ويكي.. صـراحـة!
يعد موقع ويكيبيديا من أشهر مواقع المعرفة الالكترونية المفتوحة المصدر في العالم وقد حصد نجاحاً كبيرا منذ انطلاقته في العام 2001 باللغة الإنكليزية، حيث قامت الفكرة على توفير أكبر قدر ممكن من المقالات، في شتى المجالات ،مجاناً، ثم انطلقت بعدها باللغات الفرنسية، والألمانية، وأخذت الموسوعة بالتوسع، ليصل عدد المقالات الآن إلى أكثر من ثمانية ملايين مقال منشورة في 250 لغة، ولتصبح «ويكيبديا» الاسم الأشهر والمرجع الأول لدى الكثيرين عند الحاجة للاستعلام السريع والبسيط عن أي موضوع شغل بال الدارسين والباحثين من الطلاب والأكاديميين، كما جذبت فكرة «المصدر المفتوح للمعلومات» العديد من المهتمين ليتعاون الجميع في صياغة المحتوى الرقمي لهذه الموسوعة الهائلة.
لكن لا بد من السؤال، هل يعد هذه الموقع موثوقاً بما فيه الكفاية؟ وهل يمكن الاعتماد على محتوياته عند القيام ببحث علمي جدي؟ قد تحمل محاولة الإجابة عن هذه السؤال القليل من الصعوبة، فالجميع «يهلل» للمصادر المفتوحة ويعتبرها نصراً معرفيا كبيراً على الرقابات الخانقة للحكومات والشركات الرقمية الكبيرة عن طريق إطار معرفي واسع ومفتوح للجميع،ويتعامل مع أي نقد لعمل تلك المواقع من إطار الدفاع عن حرية تناقل المعلومات، لكن ذلك يطرح وبقوة مشكلة ضمان صحة هذه المعلومات، حيث يمكن للجميع الإضافة عليها وإعادة تحريرها، وتقدم ويكيبيديا منصة رقمية سلسة تسمح لأي كان بالدخول والكتابة حول أي من المواضيع التي يهتم بها مستخدم هذه الموسوعة..
تحاول «ويكيبيديا» طمأنة متابعيها حول هذه النقطة بالذات، وتدعي وجود نظام مراقبة يعمل يومياً على فحص المشاركات الجديدة لمستخدمي الشبكة العالمية للتأكد من صحتها، لكن الكثيرين ينظرون إلى هذا الإعلان على أنه «دعاية» لا أكثر، فهم يعرفون جيداً كيف تتم عملية إضافة المعلومات على هذه الموسوعة الالكترونية العالمية ومدى تأثرها بالأهواء الفكرية والسياسة والاجتماعية لمستخدمي الشبكة، كما يلاحظون اختلاف المحتوى - بشكل مقصود أو غير مقصود - عند ترجمة المقال ذاته من لغة إلى أخرى، بالإضافة إلى مشاكل المستخدم العربي بالذات مع «ويكيبيديا» من ناحية ندرة الصفحات المكتوبة أصلاً باللغة العربية وضعف الصياغات العلمية للكثير من الموضوعات التي تناقشها صفحات هذه الموسوعة بالإضافة لخضوع تلك المحتويات للأهواء السياسية واختلاف التوجهات الفكرية المتناقضة في كثير من الأحيان ، فهل يمكن لأي منكم تخيل وجود صفحة موحدة تتحدث مثلاً عن حياة الرئيس السابق «صدام حسين» أو حتى «باراك أوباما» دون ان تتعرض معلومات هذه الصفحة للتحوير والتشويه من قبل من يرى نفسه قادرا على إضافة ما يعلم عن هذا الموضوع!؟.
على كل حال يميل الكثير من الاكاديميين إلى تنبيه تلامذتهم حول ضرورة استخدام وسائل أكثر جديدة في أبحاثهم اليومية والاعتماد على أكثر من مصدر عند صياغة النتائج النهائية، كما يشير الكثير من الباحثين في مجالات الاقتصاد والسياسية حول «تحيز» بعض مقالات الموسوعة الرقمية بشكل مقصود نحو أحد الاتجاهات الفكرية دون الأخرى وإهمال جميع التصحيحات التي يحاول المهتمون تزويدهم بها، وقد يعود السبب وراء ذلك إلى كون «ويكيبيديا» مؤسسة غير ربحية، تعمل من خلال مكتبها الرئيسي في كاليفورنيا، وتعتمد على مساعدات المستخدمين من خلال الموقع نفسه، حيث يتبرع الكثير من المستخدمين بشكل دوري لإبقاء هذا الموقع صامداً على الشبكة، إضافة إلى قائمة من كبار المتبرعين بينهم شركات ورجال أعمال كبار، مما يجعل الموقع ومحتوياته عرضة لسطوة أولئك «المتبرعين المجهولين» وأموالهم!!.