جربه.. «بيعطيك جوانح»

جربه.. «بيعطيك جوانح»

هل تريد أن تصبح بطلاً خارقاً؟ هل تريد أن تصبح ملاكماً خطيراً، أو مصارعاً محترفاً، أو حتى لاعب كرة شهير، هل تريد التركيز في الامتحانات والحصول على أعلى الدرجات؟ هل تريد المحافظة على نشاط عقلي دائم يجعلك قادراً على حل جميع المشكلات اليومية التي تواجهك؟ أم هل تريد البقاء صاحياً لأيام وأيام على أقل تقدير كي تستطيع إنجاز جميع ما قد تراكم من أعمال؟ الحل بسيط.. لدينا الاكسير العجيب الذي سيعيد إليك شبابك ويزودك بالطاقة اللازمة لعقلك وجسمك.. إنه ببساطة..«بيعطيك جوانح»!!

إنه سحر «مشروب الطاقة» الذي تتغنى به الكثير من التلفزيونات في فتراتها الإعلانية، مشروب جديد كل يوم  يطالعك في كل مكان مع الشعارات الرنانة التي تروج لها شركات إنتاج مشروبات الطاقة في العالم وبأساليب في غاية المكر والخداع، ستجد نفسك مضطراً إلى تشرب البعض منه دون أن تشعر، أنت بحاجة إليه، فجسمك مترهل تعب طوال الوقت، وهاهو الإعلان يقول لك بمنتهى الصراحة: «اشربه ولن تندم .. ستعجب بك كل الفتيات بعد أن تصبح خارق القوى وحاد الذكاء بعد رشفة أو اثنتين على الأكثر».
على كل حال، لقد ازداد الإقبال على تناولها إلى حد كبير في الأونة الأخيرة، لدرجة أصبح فيها السؤال ضرورياً، ما الذي نعرفه عن مكونات هذه المشروبات؟ هل هي سيئة أم آمنة؟ هل حقا تسبب النشاط الحقيقي دون ضرر؟ وهل تسبب الإدمان حقا نتيجة لوجود الكافيين بها أم إنها مجرد إشاعات لا ينبغي تصديقها؟ وهل هناك بدائل طبيعية لهذه المشروبات تمنحك الطاقة والنشاط؟ قد تبدو هذه الأسئلة مشروعة عند النظر إلى نسب المبيعات العالية التي حققتها شركات تصنيع تلك المشروبات وخاصة فى عشر السنوات الأخيرة حيث ارتفعت نسبة مبيعاتها إلى 60% عربيا فقط أي في منطقة نعلم جميعاً مدى تراجعها في مجال الوعي الصحي والغذائي بالذات.
بدأت هذه المشروبات بالانتشار في العالم منذ العام 1987، بعد إطلاقها من شركات نمساوية وهولندية وبولندية. وقد منعت إدارة الأغذية والدواء الأمريكية وقتها وعلى الفور تداول هذه المادة حتى يتم دراستها، بعد ان اكتشف العلماء أن في عبوة واحدة من مشروب الطاقة يوجد 505 ملغرام من الكافيين أو ما يعادل الكمية الموجودة في 14 عبوة الكولا ، وتابعت الدراسات المضادة لانتشار هذه المواد وخلصت في السنوات الأخيرة إلى أن مشروبات الطاقة تحتوى على مركبات متعددة أهمها كميات كبيرة جدا من السكر والكافيين، بالإضافة إلى مواد أخرى منشطة تمد الجسم بالطاقة من خلال حرق السكريات وإنتاج الطاقة، وتنبيه الجهاز العصبي المركزي بالكافيين، لكنها في الوقت نفسه تسبب التوتر وعدم النوم، لأن تلك الحيوية وقتية يليها الخمول والهبوط بعد أن مدت الجسم بطاقة زائفة، كما أنها تسبب القلق فبعد فترة يستهلك الجسم الكافيين وتقل نسبته في الدم بعد تخلص الجسم منه فيؤدي ذلك إلى حالة القلق تلك، وتلك حالات مشابهة لتأثير المخدرات، والأخطر أنه لو زادت الكمية لأدت إلى عدم انتظام ضربات