الحديث عن الإدمان يعود مجدداً... ولكن ما هو؟

الحديث عن الإدمان يعود مجدداً... ولكن ما هو؟

هناك حساسية علمية حيال استخدام مصطلح الإدمان. ويميل معظم الخبراء إلى استخدام مصطلحات تشمل «التعوّد المرضي»، و»إساءة استعمال المواد»، و»الاعتماد على المواد المغيّرة للكيف/ المزاج» وغيرها. ولعلها مصطلحات تشير إلى الشيء نفسه، ما يذكر بجملة شهيرة في الكتاب المقدّس: «مرتا، مرتا: تقولين أشياء كثيرة، والمقصود واحد»!

ما الذي تسعى تلك المصطلحات إلى وصفه؟ بالاحرى، ما المقصود بمصطلح «ظاهرة الاعتماد» Dependence Syndrome، في منظور الطب النفسي؟

ينعقد شبه إجماع علمي على أن الاعتماد ظاهرة تشمل 7 أعراض أساسيّة يجدر تقصيّها بعناية قبل القول بأن فرداً ما يعاني «ظاهرة اعتماد» على تعاطي شيء أو مُكِوِّن معيّن. ومن المستطاع بسط الأعراض السبعة على النحو التالي:

التوق المستمر لتناول المُكوّن. ربما لا تجري الاستجابة للتوق في كل مرّة، مع ملاحظة أنّ التجاوب يحصل عبر تناول المُكِوِّن. ويرتبط التوق مع التكرار في التعاطي، وكذلك في العودة إلى تناول المُكِوِّن بعد تركه. في بعض المقاربات العلاجيّة، يجري التركيز على مكافحة التوق للتناول عبر تكوين عادت بديلة عن التناول، كالمشي أو ممارسة التفنّس البطيء عند الإحساس بالتوّق لتناول المادة.


زيادة كمية المادة، مع تنامي القدرة على تحمل تناول كميّات أكبر فأكبر. ويسمّى ذلك «زيادة التعوّد» Increased Tolerance. في البداية، يقتصر تناول المادة المغيّرة للكيف على كميّة صغيرة، يحس المتعاطي بأنّها تعطي تأثيراً قويّاً وكافياً.

ظهور أعراض عند التوقّف عن التناول Withdrawal Symptoms (أعراض الانسحاب). لعل تلك الأعراض هي أبرز ما يلفت نظر المتعاطي والمحيطين به. وتشمل التوتر و»النرفزة» وآلام متنوّعة، وانخفاض التركيز، وتشتت الكلام وغيرها.

مداوة أعراض التوقّف بواسطة تناول المادة Taking for Relief. بقدر ما يبدو الأمر بديهيّاً، فإنه يتضمّن بعضاً من ألم الوقوع في أسر التعوّد. في البداية، يكون الانشراح والسرور مرافقاً للتناول، ثم يصبح الأمر مطلوباً لمجرد وقف الأعراض الانسحابيّة. يصبح التناول مقدمة لمزيد منه، وتنغلق دائرة مغلقة تأسر المتعاطي.

ضيق الروتين اليومي لتناول المواد Narrowing Reperitoire.

في البداية، يكون التناول أمراً شبه احتفالي. يحدث لمناسبة معينة، ثم يتكرّر بعد تحضير للتناول كأنما هو خروج عن المألوف. وشيئاً فشيئاً، يضحي التناول عاديّاً، لا يقتضي تحضيراً ولا تهيئة أجواء، بل يكفي توافر المادة المرغوبة.

تحكّم الحصول على المادة بأولويّات الحياة اليوميّة للمريض Salience of Drug Seeking Behavior. إنّها أيضاً من الأعراض المعروفة عن الاعتماد على المواد. لا يعود المتعاطي مبالياً لسوى الحصول على المادة، بل المزيد منها. ويضحي في ذلك بأي شيء، بل يسلك أي طريق.

العودة السريعة إلى تناول كميات كبيرة بعد فترة الانقطاع. غالباً ما يلزم وقتاً طويلاً للوصول إلى تعاطي كميات كبيرة من المواد المغيّرة للكيف. وإذا انقطع المتعاطي لسبب أو آخر، ثم عاد إلى عاداته، يصل بسرعة إلى الكمية القصوى التي كان يتناولها قبل الانقطاع.

لا تستسلم للمخارج السهلة

ربما بدت الكلمات السابقة متنافرة، لكن المختصون يعرفون جيّداً أن من يتعاطى تدخين السجائر، لا يحس مباشرة أنّ الأمر يتعلّق بمادة مدمنة. ويزيد في ترسّخ عادة تدخين التبغ أنّها تضحي بسهولة جزءاً من العادات اليوميّة الشخصيّة والاجتماعيّة للأفراد. إنها جزء من اللقاء من «الشلة»، أو الملاذ السريع عند الإحساس بـ»التعصيب» في العمل، والحل السهل للضغط اليومي في المواصلات وغيرها.

ومع اندماج العادات اليوميّة المتكرّرة مع مادة قابلة لإحداث تعوّد، يصبح الاعتماد على السجائر أمراً معضلاً، بمعنى أن الإقلاع عن التدخين يضحي صعباً تماماً. ولعل ذلك يشرح جزئيّاً تلك «الحرب» التي لم تتوقف حتى الآن لمكافحة تدخين السجائر والتبغ عالميّاً، على رغم ضخامة الجهود المبذولة في ذلك.

إذاً، يفيد درس التبغ بأن المادة الهيّنة التأثير تقدر على إحداث تعوّد مرضي فائق القوّة. وعند الانتقال إلى الماريجوانا، ينفع ذلك الدرس تماماً. ليست حشيشة الكيف بمثل قوّة الأفيون والمورفين والكوكايين، لكن تأثيراتها «الخفيفة» هي بالضبط مدخل لقوّة تجذّرها كعادة في الحياة اليوميّة للفرد، ما يجعلها قادرة بسهولة على الانتقال إلى مرحلة إحداث تعوّد واعتماد مرضيّين. بقول آخر، يتضمّن تدخين حشيشة الكيف مع التبغ جمعاً لـ»خِفَّتَين» قادرتين على التجذّر في حياة الفرد، ما يجعل الاعتماد مضاعف القوّة، فيضجي الخلاص أمراً شديد الصعوبة. ومن ناحية ثانية، تفسر «الخفة» تلك الظاهرة المعروفة عند المعتمدين على حشيشة الكيف، بأنّهم يحسّون بالقدرة على تركها «في أي وقت»، لكنها قدرة زائفة بل محض سراب.

إذاً، الأرجح أن تدخين الماريجوانا مدخل إلى ظاهرة مرضيّة من التعوّد والاعتماد، توجب في حالات كثيرة، تدخلاً طبيّاً لعلاجها.