(اقتصاد الأرض).. اقتصاد الإنسان
»لا أحد يدرك الإمكانات الهائلة التي يتيحها العصر الحالي لإيجاد مستوى معيشة رفيع على كوكب الأرض لم يسبق للبشرية أن عرفته من قبل، فلا المنظومات السياسية والمالية تعي ذلك، ولا المحترفون والخبراء المحدودون باختصاصاتهم، ولا عامّة الناس.
الآن أصبح بالإمكان توفير هذه المعيشة للجميع دون استثناء وليس لأحد على حساب أحد، لقد انقضى عصر الأنانية ولم تعد مطلوبة للبقاء، والحروب لم يعد لها أية فائدة على الإطلاق« - ريتشارد فولر
مرت الحركة الاقتصادية العالمية على امتداد سنوات العقد الأخير بأزمات خانقة تركت أبلغ الأثر على معظم جوانب الحياة البشرية، وتصاعدت معها الانتقادات الحادة للنظام الاقتصادي الرأسمالي بعد فشل نموذج »اقتصاد السوق« في احتواء مفاعيل تلك الأزمة من تفقير الطبقة العاملة وإغناء مجموعة قليلة من البشر على حسابها، وخلق إنسان مستهلك غير قادر على الإبداع يطوف يومياً داخل نظام مبني على ثقافة الاستهلاك المفرط والتضخم اللامحدود.
أدرك الكثيرون الحاجة الملحة إلى نظام بديل ينتشل الإنسان من هذه الدوامة الاجتماعية يقودها تطور وعي البشرية لنفسها وبيئتها المحيطة، وابتعادها شيئاً فشيئاً عن الأفكار والتصورات القديمة التي بدأت تتهاوى كنتيجة للدفق المتواصل من المعلومات الجديدة والكفيلة بتغيير نظرتنا إلى العالم من حولنا، وأصبح من الضروري الاستفادة من الأبحاث الاجتماعية والتطورات التقنية والعلمية بهدف التوصل منطقياً إلى منظومات اجتماعية تتسم بقدرتها على تلبية احتياجات البشر بأسلوب غير مسبوق يساهم في التقليص أو التخلص من الكثير من المشاكل الاقتصادية-الاجتماعية السائدة في عصرنا، وتهيئة كمية وافرة تقريبا لضروريات الحياة لكل سكان العالم، والسعي إلى التخلص من نقص الموارد في العديد من المجالات قدر الإمكان، لنخلق نظام «وصول مباشر» بدلاً من الملكية والمال، دعي هذا النظام الاقتصادي الاجتماعي بنظام «الاعتماد على الموارد» أو «نظام الأرض».
يقوم هذا التوجه على مجموعة من الأفكار التي فرضتها الثورة العلمية والفورة الرقمية في سنوات البشرية الأخيرة، وابتكار تطبيقات تكنولوجية متقدمة تسمح بتوظيف الإمكانات الحالية ضمن إطار هذه العقلية الجديدة، فعندما نأخذ نظرةً أكثر «تقنية» أو «علمية» على الشؤون الاجتماعية سندرك حقائق تتجاوز مفاهيمنا المعتادة المحكومة بالطبيعة النسبية لإدراكنا، فالكثيرون يقعون ضحيةً لافتراضات مسبقة يتم وصفها على أنها حالة «طبيعية»، مثل اعتبارنا أن الفقر والحرمان الذي يعاني منه أكثر من 3 مليارات إنسان شيئاً «طبيعياً»، أو حالة غير قابلة للتغيير بالنسبة لمن لا يدرك فعلاً حجم الغذاء المنتج عالمياً، وإلى أين يذهب أو كيف يتم هدره، أو لا يعي الطبيعة التقنية أو الإمكانات الحديثة المتاحة لإنتاج وفرة كافية من الغذاء في يومنا هذا.
يؤمن هذا النظام المقترح بضرورة ترقية التكنولوجيا، ويؤيد العمل من أجل التشغيل الآلي لإنتاج السلع وتأمين الخدمات، للتخلص من حاجة الإنسان للعمل والجهد إذا أمكن لتزداد الفعالية في إطار علاقات تكافلية مع الطبيعة وتوازن بيئي من أجل مجتمع مستقر، على أساس المنهج العلمي المطبق اجتماعياً، والتوصل إلى قرارات مستندة على البيانات الإحصائية والمنطق الاستنتاجي الموجه نحو فعالية قصوى في المشاريع، وليس على أساس آراء مبنية على المصالح الذاتية، وبالرغم من حداثة نشأة هذا النظام واتهام البعض له بالمثالية المفرطة إلا ان الأفكار التي يقدمها تستحق التمعن والمناقشة إن أردنا بحق الوصول إلى حل سريع وناجع يقي الأرض وسكانها من مساوئ سوء الإدارة والتوزيع ويحقق المستوى المنشود من العدالة الاجتماعية.