زيارة إلى «أرض الإبداع»
هذه الأرض موجودة بالفعل، وهي ليست بالمكان البعيد بالنسبة للمبدعين في أي مجال إن عُرف الطريق المؤدي عليها، بل ربما قد تكون قد قمتَ بزيارتها من قبل دون أن تدري، لأنها بالفعل ستسرق الوقت منك عابراً إلى عالم آخر..
مهلاً.. سأوضح أكثر، من منكم لم يدخل في تلك الحالة الشديدة من التركيز والمتابعة لفيلم شيق أو كتاب جميل إلى أن تلاشى أمامه أي شيء آخر؟ سيفهمني أكثر من حاول كتابة قصيدة أو رسم لوحة، فالعمل الفني الإبداعي الحقيقي سيأخذ صاحبه بالتأكيد إلى مكان مغاير تماماً إلى «أرض الإبداع».
تكرر ذلك معي في العديد من المرات، وفي كل مرة أصل بها إلى تلك الحالة من التركيز، كان العمل المطلوب يتم بسرعة كبيرة وبفعالية عالية بالمقارنة مع ساعات العمل العادية اليومية، وبمجرد اكتشافي لتلك الحقيقة، بدأت بمحاولة إعادة خلق الظروف المحيطة التي أوصلتني إلى تلك الحالة المفيدة من التركيز، محاولاً قدر الإمكان البقاء في «أرض الإبداع» خاصتي لأطول فترة ممكنة، ليتم إنجاز الأعمال الصعبة بسهولة.
لكن ذلك لم يكن بالأمر السهل على الإطلاق، فمع مرور الأيام وازدياد مشاغل الحياة، أصبحت زياراتي إلى «أرض الإبداع» أقل وأقل، كما أنها أصبحت أصعب وأعقد، وتحولت إلى وحش مخيف يصرخ بلؤم في وجه كل من يجذبني –عن غير قصد- من خارج تلك الحالة الشديدة من التركيز، فطريق العودة بعد ذلك الخروج المفاجئ من «أرض الإبداع» صعب وقاس ويحتاج بالتأكيد إلى وقت أطول للوصول إلى ذات المستوى الضروري لإنجاز العمل المطلوب بعد انهيار الترتيبات العقلية والنفسية بسبب رنة هاتف أو نقرة على الباب أو حتى دخول أحد الأصدقاء لإلقاء السلام بكل براءة ..
وبسبب التحسن الملحوظ في العمل داخل «أرض الإبداع»، أصبح من الضروري لي خلق ذلك العالم عن قصد، حيث انتظر دخول الجميع للنوم في أسرتهم، ثم أعد ابريقاً من الشاي، وأطفئ التلفاز وأبعد أجهزة المحمول عني، وبساعتين أو ثلاث سأتمكن من إنجاز مهمات مجهدة ومعقدة ستأخذ أياماً من وقتي خارج ذلك العالم المميز..
لـ«أرض الإبداع» مساوؤها بالتاكيد، فتلك الحالة المعزولة لدماغك ستتطلب منه وقتا طويلا في كل مرة تود فيها العودة إليها، كما أنها تزيد من نزقك اليومي في حال قيام البعض بكسر ذلك التسلسل المعقد من الأفكار، لكني لا أفكر بقطع زياراتي تلك لأنها بالفعل قادرة على تخليصي من الكثير من عبء العمل في ساعات قليلة وستترك لي الكثير من الوقت للراحة والاسترخاء فيما بعد.
إن احببت «أرض الإبداع» أنصحك بزيارتها دون تردد بعد أن تحدد طريقك الخاص للوصول إليها.. لكن إن رأيتني جالساً هناك، أتمنى ألا تخاطبني، لأنني عند ذلك سأختفي في ثوانٍ عائداُ إلى أرض الواقع، ولن أكون مسرورا أبداً.