البحث الرقمي.. إبرة في كومة.. مواقع !!
نزع نظارته بعصبية وألقى بها على الطاولة أمامه، أرجع رأسه إلى الوراء وفرك عينيه بشدة، ثم ألقى بنظره بعيداً عبر الشباك «إنها شمس الصباح..!» يهمس لنفسه غير مصدق، لقد أمضى ليلته كاملة يجول المواقع الالكترونية يبحث عن ضالته، عن مقال عثر عليه بالمصادفة منذ عدة أيام ولم يكلف نفسه وقتها عناء حفظه، وها قد قضى ساعات طوالاً يعاود البحث عنه دون فائدة، قد تعمل نتائج هذا المنشور الالكتروني على اختصار أسابيع من الوقت المخصص لبحثه العلمي الخاص، «لا فائدة.. لقد اختفى!!» ينهض متثائباً ويرمي نفسه متعباً على السرير المقابل، لكن عجزه هذا سيمنعه بالتأكيد من النوم..
حدث هذا مع الكثير منا، وربما في عدة مناسبات، إننا في حاجة دائمة إلى الشبكة الالكترونية العالمية لتجيب على العديد من الأسئلة اليومية في الحياة والعمل، لكننا ننسى أنها بطبيعتها مترامية الأطراف واسعة الآفاق كمكتبة كبيرة بلا فهارس ولا أمين عليها، وتكمن مفاتيح أسرارها في يد من يستطيع استثمار أدواتها على الوجه الأمثل، فقد تعرّف الكثير من المواقع عن نفسها على أنها الدليل الكامل والشامل لجميع صفحات الانترنت، لكن هذا بطبيعة الحال مستحيل تقنياً، فبصرف النظر عن محرك البحث الذي تستخدمه أو حتى مجموعة المحركات مجتمعة، فإنك لن تستطيع بحث المحتوى الكامل للإنترنت. ولهذا أسباب فنية وتقنية وهيكلية يمكن مناقشتها في وقت آخر. كما أن ما تقوم ببحثه هذه المحركات قد لا يكون محدثا بشكل يومي أو أسبوعي أو حتى شهري، الأمر الذي لا يتطابق مع ما تتضمنه إعلانات تلك المحركات.
لكن الجميع يستطيع اليوم ومن خلال البحث في الإنترنت الوصول إلى الدروس المجانية من أقوى الجامعات العالمية والتعرف على فرص الحصول على المنح الدراسية والحصول على مواد تدريبية مجانية تعزز التطوير الذاتي، بالإضافة لتدعيم البحوث والدراسات التي يعملون عليها والحصول على استطلاعات الرأي بعد التجوال الافتراضي حول العالم والتواصل وبناء شبكة العلاقات المهنية والشخصية، حيث ترتبط مهارات البحث التي يحتاجها أي من أولئك الباحثين في البيئة الرقمية بطبيعة البحث الذي يقوم به ومستوى العمق الذي يتطلبه، لتتنوع ما بين مهارات عامة أولية، والتي لابد لأي مستخدم للإنترنت امتلاكها للتعرف على الموضوعات التي هي ضمن اهتمامه العام، وما بين مهارات ذات صلة بنظام الاسترجاع، والتي تتطلب القدرة على التعامل مع نظم استرجاع المعلومات الآلية بأنواعها وفهم استراتيجيات البحث الآلي، و الخطط، والأساليب، وأدوات إجراء البحث والقدرة على تقييم نظم استرجاع المعلومات الآلية.
وبالتالي ، لا تبدو عملية البحث الرقمي بالبساطة التي ينظر إليها أغلب الناس فمثلا : قد تختلف النتائج من دقيقة واحدة إلى أخرى، ففي حال قمت بإعادة البحث مرة ثانية سوف تحصل على مجموعة مختلفة تماما من النتائج. لا تقلق، فهو ليس خطأك، وإذا كنت قد حاولت البحث في «جوجل» على سبيل المثال ولم تشعر بالرضا عن المخرجات التي أسفرت عنها عملية البحث، فليس من الخطأ أن تحاول التجربة مع المحركات الأخرى كبدائل لجوجل، والتي لا تتعامل مع خاصية التتبع أو الفلترة أو التخصيص، والعديد من الناس وجدوا نتائج أفضل عند استخدامهم محركات أخرى، والتي ربما تكون أفضل من النتائج التي يقدمها «جوجل»، كما أن بعض محركات البحث يطبق مبدأ التخصيص Customization أو الشخصنة Personalization وذلك بهدف بث المحتوى وفق سمات واهتمامات مجتمع المستفيدين. فيجب علينا أن نكون واعين تماما لهذا، وكيف يمكن أن يؤثر هذا على نتائج البحث. حيث تتم مراقبة ما كنت تبحث عنه، ثم تتم الاستفادة منه في تخصيص نتائجك والارتباطات الدعائية و الإعلانات، وفقا لذلك يتم تخزين هذه المعلومات في ملفات تعريف الارتباط على الكمبيوتر مما قد يحيد بنتائج البحث عما تريد، كما يبدو من المفيد استخدام أدوات البحث في وسائل الإعلام الاجتماعية للحصول على مزيد من المعلومات التي تمتاز بالدقة والتخصصية او استخدام الموقع أو المجال عند البحث في المواقع الكبيرة التي يبدو من المستحيل التنقل فيها.
لذا، قد يفاجأ صديقنا المنهك في اليوم التالي بقيام أحد زملائه في العمل بمساعدته بنجاح في البحث عن مقاله «الضال»، وقد يتمكن في وقت قياسي وبطباعة كلمات محدودة في محرك بحث خاص من الوصول إلى ما يريد، وهو ينظر مبتسماً في وجه صديقنا المصعوق، إن ما يقوم به ليس سحراً أو شعوذة، إنه نتاج خبرة جيدة في مجال «أصول البحث الرقمي» تنجم في الأساس عن دراية واسعة بالأدوات العديدة التي توفرها لنا شبكة الانترنت العجيبة، خلاصة المعارف الرقمية اليومية وبحر أسرارها.