وجدتها: الموت المعلن
نحن لا نعمل بالسياسة، وليس لدينا نية التغيير، لكننا غير راضين عن الواقع، بهذه الكلمات، عبر صديقي عما تعلمناه عبر عقود من النظرة الإيجابية للروح السلبية فتقديس اللاعمل، وتقديس عدم التدخل في شؤون الدولة «كأن الدولة ليست دولتنا» باعتبار أن «اللي فوق أكيد أفهم مننا»،
وتقديس الشعور بالدونية تجاه من هم «أعلم وأفهم مننا بشؤون البلاد والعباد»، قد تكون هذه الروح متناسبة مع ذاك العصر مع ما حمله بالمعنى العالمي من انحسار لدور الجماهير في التاريخ، هذا الدور المترافق مع زيادة حجم الأنا الفردية وتحقير دور الأنا الجماعية، لكن سنوات النصف الثاني من القرن العشرين لم تكن خالية على الإطلاق من التجارب الإيجابية في إمكانية التغيير رغم تواضعها، وهي بذلك تثبت لنا أنه في أحلك الأوقات يحق لك أن تجرب على الأقل، وتثبت أن التجربة إن نجحت أو فشلت فهي تقيس لنا إحداثيات المكان والزمان ومدى قربنا أو بعدنا عن الوقت والمكان الملائمين، لكننا الآن وفي هذا الزمن العاصف ومع بداية القرن الحادي والعشرين وتغير الميل البشري نحو زيادة دور الجماهير في صناعة التاريخ وصناعة الحدث، واختبار القدرة على التغيير، لم يعد من المقبول أن نقف بدور المتفرج، ننتظر من يقرر لنا مصيرنا، معلنا موعد قتلنا، ونحن واقفون فاغري الأفواه غير مصدقين أنه قد يفعلها، كما في رواية غابريل غارسيا ماركيز «قصة موت معلن»، كأنما هو قدر محتوم لا راد له، نحن قادرون على ما هو أكثر من رد الفعل، إنه الفعل بطريقتنا الواعية ثم الواعية ثم الواعية.