السبب في اقتران المرأة بأكثر من رجل
يعرف العلماء الكثير حول اقتران البشر. تتضمن قائمة معارفهم كحدّ أدنى: العلاقات الجنسيّة قصيرة المدى والعلاقات طويلة المدى وبعض عدم الإخلاص وبعض تعدد القرينات (Polygyny – رجل وعدّة زوجات) وحالات نادرة من تعدد الأقران (Polyandry – امرأة وعدّة أزواج) وحالات عرضية من اختلاط الأقران (Polyamory – عدّة رجال مع عدّة نساء) وبعض حالات الطلاق وتسلسل الزيجات المتكررة. لا يمكن استيعاب كلّ هذه الاستراتيجيات عبر تصنيفات مفردة مثل «أحادي القرين Monogamous» أو «متعدد الأقران Polygamous». ونحن على يقين منطقي بأنّ الزواج الأحادي مدى الحياة لا يصف النمط الرئيسي الذي يتفرع عنه كلّ شيء.
تعريب وإعداد: عروة درويش
إنّ عدم الإخلاص (Infidelity)، عبر الثقافات المتنوعة حول العالم، بعيد في حدوثه كلّ البعد عن أن يكون مجرّد حالات هامشيّة. قدّر عالم الجنس ألفرد كينزي عام 1952 بأنّ الخيانة الزوجيّة منتشرة بنسبة 26% بين النساء و50% بين الرجال، رغم أنّ بعض الدراسات تنقص هذا المعدل وبعضها الآخر يزيده. نحن نعلم بأنّ الخيانة الزوجية هي السبب الرئيسي للطلاق حول العالم، بدءاً من الأسكيمو في آلاسكا ووصولاً إلى الكونغ سان في بوتسوانا. ونعلم بأنّ غالبية البالغين في العالم المعاصر قد اختبروا انفصالاً عاطفيّاً لمرّة واحدة على الأقل.
لكن لطالما كان هناك قطعة واحدة مفقودة في الأحجية عندما يتعلّق الأمر بفهم استراتيجيات الاقتران، وخاصة بين النساء. لماذا تدخل النساء في الكثير من العلاقات طالما أنّ هذا لن يزيد من النسل الذي يمكن لهن إنتاجه؟
إن تحدثنا من منظور تطوري، فإنّ عدم إخلاص الذكور واضحٌ إلى حدّ ما. لقد طوّر الرجال رغبة للتنوّع الجنسي أشدّ من رغبة النساء في المتوسط، وذلك بسبب عدم التماثل (asymmetries) في فرص الاستثمار الأبوي. يمكن للرجال أن يتناسلوا بأقلّ جهد ممكن يحتاجه تلقيح المرأة، بينما يتطلّب الأمر من المرأة تسعة أشهر أيضيّة نفيسة من أجل إنتاج طفل واحد. بعبارة أخرى: كان بإمكان رجل متزوج من أسلافنا لديه ولد، أن يزيد من إنتاجه بنسبة 50% عبر عمليّة تكاثر بسيطة مع شريكة ثانية له. أمّا إضافة شركاء جنسيين للمرأة فهو من حيث المبدأ لن، ولا يمكن له، أن يزيد من نجاح إنجابهن.
رغم ذلك، فإنّ لدى النساء علاقات متعددة، وهي الظاهرة التي تمّ تفسيرها حتّى الآن من خلال «فرضيّة الجينات الجيدة»: وهي التصوّر القائل بأنّ المرأة طوّرت استراتيجيّة اقتران مزدوجة، حيث تؤمّن استثمار رجل واحد في الوقت الذي تقترن فيه بشكل جانبي مع رجال آخرين يحملون جينات أفضل من شريكها المعتاد.
لكن تفشل فرضيّة الجينات الجيدة في تفسير السبب الذي يحمل الكثير من النساء، في أعقاب عدم إخلاصهن، على الانحراف (stray) بشكل حرفي، وذلك عبر رمي القرين الحالي لصالح شريك العلاقة العابرة. يسدّ تصوّر فريقي الحاليّ: «فرضيّة تبديل القرين Mate-switching hypothesis» الثغرة في الفهم العلمي، وذلك بشرحها لسبب ما نشاهده في العالم الحقيقي. تفترض فرضيّة تبديل القرين بأنّ النساء يحظين بعلاقات جانبيّة من أجل تخليص أنفسهن من شريك سيء واستبداله بواحد أفضل.
