لنفكر في إدارة الدول شؤونها في عصر شبكة الإنترنت
منذ نهاية الحرب الباردة قبيل ختام القرن العشرين، يشهد مفهوم القوة جملة من التغيرات بمواكبة التطورات في حقل العلاقات الدولية، خصوصاً ما يتعلق منها بمفهوم الأمن. إذ تعددت أدوات ممارسة القوة في تلك العلاقات وفقاً لقدرات أطرافها وإمكاناتهم ورغباتهم، عسكرياً واقتصادياً ومعلوماتياً.
في كتابه «القوة الإلكترونيّة: كيف يمكن للدول أن تدير شؤونها في عصر الإنترنت» الذي صدر أخيراً عن دار «العربي للنشر والتوزيع- القاهرة»، يتناول الباحث إيهاب خليفة الكيفية التي استطاعت بها بعض الدول أن توظّف التكنولوجيا الحديثة في تعظيم قوتها، ما أدى إلى ظهور مفهوم «القوة الإلكترونيّة» Cyber Power.
ويرى خليفة أن تلك القوة يقصد بها: «توظيف وسائل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وشبكات الكمبيوتر والبرمجيات لتحقيق أهداف الدولة السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية وغيرها... وسعت تلك الدول إلى الاستفادة من تلك القوة في تطوير إستراتيجيتها العسكرية والسياسية من أجل حماية مصالحها الوطنية».
ويشمل مفهوم القوة الإلكترونيّة كل ما يتعلق بالتفاعلات الدولية في القضايا العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية والإعلامية وغيرها. ويضيف خليفة: «أسهم التطور التكنولوجي في تبدّل أشكال القوة عبر العصور المختلفة، وأسهمت ثورة المعلومات في ظهور شكل جديد لها هو القوة الإلكترونيّة... وتمثل المعلومة ركيزة أساسية فيها وتتطلب ممارستها امتلاك المعرفة التكنولوجية حتى تستطيع الدولة أن توظفها بكفاءة في تحقيق أهدافها الداخلية والخارجية».
ويلاحظ الباحث عينه أن الفضاء الإلكتروني أعطى مساحة متزايدة للفواعل من غير الدول للتأثير في التفاعلات الدولية. كذلك تعاظمت المخاطر والتهديدات الافتراضية التي تواجهها الدول، وبات ضرورياً امتلاك مصادر التكنولوجيا الحديثة كي تتمكن الدول من مواجهة هذه المخاطر.
6 عناصر أساسية
في كتابه أيضاً، يرى خليفة أن القوة الإلكترونيّة لها ستة عناصر رئيسة تشمل وجود بنية تحتية تكنولوجية، والقدرة على تطوير أسلحة إلكترونيّة، وإدارة عمليات عبر الفضاء الإلكتروني، ومهاجمة شبكات الخصم والدفاع عن الشبكات الوطنية، واستطلاع الشبكتين، ووضع خطة إستراتيجية تحدد الأهداف والآليات والمؤسسات المنوط بها توظيف القوة الإلكترونيّة، إضافة إلى وجود عنصر بشري مدرب وقادر على استخدامها.
ويشير خليفة إلى أن الإرهاب الإلكتروني هو اعتداء من قراصنة هدفهم التخريب أو سرقة البيانات، لكن الهدف في الأساس غالباً ما يكون سياسياً ويسعى إلى الإضرار بالأمن القومي للدولة.
ويمكن استخدام الفضاء الإلكتروني في العمليات الإرهابية من خلال التجنيد والتعبئة والدعاية والإعلان وجمع التمويلات. ويضاف إلى ذلك التواصل والتخطيط وإدارة الاجتماعات وجمع المعلومات وإرسالها، وتقديم الوصفات الجاهزة لصناعة القنابل والمفرقعات وغيرها. ويشمل الأمر نفسه مهاجمة نظم التحكم في الطيران، وأنظمة المواصلات والتحكم في السدود وقناطر المياه على الأنهار، وتعطيل البنوك وعمليات التحويل المالي والتلاعب في نظم السلامة في المصانع الكيماوية. ويمتد ذلك ليشمل السيطرة على شبكات الربط الكهربائي التي بات معظمها متصلاً بشبكة الإنترنت.
ويوضح خليفة أن من ينطبق عليه وصف الفاعل الدولي يجب أن تتوافر فيه معايير متنوعة. ويشمل ذلك أن يكون له كيان قابل للتحديد، ويحوز قدراً من الموارد والإمكانات تؤهله لاتخاذ القرارات التي يمكن بها أن يدافع عن مصالحه الأساسية في مواجهة الآخرين. ويتضمن ذلك أيضاً أن تتوافر لديه القدرة على التفاعل مع نظراء له يشاركونه الأدوار على المسرح الدولي، كما يجب أن يتمتع بالقدرة على الاستمرار على المسرح الدولي لفترة معقولة من الزمن.
إذاً، لم تعد الأشكال التقليدية للقوة ثابتة ولم تعد مصادرها محددة بل تغيرت خلال فترة زمنية قصيرة بفعل التقدم التكنولوجي. وكذلك تأثرت باختراع الفضاء الإلكتروني بما تميز به من سهولة في الاستخدام ورخص في التكلفة وسرعة ربط الأفراد والشبكات. كما تغيَّرت موازين القوى اقتصادياً وعسكرياً، وأصبح لمن يمتلك هذه التكنولوجيا، خصوصاً القدرة على صنعها وتطويرها، الدور الأبرز في التأثير في الأحداث السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وأثرت تلك المعطيات في المفاهيم التقليدية للقوة وتحولاتها وتطبيقاتها وأشكالها. ومع القوة الإلكترونية، ظهرت مفاهيم كثيرة تتلاءم معها على غرار الأشكال الإلكترونية من الحرب والاستخبارات والتجسس والديبلوماسية وغيرها.
ويذكر أن مؤلف الكتاب هو رئيس وحدة التطورات التكنولوجية في «مركز المستقبل للبحوث والدراسات المتقدمة». وفي العام 2016، أصدر كتاب «حروب مواقع التواصل الاجتماعي». ووضع أيضاً مجموعة من البحوث العلمية عن التداعيات الناجمة عن تزايد الاعتماد على التقنيات الذكية في الحياة البشرية ومصادر تهديد الأمن القومي وغيرها.