هل سمعت بمريم الإسطرلابي؟
امرأة نابغة تتلمذت على يد والدها كوشيار الجيلي الذى كان من أهم علماء الفلك لذلك تدرجت فى علم الرياضيات والهندسة إلى ان وصلت إلى علم الفلك، عاشت في القرن العاشر الميلادي في مدينة حلب شمالي سورية، وعملت في مجال العلوم الفضائية في بلاط «سيف الدولة» منذ عام 944 حتى 967.
اخترعت مريم الإسطرلابي «الإسطرلاب المعقد» ثم قامت بتطويره. وهو آلة فلكية قديمة أطلق عليها العرب «ذات الصفائح». وهو نموذج ثنائي البعد للقبة السماوية، يظهر كيف تبدو السماء في مكان محدد عند وقت محدد. وقد رسمت السماء على وجه الإسطرلاب بحيث يسهل إيجاد المواضع السماوية عليه. بعض الإسطرلابات صغيرة الحجم وسهلة الحمل، وبعضها ضخم يصل قطر بعضها إلى عدة أمتار. وقد كانت تعتبر حواسيب فلكية في وقتها، فقد كانت تحل المسائل المتعلقة بأماكن الأجرام السماوية، مثل الشمس والنجوم، والوقت أيضا. لقد كانت تستخدم كساعات جيب لعلماء الفلك في القرون الوسطى. بهِ تمكنوا أيضا من قياس ارتفاع الشمس في السماء، وهذا مكنهم من تقدير الوقت في النهار أو الليل. آلة الإسطرلاب المعقدة تُبنى عليها في وقتنا الحالي آلية عمل الـبوصلة والأقمار الصناعية ومشابهة لطريقة عمل الـ (GPS) الذي ظهر في عصرنا الحالي.
والإسطرلاب آلة دقيقة تُصوَّر عليها حركة النجوم في السماء حول القطب السماوي. وتُستخدم هذه الآلة لحل مشكلات فلكية عديدة، كما تستخدم في الملاحة وفي مجالات المساحة. وتُستخدم ـ إضافة إلى ذلك ـ في تحديد الوقت بدقة ليلاً ونهارًا. وقد اهتم بها المسلمون اهتمامًا كبيرًا، واستخدموها في تحديد مواقيت الصلاة، كما استخدموها في تحديد مواعيد فصول السنة.
ووجه الإسطرلاب يحتوي على خريطة القبة السماوية،كما يحتوي على أداة تشير إلى الجزء المنظور من القبة السماوية في وقت معيّن. وقد رسمت القبة المنظورة على وجه الإسطرلاب المسطح بطريقة حسابية دقيقة، وهي الطريقة ذاتها التي استخدِمت في رسم خريطة العالم (الكرة الأرضية) على مساحة مسطحة. وهذه الطريقة تسمح بتحوُّل الدوائر من أشكال كُرِويَّة إلى أشكال مسطحة دون أي تغيير للقيمة الحقيقية للزاوية التي تُرسم بين خطين على الشكل الكُرِوي. وعلى هذا، فإن خط الأفق، وخطوط المدارات، وخط الاستواء، والخطوط السماوية تظل في شكل دوائر، أو في شكل أجزاء من دوائر وقياس محيط الكرة الأرضية وجمع الخرائط الفلكية التي تصوِّر حركة الكواكب، وحدَّدوا أشكال مداراتها.
وقد عرف والدها أبو الحسـن كوشيار بن لبُّان بن باشهري الجيلي الذي ينتمي إلى عصر البوزجاني (ت 388هـ) الذي يضم علماء القرن العاشر للميلاد، ودعي العصر بذلك نسبة إلى أبي الوفاء البوزجاني، وهو من أعظم علماء الرياضيات عند العرب وفي تاريخ الإنسانية. يقول بعض المؤرخين: إن كوشيار بن لبُّان الجيلي كان يعد في صفوف العلماء مهندساً وفلكياً. صنف هذا العالم «مجمل الفصول في أحكام النجوم» و«الزيج الجامع» و«المدخل في صناعة أحكام النجوم» وكتباً أخرى، منها «المقالة الأولى في حساب الأبواب من المقالات الأربع». ومن الجدير بالذكر أن علماء العرب قد عملوا في إعداد الأزياج (جمع زيج) وهي جداول فلكية حسابية بنيت على قوانين عددية توضح حركة كل كوكب، وتحدد منها مواقع الكواكب في أفلاكها، وتعرف منها تواريخ الشهور والأيام والتقاويم المختلفة. وإضافة إلى الزيج الجامع لكوشيار بن لبُّان الجيلي، هناك زيج إبراهيم الفزاري وزيج الخوارزمي وزيج الطوسي وزيج ابن الشاطر.
قال البيهقي عن ابن لبُّان الجيلي: خالفه بعض المهندسين في تقويم المريخ، فاستخرج جدولاً وسماه: تعديل المريخ، فلا نستغرب تبعاً لذلك مما كان يقول ابن لبان الجيلي: «من لم يعرف عيوبه لم يكن مشفقاً على نفسه».
ومن مؤلفاته «رسالة دلالات الكواكب» بخط يحيى الحسين بن الحاج أحمد أفندي، و«اللامع في أمثلة الزيج اللامع»، و«تعديل الزيج» جـدول فلكي، و«الزيج الجامع والبالغ»، وهو خرائـط فلكية، ترجمه إلى الفارسية عمر ابن أبي طالب المنجم التبريزي عام 483هـ، «الإسطرلاب»، و«الإسطرلاب وكيفية عمله واعتباره على الكمال والتمام»، و«المجمل في أصول صناعة النجوم»، و«أصول صناعة الأحكام وجملها والطرق إلى التصرف فيها واستعمالها»، و«مجمل كوشيار»، و«مقالة في الحساب»، و«تجريد أصول تركيب الجيوب»، و«المقالة الأولى في حساب الأبواب من المقالات الأربع»، و«أصول الحساب (حساب الهند)».
تتوزع معظم آثار كوشيار بن لبان الجيلي بين مكتبات القاهرة والإسكندرية وفي اسطنبول، وفي طهران ودبلن وباريس وأوكسفورد، ومعهد التراث العلمي العربي بحلب وفي المكتبة البريطانية والمتحف البريطاني، وفي بغداد.