أمّا بالنسبة لكلا الجنسين، فإنّ الفرضيّة تفسّر ما نلاحظه بشكل معتاد: تجد المرأة نفسها بعد عام من إعلانها نذور الزواج وهي منجذبة بشكل جنسي إلى زميلها في العمل. يتساءل الرجل بعد تغييره لحفاض ابنه للمرّة الخامسة في اليوم إن كان قد ارتكب خطأ بالزواج من حبيبته في الثانوية التي بدأت خيالاته بشأنها تذوي. تكتشف المرأة بعد ستّة أعوام من الزواج بأنّها المعيل الرئيسي للأسرة، وبأنّ كسل زوجها قد أزال ثقتها بهذا الارتباط معه. تلاحظ المرأة بأنّ زميلها في العمل يتلكأ عند باب مكتبها لفترة أطول بكثير ممّا هو مطلوب. بعد مضي أعوام من الحياة البائسة بشدّة، يبدأ الرجل علاقة غراميّة مع جارته. تعترف المرأة لأعزّ صديقاتها بأنّها واقعة في غرام رجل آخر وبأنّها تخطط بشكل سري لهجر زوجها، فقد فتحت حساباً مصرفياً منفصلاً وبدأت تدفع مقابل شقّة أخرى.
تنبع هذه السيناريوهات المتنوعة من قضيّة مشتركة: لقد طوّر البشر استراتيجيات تكيفيّة لتبديل القرين، وهي ظاهرة منتشرة بين الأنواع على نطاق واسع. إنّ أبسط شكل لهذا التكيّف هو استراتيجيّة «الابتعاد»، حيث تفصل الكائنات الحيّة نفسها جسدياً عن الشركاء الذين يجدون بأنّ التعاون معهم باهظ التكلفة. تقترح فرضيّة تبديل القرين نسخة عن استراتيجيّة الابتعاد، مدعومة من تكيفات البشر النفسيّة التي تهدف إلى الكشف والتخلي عن الأقران باهظي التكلفة، لصالح أقرانٍ أكثر نفعاً.
يكبر الكثيرون في الثقافات الحديثة وهم يؤمنون بأسطورة الحبّ مدى الحياة. لقد تمّ إخبارنا عن الوقوع في غرامٍ واحدٍ ومرّة واحد فقط. لقد تعلمنا بأنّ الطريق إلى الوفاء معبّد برباط مجيد واحد. لكنّ حبكات قصص الحبّ الخياليّة تغلق في نهايتها على اكتشاف ذلك الوحيد الذي يحدث مرّة واحدة فقط، ونادراً ما تتفحّص ما يحدث تالياً. تنتهي قصّة سندريلا بحصولها على الأمير بعد المرور بعدد لا يحصى من العقبات، ليكتمل اتحادهما في نهاية المطاف. يستتبع عدد قليل من الأوهام الرومانسيّة قصّة الزوجين الملتزمين، وذلك بسبب الانخفاض المطّرد في الرضا الجنسي، والإغواء المثير لعدم الإخلاص، والتشكيك في أنّ ضجر الحياة الزوجية الخاوي من الألوان هو كلّ ما يمكن للحياة أن تعرضه.
نحن في الواقع ننحدر من خطّ طويل غير منقطع من الأسلاف الذين مرّوا بأزمات اقتران. وهم أسلافٌ راقبوا قيمة قرينهم واقتفوا أثر الرضا في الرابطة التي هم داخلها وبحثوا عن خطّة دعم وقيّموا البدائل وبدّلوا أقرانهم عندما سنحت الظروف المواتية. ولفهم السبب، علينا أن نحوّل نظرنا إلى أولئك الأسلاف وأن نكتشف تحديات الاقتران التي واجهتهم.
-2-
واجه الأسلاف البشريون ثلاثة أنواع من الكفاحات الكبيرة في الحياة: أوّلها مخاطر البيئة الماديّة، حيث كان عليهم إيجاد ما يكفي من الطعام ليأكلوا وإيجاد ملجأ من العواصف ودرء البرد والحرّ الشديدين. كان الكفاح الثاني مع بقيّة الأنواع، فقد كان الناجون مهددون دوماً من الأفاعي الخطرة والقطط اللاحمة والطفيليات التي جعلت من جسم الإنسان منزلاً لها. والفئة الثالثة من الكفاحات لم تكن أقلّ جوهريّة من سابقاتها: إنّها التنازع والتنافس ضدّ أفراد النوع نفسه. لقد شكّل البشر الآخرون بشكل جمعي، بمقاليعهم وسهامهم المتنوعة، قوّة طبيعيّة عدائيّة هائلة.
طوّر البشر في سياق هذه الكفاحات، قائمة باستراتيجيات الاقتران، وهنا حيث أصبحت رابطة الالتزام طويل الأمد أمراً رئيسيّاً. يمكن لقرين ملتزم أن يوفّر اللحم أثناء الشتاء البارد عندما لا يزهر التوت. يمكن لشريك طويل الأمد أن يوفّر الحماية من الحيوانات المفترسة الجائعة ومن البشر العدائيين. يمكن لقرينٍ مدى الحياة أن يرعى الأطفال وهم وسيلة النقل التي لا تقدّر بثمن، حيث يحملون شحنة الجينات الثمينة إلى المستقبل. باختصار: يقدّم التزاوج طويل الأمد حزمة من المنافع، وهو يساعد في مواجهة جميع أنواع الكفاحات الثلاثة التي يتحتّم على البشر مواجهتها.
