة منها الطبيعية، ويرفدها العديد من الدراسات التي أجريت في الجامعات وخاصة في كليات الزراعة والعلوم، بالإضافة إلى جميع الأبحاث التي أجريت في مجال التنوع الحيوي في سورية على اختلاف مجالات البحث.
أجريت دراسة للمناطق الهامة للنبات في سورية في العام 2010 ويمكن الاستفادة منها في زيادة عدد المواقع المحمية بناء على أسس علمية.
وضع قانون البيئة الأساس الذي يمكن الاستفادة منه من أجل تطوير تشريعات خاصة بالمحميات، وتعتبر الاشتراطات الخاصة بالمحميات أولى الخطوات على طريق تنظيمها.
نظام الحمى
يوجد ضمن التقاليد والعادات المحلية في مختلف مناطق سورية ما هو هام جداً لدراسته، كونه قادراً على دعم استدامة المحميات بعلاقة سليمة مع المجتمع المحلي، وقد جرت دراسات أولية تتعلق بنظام الحمى كتجربة مماثلة لما جرى في الدول العربية المجاورة.
توجد في الجامعات السورية ومراكز الأبحاث على اختلاف نوعيتها وتبعيتها كوادر عديدة يمكن الاستفادة من خبراتها، بالإضافة إلى الخبراء المستقلين. إن معظم العاملين في المحميات هم من أبناء المنطقة المحيطة بموقع المحمية، وهذه التجربة بحاجة إلى تثبيت وتعزيز، من خلال قوننتها، وتشجيع ممارستها.
عوامل ضعف المحميات
تعاني المحميات من مشاكل في:
طريقة اختيارها ومنطقه: حيث يجري الاختيار بطريقة استنسابية، لا تعتمد لا على أسس التمثيل للنظم البيئية ولا على هشاشة الموقع أو حساسيته لنوع من الأنواع الهامة على المستوى الوطني أو المهددة بالانقراض، أو فرادة الموقع محلياً أو أهميته للأنواع المهاجرة، وقد جرت هذه الحالات في عدد قليل من المحميات التي تمت تسميتها مؤخراً كمحمية طائر أبو منجل الذي يعتبر نوعاً مهددا بالانقراض بشكل شديد، وقد جرى ذلك على أرض الواقع بتأثير الرأي العام العلمي العالمي وليس من خلال نظام تقييم وطني للمواقع، وكذلك لا يجري الاختيار وفق معايير المناطق المهمة للنبات أو الحيوان، وقد شهدت هذه القضية تحديداً تجاذبات سياسية، تمخض عنها عدم إشراك أي من الباحثين السوريين في اختيار المناطق الهامة للحيوان في سورية وتم توكيل هذه المهمة للباحثين الأتراك، الذين قاموا بإجراء الإختيار بناء على الدراسات المرجعية السابقة وتم تدارك هذا الوضع بالنسبة للنبات، فجرت دراسة شارك فيها عدد من الباحثين السوريين لاختيار المناطق الهامة للنبات على أسس علمية وهي 33 منطقة في كل سورية في العام 2010، وللأسف لم يؤخذ بنتائج هذه الدراسة حتى الآن. كما لم تجر أي دراسة للمواقع بناء على أسس اتفاقية التراث الطبيعي والحضاري العالمي، الذي يقيم المواقع بشكل رئيسي بناء على فرادتها بالنسبة للعالم رغم أن هناك العديد من المواقع المرشحة ضمن هذه الفئة، مع أنه تم اختيار محمية التليلة بمنطق الإرث الطبيعي في العام 1992، كما لم تجر أي دراسة في مجال اختيار المواقع الفريدة على المستوى الجيولوجي، لتكون حدائق وطنية من نمط الحدائق الجيولوجية رغم محاولات لترشيح موقع الصفا كمنطقة رائدة لهذا النوع من المحميات.