القلب، ومشاكل في النوم، وبعض الأعراض النفسية والصداع، وارتفاع ضغط القلب وزيادة نسبة السكر في الدم والأرق ونزيف الأنف والنوبات المرضية، ومشاكل تسوس الأسنان، كما أكدت دراسة قامت بها الجمعية الطبية الكندية لشؤون التغذية أن مركب «تورين» الموجود في مشروبات الطاقة يقلل من فعالية الجهاز العصبي لدى الإنسان، وهذا المركب هو نوع من الأحماض الأمينية الموجودة في اللحوم والأسماك حيث تقوم الشركات المصنعة لمشروبات الطاقة بإضافته لمنتجاتها بكميات كبيرة، بالإضافة إلى تقليل واضح في فعالية الجهاز الهضمي كأحد أهم العوارض بعد تناولها.
ولمن لا يعلم، يمنع بيع مشروبات الطاقة في كل من كندا وأستراليا والنرويج والدنمارك وماليزيا وتايلاند وفى معظم القارة الأوربية وفى فرنسا يسمح بيعها فقط في الصيدليات، كما نقلت وكالات الأنباء مؤخراً قرار ست ولايات ألمانية إيقاف بيع مشروب الطاقة «رد بول» بعد اكتشاف آثار لمادة الكوكايين المخدرة في أحد أنواع المشروب، ومن المتوقع أن تنضم ولايات ألمانية أخرى إلى حملة المقاطعة إثر اكتشاف أن كل ليتر من شراب ريد بول) يحتوي على 0.4 ميكرو جرام من مادة الكوكايين) وذلك بعد تحليل أجرته سلطات الصحة في ألمانيا، وبالطبع، لن يسمع المستهلك العربي بأي من هذه الأخبار بعد أن تم تجيير «علم سلوك المستهلك» لأهداف ربحية بحتة، فالمتخصصون في بحوث التسويق يهدفون اليوم إلى دفع المستهلك إلى الشراء والشراء فقط، سواء بالإغراء الوهمي أو من خلال عرض المنتجات «الغذائية تحديداً» في مواقع محددة ومدروسة في الأسواق الاستهلاكية من أجل هذا المسكين الذي لم ولن يُخدم في تعديل سلوكه، ومن خلال المبالغة في وصف السلعة على غير حقيقتها إعلانياً، للحاق بركب المنافسة القوية التي تشهدها الأسواق من أجل الحصول على أكبر قدر من كعكة المستهلك، مستثمرين في ذلك كل أو أهم وسائل الإعلام أو حتى وسائل التواصل الاجتماعي.
أذكر جيداً إحدى جلساتي في احد المقاهي الشامية منذ عدة شهور، جلست مع صديقي في أحد أركان المقهى العتيق، لقد كان مزدحما للغاية يحتاج إلى الكثير من المتابعة من طاقم المقهى، ناديت أحدهم لأطلب مشروباً ساخناً، تلفت إلى شاب وتقدم مسرعاً نحوي، كانت عيناه غائرتين لكنهما مفتوحتان على أشدهما، تفضل «أستاذ» صرخ الشاب بوجهي دون أن تتحرك عضلة في وجهه، تعجبت من منظره هذا، كان يبدو متعباً ونشيطاً في آن واحد، طلبت بعض الشاي لي ولصديقي، وما إن انتهيت حتى قفز الشاب بعيداً دون أن يسمع بقية الكلام، تلفتت إلى صديقي ضاحكاً مشيراً إلى الشاب الذي يهرول بعيداً إلى المطبخ، اقترب مني صديقي وقال : «ريد بول» ولف أصبعه على رأسه في إشارة إلى الجنون، هززت رأسي وفكرت: «ربما يحتاج هذا الشاب أن يعمل لليال متواصلة دون انقطاع، الأوضاع صعبة ولا ضير من ساعات عمل إضافية تضع الطعام على الطاولة، لكن، سيؤثر ذلك سلباً على صحته بالتأكيد» صارحت صديقي بأفكاري مع رشفة الشاي الأولى فأجاب بسرعة «لقمة العيش.. من يضمن بقاءه حياً إلى يوم الغد!!»