لماذا تضمر أجسام المسنّين؟
مع التقدم في العمر ينقص طول القامة بنسبة تختلف من شخص إلى آخر، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، تماماً كما الحال مع التجاعيد التي تحفر في معالم الوجه، وكما الشعر الأبيض الذي يغزو الرأس.
لكن لماذا «يضمر» جسم الإنسان كلما تقدم في الشيخوخة؟
في سنوات الطفولة تنمو العظام وتبني نفسها بسرعة وسهولة حتى سن الثلاثين، بعدها يضعف النمو، وتصبح عملية التصحيح أبطأ مما كانت عليه ما يجعل العظام تفقد بعضاً من ثروتها المعدنية، خصوصاً معدن الكالسيوم، فتكون النتيجة تقلصاً في العظام يؤدي مع الوقت الى فقدان بعض الطول بمعدل يمكن أن يصل الى خمسة سنتيمترات ما بين سن الثلاثين وسن السبعين، وتكون خسارة الطول لدى المرأة أكثر من الرجل بسبب نقص هرمون الإستروجين الذي يحمي العظام بعد سن اليأس.
وهناك ثلاثة أسباب رئيسة متورطة في نقص الطول عند كبار السن:
- السبب الأول: انضغاط فقرات العمود الفقري نتيجة انكماش الأقراص التي تقع بين الفقرات فتصبح هذه مسطحة وأقل سماكة فتقترب الفقرات من بعضها بعضاً تدريجياً ليصبح الشخص أقصر مما كان عليه.
- السبب الثاني: الهشاشة العظمية، وهي مرض ينهش العظام بصمت، خصوصاً الفقرات التي تفقد ثروتها المعدنية فتغدو أقل صلابة وأكثر عرضة للتهشم فينعكس ذلك سلباً على الطول الذي يتراجع بضعة سنتيمترات. لا توجد عوارض واضحة لمرض هشاشة العظام في بداياته، وكلما تقدم الشخص في السن قلت كثافة العظام، وتستمر هذه الكثافة في الانخفاض من دون أن يشعر المرء بأي شيء الى حين وقوع الاختلاطات، كالكسور وانحناء القامة وقصر الطول. وتؤدي التغيرات الفقرية، على مستوى الرقبة، الى انحناء الرأس الى الأمام فينضغط الحلق، ولهذا لا غرابة أن يشكو بعض المسنين من صعوبة في البلع التي غالباً ما يتم نسبها الى مسببات أخرى لا ناقة لها فيها ولا جمل.
- السبب الثالث: التغيرات على مستوى الأربطة والأوتار والعضلات، التي تصبح أقل مرونة وأقل قوة وكفاءة، الأمر الذي يجعل الفقرات تقترب من بعضها بعضاً لفقدان الدعم اللازم لها من قبل تلك الأربطة والأوتار والعضلات، فيبدو المسن أقصر قامة مما كان عليه في المراحل العمرية السابقة، وتلعب التغذية السيئة وقلة النشاط البدني دوراً في ضياع الكتلة العضلية التي توفر الدعم الجيد للفقرات.
هل يمكن الحد من قصر القامة الناتج من التقدم في العمر؟ نعم، هناك ارشادات تحد من التصدع الحاصل في الفقرات الذي يؤدي الى نقص الطول:
- اتخاذ الوضعية الصحيحة في كل الأوقات، خصوصاً أثناء الجلوس والوقوف وخلال ساعات العمل الطويلة، ويجب أن تكون هذه النصيحة القاعدة الذهبية في السلوك اليومي من أجل منع حدوث أي تراخ في العضلات التي تؤمن الدعم الكافي لإبقاء الظهر في وضعية سليمة ومريحة بعيداً عن أي ضغوطات. قد يكون من الصعب في البداية الحفاظ على الوضعية المستقيمة للظهر في حال الاعتياد على الوضعية الخاطئة، لكن يجب التدرب على اتخاذ الوضعية الصحيحة بالتدريج الى أن تصبح عادة متأصلة.
- الانحناء في شكل سليم عند رفع الأثقال عن الأرض، وضرورة ثني الركبتين عوضاً عن ثني وسط الجسم عند حمل الأشياء، فهذا يساعد في الحفاظ على الوضعية السليمة للجسد وفي جعل العبء يقع على عاتق عضلات الرجلين والبطن واليدين والصدر بدلاً من عضلات الظهر غير المصممة لهذا الغرض.
- الحفاظ على مستوى مقبول من اللياقة البدنية من خلال ممارسة التمارين الرياضية التي تساعد في الحفاظ على الكتلة العضلية والكثافة العظمية لمواجهة التداعيات التي يخلفها الزمن على الجهاز الحركي. وهناك تمارين رياضية للحفاظ على اللياقة البدنية وتقوية العضلات أهمها تمارين الأيروبيكس، وتمارين بسط وثني العضلات، والسباحة وغيرها. في المقابل يجب تجنب الرياضات القاسية، مثل كرة القدم والسقوط بالمظلة ورياضة الركبي.
- التحكم في الوزن، لأن الزيادة فيه تخلق ضغطاً اضافياً على العمود الفقري ما يجبر صاحبه على اتخاذ وضعيات خاطئة.
- تحديد استهلاك الأطعمة التي تزيد من حموضة الدم لأنها تحرّض على هروب الكالسيوم من العظام، من هنا ضرورة استهلاكها باعتدال.
وفي النهاية لا بد من لفت الأنظار الى أهمية التزود بكميات كافية من الفيتامين د الذي يساعد على امتصاص الكالسيوم وفرشه في العظام، فأي نقص على هذا الصعيد يتسبب في حدوث خلل في الثروة المعدنية للعظام، خصوصاً في الفقرات، ما يعرّض لخطر الإصابة بقصر القامة. ان أي شك في وجود نقص الفيتامين د يجب أن يدفع الى تعويضه. وتفيد المراجع الطبية بأن الحاجة اليومية من الفيتامين المذكور هي بين 200 و 800 وحدة دولية، وهي كمية يصعب الحصول عليها في البلدان التي تفتقر الى الشمس، لذا يوصى بأخذ جرعات داعمة من الفيتامين د، والجميع يعرف أن هناك أبر فيتامين د تؤخذ واحدة كل شهر لمدة معينة يقررها الطبيب، لكن يجب أخذ العلم بأن هذه تحدث قفزة سريعة في نسبة الفيتامين في الدم على مدى أيام قليلة فقط ثم لا يلبث أن يهبط مستوى الفيتامين الى ما دون الحد المطلوب، من هنا يفضًّل أخذ جرعات يومية تلبي حاجة الجسم.