صورة الأنا

صورة الأنا

تناثرت في الإعلام الالكتروني هنا وهناك صور لملصقات ترسم فيها يد مرفوعة وبجانبها كلمة «نا» معبرة عن كلمة «أنا» واختلفت تلك الملصقات بنوعية الرسالة التي أرادت نقلها واستخدم هذا الشكل عديد من القوى المعارضة والموالية والصفحات الجادة والهزلية، وعرضت من خلالها القضايا الكبيرة والصغيرة، .
وحتى أنها نزلت إلى الشوارع بلوحات إعلانية كبيرة لكن رسالة سيميولوجية واحدة جمعت كل هذه اللوحات إنها الأنا، تلك الأنا التي غالباً ما كانت ترسم باللون الأخضر في رسائل لاواعية، فالأخضر لون الإيمان، (عليك أن تؤمن بما في هذه الرسالة)، تلعب الملصقات على اللاوعي البشري في التركيز على الأنا، فالرسالة قد تجذبك في محتواها الفكري لكن هذا المحتوى المغلف بالأنا تلك الأنا، تلك اليد المرفوعة فوق الجميع فوق الكل التي يتم ترسيخها من خلال تقاسمها مع الكلمة المكتوبة كلمة «أنا» التي ترافقها لكنها أصغر حجماً تقول لك وبكل وضوح، أولاً: ركز على «الأنا» وليس على «نحن»، ثانياً: هناك نوعان من الأنا، النوع المتمثل في الكلمة وهو المتلقي والنوع الثاني من الأنا وهو أنا المرسل المتمثل في اليد العليا الكبيرة التي تفرض إرادتها على الأنا الأصغر، دع أناك الصغيرة تمتثل لإرادة الأنا الكبيرة، وفي وقت واحد أنت تشعر باندماج الأنيين سوياً لأنهما يكونان كلمة واحدة حتى لا يكون طغيان الأنا الكبيرة على الصغيرة فجاً ولتشعر بأن لهما رأيا واحداً لا يمكن فصله، ثالثاً: هذا ليس رجاء بل هو أمر يتخذ صيغة الإيمان باللون الأخضر، أنت تؤمن بما أقول. رابعاً: لاحظ أن حجم اليد ليس فقط أكبر من حجم كلمة الأنا لكنه في الإعلانات الطرقية بحجم جسم الإنسان وبطوله تقريباً، إن هذا الذي حجم يده بحجم جسمك ضخم حقاً وقادر على فرض قناعاته عليك من خلال حجمه بالتأكيد. نحن نعرف أن تأثير الصورة أكبر من تأثير الكلمة المقروءة والمسموعة بالتأكيد، كما بينت العديد من الدراسات، لكن تأثير الصورة الممزوجة مع الكتابة هو بعد آخر حتماً يفوق في تأثيره مكوناته الأساسية في حالة عدم الاجتماع، فمن الشائع في ميادين الدعاية والحرب النفسية أن الصور تتقدم على الكلمات، فالصورة الآن لم تعد بألف كلمة كما شاع في المثل الصيني، إنما غدت مع التكنولوجيا بملايين الكلمات ، وخاصة عندما تشيع تلك الصورة الممزوجة بالكلمات في الفضاء الإلكتروني، فلست هنا بحاجة إلى قراءة نص لتفهم الرسالة إنها تدخل في لاوعيك دون استئذان، ينشرها مستخدمو الشبكات الاجتماعية دونما استئذان وتخترق وعيك، دون أن تدري، ها قد طلع الصباح.