عمليات الفهرسة وعلاقتها بالجوائز والأموال
مرّة أخرى، من الممكن النظر إلى السوق المعاصرة في بحوث العلم وأدوات قياسه، على أساس أنها مركبة من ثلاثة مســـتويات. يتعلق المستوى الأول بالتصميم الكلاسيكي لقراءات البحوث عبر هيئات علمــيّة مختصة بذلك النوع من القراءة التقويمية (تسمى «مراجعة من زميل» peer review). ويتصل المستوى الثاني بالتأثير الحسابي الذي يدير نُظُم الاقتباس.
ويتعلق المستوى الثالث للعبة العلوم حاضراً بحجم الاقتصاد الحسابي المتصل بعمليات فهرسة البحوث العلميّة، إذ يؤدي إلى التمايز والحصول على جوائز، والاندراج في التصنيفات وطنياً وعالمياً. ويكون ذلك من طريق التحريض العلمي للبحث في إدارة المؤسّسات العلميّة، وهو يشبه التحريض في مجالات أخرى كالرياضة والألعاب الأولمبيّة.
إذاً، باتت المكانة العلميّة الأكاديمية بوصفها ظاهرة متصاعدة الأهمية، من ضمن القضايا الوطنية لكل بلد، وهي بالتالي تحدّد تصنيف الدول عالمياً استناداً إلى البحوث وعددها، والجامعات وأنواعها وتصنيفاتها. وتؤدي تلك المعطيات دوراً أساسياً، انطلاقاً من كون المجتمع المتطور يبنى على نسبة الأكاديميين وأعدادهم، وكذلك الحال بالنسبة إلى من يمتلكون سمعة إيجابية راسخة ومُعامِل تأثير معرفي بين زملائهم في المجالات العلميّة المختلفة.
من ناحية ثانية، ربما يفيد التنبه أيضاً إلى كون تلك المعطيات تصنع نوعاً من الخطاب التمييزي الذي يقسّم الشعوب، وهو ما لا ينفيه وجود منظمات عالمية تهتم بتقييم البحوث العلميّة بلدان بعينها.
وفي أوروبا، تم إنشاء مجموعة من المعايير التي تقيس جودة البحث العلمي والجودة الأكاديمية، وكذلك تساهم في وجود توافق وانسجام بين المؤسّسات الأكاديمية الأوروبية عبر معايير مشتركة لقياس البحث العلمي في تلك القارة.
أدّى ذلك كله إلى ظهور أشكال من التدقيق للإنتاج العلمي والعمل الأكاديمي في المؤسّسات الأكاديمية، كما ساهم في بروز ثقافة التنافس بين الدول في المسائل البحثية. يكفي أن نلاحظ التصنيفات الأكاديمية العالمية كتلك التي تصنف الجامعات عالمياً الموضوعة من قبل جامعة «جياو تونغ» في شانغهاي، أصبحت أداة ضغط في مجتمع الباحثين والأكاديميين.
وتعتمد تلك التصنيفات مجموعة من مؤشرات الجودة تتصل بالتعليم واستقبال الطلاب وأوضاع طواقم التدريس وغيرها. ويجدر عدم غض الطرف عن واقعة أن اللغة التي ينشر بها بحث علمي معين تملك أيضاً تأثير مباشر في جودة العمل الأكاديمي.
وكخلاصة مركّزة، يجدر القول أنه في عوالم بناء السمعة التي زادتها الإنترنت والـ «سوشال ميديا» تشابكاً، ربما بذلت جهود على مدار عشرات السنين لبناء سمعة جيدة، ولكن دقيقة واحدة كفيله بهدمها، ما يوجب ضرورة أخذ الحيطة والحذر مما كل ما ينشر، سواء في البحوث العلمية أو في التدوينات والتغريدات والـ «بوست» على شبكات التواصل الاجتماعي.