أبعد من مجرد أعاصير وأمطار... وجفاف وحرارة
يوضح «تقرير الأمم المتحدة عن حال الغذاء 2018»، أنّ تقلّبات المناخ تضر الإنتاج الزراعي وتمتد آثارها إلى الغذاء والتأثير عليه في الكميّة والنوعيّة، ما يؤدي إلى قلّة العرض وزيادة الأسعار. وبذا، يُجبَر كثير مِن الدول على التوجّه إلى الاستيراد ما يزيد الأعباء الاجتماعيّة والاقتصاديّة، مع حدوث انخفاض لديها في فرص العمل وكسب العيش. ويوضح التقرير أيضاً أن «منظّمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة» («فاو») استخدمت قواعد بياناتها عن الزراعة لإجراء تحليل إحصائي شمل 140 كارثة متوسطة وواسعة النطاق متّصلة بالمناخ حدثت بين عامي 2003 و2013. وتوصّلت «فاو» إلى أن الخسائر فاقت الـ 333 مليون طن من الحبوب والبقول واللحوم والألبان، ما يساوي 7 في المئة من نصيب الفرد من تلك المنتجات. وتكبّدت الدول النامية بين عامي 2005 و2015 خسائر في المحاصيل والثروة الحيوانية بقرابة 69 بليون دولار. وتكبّد القطاع الزراعي ما يربو على 25 في المئة من الخسائر والأضرار الاقتصادية الناجمة من تقلّبات المناخ. ويرتفع الرقم مع زيادة وتيرة الحوادث المناخيّة المتطرّفة.
ويدعو تقرير الغذاء الدول كلها إلى تبنّي حلول تشمل استخدام أصناف جديدة من المحاصيل تكون أكثر تحمّلاً للجفاف وارتفاع الحرارة، وسلالات مقاومة من الثروة الحيوانية. ويضاف إلى ذلك الإدارة الفعّالة للمياه وتحليتها، والاستثمار في بنية تحتيّة تتحمل الصدمات، والحفاظ على موارد الأغذية ومرافق تخزينها، وتطوير ملاجئ للاحتماء من الفيضانات والأعاصير، واستخدام سبل الزراعة الذكيّة والمستدامة. وتشمل الحلول عينها تعميم بعض التجارب الناجحة عالميّاً كالتربية التشاركيّة للنباتات بهدف زيادة غلَّات المحاصيل التي تعتمد على زراعة أكثر من نبات في المساحة ذاتها، إضافة إلى نشر الوعي المجتمعي بالأبعاد الكاملة للتشابك بين المناخ والغذاء والاقتصاد.
هموم الصحّة
شاركت «منظّمة الصحّة العالميّة» و «منظّمة الأمم المتحدة للطفولة» في إصدار تقرير الغذاء، إضافة إلى «فاو» و»الصندوق الدولي للتنمية الزراعيّة» و «البرنامج العالمي للغذاء». وأرست تلك المنظمّات شراكة استراتيجيّة بينها تؤكد العلاقات المتشابكة بين قضايا الغذاء والصحّة والمناخ. وشدّدت على حتميّة التحرّك جماعيّاً للقضاء على الجوع وتحسين صحّة البشر. ويذكر التقرير أيضاً أن التقلّبات المناخيّة، خصوصاً الاحتباس الحراري وتقلّبات مياه الأمطار، تؤثّر على محاصيل الغذاء في مرحلة ما بعد حصادها أيضاً، إذ تساهم في نمو العفن والفطريّات السامة، ما يجعلها غير صالحة غذاءً أو علفاً. وهناك أنواع من السموم ينتجها العفن من بينها «أفلاتوكسين» الذي يسبّب سرطان الكبد ويساهم في ظاهرة تقزّم الأطفال. وكذلك يشير التقرير إلى الآثار الخطيرة التي تحدث جرّاء انهيار البنية التحتية لمياه الشرب وخدمات الصرف الصحي، ما يؤثر على صحّة الإنسان والحيوان والنبات.
ولم يغفل التقرير الإشارة إلى تراجع القدرة على العمل والإنتاج جرّاء الإجهاد الحراري، إذ يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وتقلّبات المناخ وكوارثه إلى انتشار آفات عدّة، على غرار تفشي الجراد الصحراوي في اليمن وشمال غربي أفريقيا في موسم 2015- 2016. وتزيد تقلّبات المناخ تفشي الأمراض المنقولة مِن طريق الحشرات كالبعوض الذي ينقل الملاريا والحمى النزفيّة، وهي آفات تؤثر على قرابة 270 مليون شخص سنوياً. ومع سوء التغذية والجوع وضعف مقاومة الأمراض، تضحي صحة عشرات ملايين البشر في خطر.
وفي ذلك الصدد، يهتم تقرير الغذاء بأوضاع الأطفال والمرأة والمسنين، معتبراً أنهم الأكثر تأثّراً بأوضاع الغذاء والمناخ. ويشير إلى زيادة معدلات سوء التغذية الحاد لدى الأطفال دون سن الخامسة في المناطق التي تتضافر فيها الظروف المناخيّة غير المواتية مع النزاعات. ويظهر ذلك في دارفور، واليمن، والكونغو، وأفغانستان، وجنوب السودان، ومناطق بحيرة تشاد، ومنطقة الـ «ديفا» في النيجر. كما تطاول الظاهرة عينها البلدان المتضررة من الجفاف والفيضانات، كباكستان ومدغشقر وأثيوبيا وشمال كينيا.
ويورِد التقرير أرقاماً محمّلة بالدلالة في ما يتعلق بظاهرة الهزال والتقزّم لدى الأطفال دون سن الخامسة، إذ يصيب الهزال سنوياً ما يزيد على خمسين مليون طفل. ويعاني 151 مليون طفل من التقزّم عالمياً. وتعاني واحدة من كل ثلاث نساء في سن الإنجاب من فقر الدم. وتقلل الكوارث أيضاً فرص حصول الطفل على الرضاعة الطبيعيّة، ما يوهن مناعته. ويتناول التقرير انتشار ظاهرة البدانة والسمنة لدى الأطفال والبالغين نتيجة التركيز على السكّريات والدهون وعدم الحصول على غذاء متوازن، ما أدى إلى انتشار أمراض كالسكّري من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم، والنوبات القلبية وغيرها.