إدارتها: التي تعاني من العديد من القضايا أهمها، علاقة الإدارة بالسكان المحليين التي تعاني من نقص في الخطط التي تشجع على تقاسم المنافع و تعزز الارتباط العضوي بالمحمية وإدارتها.
آخذين بعين الاعتبار العلاقة غير الودية بين العاملين والسكان، للأسباب التاريخية التي تجعل السوريين يرتبطون بعلاقات غير ودية مع السلطات المحلية عموماً، لارتباط ذلك في الذهني ببقايا الاحتلال العثماني ومن بعده الفرنسي الذي اغتصب الأراضي ودمر الأرزاق ودام لفترة حوالي 450 عاماً، مما يجعل الأمر بحاجة إلى إعادة برمجة الوعي الشعبي تجاه نوع جديد من العلاقات الأكثر ودية وصحية.
ارتباط المحمية بالنساء: ارتباط العمل الزراعي والجمع للنباتات البرية والاحتطاب وغيره من نشاط المحميات بالنساء عموماً وإمكانية جهلعن شريكات في أعمال المحمية بدلاً من تعليمهن النشاطات غير الأصيلة وغير المرتبطة بالمحمية كالأشغال اليدوية والصوف وغيره من الطرق التقليدية المرتبطة بمنطق تفكير المدينة وليس الريف.
استمرارية واستقرار العاملين فيها: وارتباطهم بالمحمية ذاك الذي يمكن تعزيزه من خلال إجراء الدراسات العليا عليها من قبلهم، واستمرارية الأبحاث على أيديهم، وتسهيلات النشر التي يمكن تقديمها لهم من خلال نشرات خاصة بالمحميات والتنوع الحيوي السوري، بالاضافة إلى تحسين أوضاعمم المادية من خلال نظام حوافز مشجع للعمل في المحميات.
تعزيز البنية التعليمية والتوعوية: في المناطق المحيطة بالمحمية من خلال البنى التعليمية التقليدية أولاً، ومن خلال جعل المحمية منارة للعلم في المنطقة تؤسس لارتباط أبناء المناطق المحيطة بالمحمية بها ارتباطاً عضوياً وتأهيلهم ليكونوا رعاتها وحماتها في المستقبل القريب.
دراستها: حيث أن الدراسات التي أجريت على الجزء اليسير منها كانت سريعة جداً لا تتمتع بالاستمرارية، حتى أن التوصيات والخطط الموضوعة بنتيجتها لا تنفذ ولا تؤخذ بعين الاعتبار رغم الأموال الكبيرة المصروفة عليها.
وتعبّر هذه التهديدات عن نفسها اليوم على النحو التالي :
• أدى التحوّل من النظم البيئية الطبيعية والموائل إلى الزراعة المكثفة، والبيئة المصطنعة إلى استبدال الموائل الطبيعية، وتقطّع طرق الهجرة وتفتيت الموائل الطبيعية.
• تسبب الصناعات الاستخراجية كالتعدين والمقالع أضراراً لمكونات النظم البيئية والعمليات الطبيعية التي تعتمد عليه.
•يؤثر التلوث الناجم عن الصناعة، النقل، الزراعة، الملوثات المنزلية ذات المصادر المحلية على النظام البيئي ويسبب ضعفا كبيرا فيه.
• تضرّ عملية تطوير البنية التحتية مثل الطرق، السدود، الموانئ بالنظم البيئية الطبيعية.
• يؤثر تغيّر المناخ على النظم البيئية الطبيعية، مما يجعل الأراضي القاحلة والرطبة والنظم البيئية الجبلية بشكل خاص أكثر هشاشة.
• يسبب الإفراط في استغلال الموارد المائية ضرراً كبيراً للنظم البيئية، وبخاصة الأراضي الرطبة.
• يمكن أن يقلّل الاستغلال الجائر للموارد البرية مثل حيوانات الصيد، موارد الرعي، الأخشاب، الأسماك وغيرها، من أعداد الأنواع ويجعلها عرضة لفقدان القيم الاقتصادية أو حتى للانقراض.