لكن هناك دوماً شيء ما خاطئ قد يحدث في الطريق. يمكن لصيّاد واعدٍ في البداية أن يعرج بسبب إصابة أو التهاب ما. يمكن لشريك معتاد أن يتعرّض لقرصة عنكبوت أو أن يُجرح في المعركة أو يُقتل في حرب داخلية بين الجماعات. أو ربّما تنخفض رتبته لدى المجموعة، ويقلّ بالتالي امتياز وصوله إلى الموارد الحيوية للمجموعة. قد تعاني القيمة الاقترانيّة للشريك الذي كان يتمتّع في البداية بمسار تصاعدي واعد، من انتكاسات كارثيّة. يدور اختيار قرينٍ طويل الأمد بكليته حول المسار المستقبلي، وغالباً ما يحمل المستقبل معه الغدر والمآسي.
وهناك تحدّ آخر يواجه الاقتران الملتزم: قد لا يكون زملاء القرين الأكثر قيمة منه موجودين أو متاحين في البداية، ثمّ يظهرون على الساحة في بعض الأحيان. وقد ترتفع قيمة قرينك فيصبح أكثر جاذبيّة لأقران محتملين لم يكونوا مهتمين به في البدء. وقد يصبح قرين مُحتمل لم يكن متاحاً من قبل، غير مشغول فجأة، وذلك تبعاً لموت أو هجر شريكته له. ويمكن أن يقدّم اندماج قبائل منفصلة ثروة طازجة من فرص الاقتران. باختصار: لقد وفّرت تقلبات الحياة آفاقاً جديدة لأسلافنا كي يبدّلوا أقرانهم.
وعلى الجانب الآخر، يمكن للأفراد أن يجدوا أنفسهم في آخر طريق فاشل مع شريك فقد أحلامه. قد يبدأ الزوج بعلاقة غراميّة أخرى، فيحوّل موارد الأسرة القيّمة إلى امرأة أخرى وأطفالها. وقد يشعر رجلٌ بأنّ وضعه يخوّله الحصول على زوجة أخرى، فيقسّم بذلك حصّة الزوجة الأولى من الموارد إلى النصف. أو قد يطلّقها بالكامل ويتخلّى عنها وعن طفليها اللذين يعيلهما، بينما تتقدّم في السن وتخسر قيمتها الاقترانيّة وتخسر احتمال إعادة الاقتران.
لقد أدّت كلّ هذه التحدّيات التي واجهت أسلافنا إلى تطوّر الحلول الاستراتيجيّة. تضمنت بعض هذه التكتيكات احتجاز القرين، وتحفيزه لتجنّب صيادي الأقران، والبقاء مع شريك مستثمر. تتراوح هذه التكتيكات بين اليقظة والعنف، لكن هناك أيضاً مجموعة أخرى من الحلول الهامّة: التكيّف مع تبديل القرين، وهو ما سننتقل إليه الآن.
-3-
رغم أنّ الكثير من الأبحاث العلميّة قد ركّزت على المراحل الأوليّة في اختيار القرين وجذبه وبعض حالات الاحتفاظ به، فقد أولت أبحاث قليلة بشكل نسبي الاهتمام للتكيّف مع تبديل القرين. أحد أكثر المتضمنات أهميّة هو مراقبة القيمة الاقترانيّة للشريك، التي تتكوّن من عشرات الصفات. تشمل هذه الصفات الاجتماعيّة المرتبة أو الاحترام الذي يحوزونه، وشبكة الصداقات والتحالفات لديهم، وقوّة تحالفات النسب. تُسهم الصفات البدنيّة أيضاً في القيمة الاقترانيّة، مثل البراعة الرياضيّة والتحمّل الجسدي والجاذبيّة والإشارات الواضحة على الصحّة الجيدة.
للشخصيّة أهميتها أيضاً. هل الشريك حيوي أو يمكن الاعتماد عليه أو طَموح أو مستقر عاطفياً أو مؤنس أو سهل القياد أو مهيمن؟ تتغيّر معظم هذه الصفات بمرور الوقت. يمكن للمرتبة الاجتماعيّة أن تعلو وأن تهبط. تعلو الحالة الصحيّة وتهبط من يوم لآخر، لكن يمكن أن تنحطّ بشكل دائم عبر الإصابة بمرض أو بعدوى. تتغيّر السمات الشخصيّة. يمكن لمستويات الطاقة أن تنحسر مع التقدّم في السن. قد يخبو الطموح بعد اختيار القرين. حتّى الاستقرار العاطفي يمكن أن يتغيّر تبعاً لصدمة عاطفيّة أو جسديّة، فاضطراب الكرب التالي للرضّ (post-traumatic stress disorder) هو نتيجة شائعة لمحن الحرب والاعتداءات الجنسيّة. ولهذا فإنّ مراقبة القيمة الاقترانيّة هي أمر حتمي ضمن هذه العناصر، باستثناء الذين يحيون في بيئة معزولة.
تؤدي القيمة الاقترانيّة لشريك ما دوراً حاسماً في تحديد مدى تقييم الشريكات له. المصطلح التقني هنا هو «معدّل النفع التبادلي – WTR – welfare-trade-off ratio»: وهو معدّل مقدار القيمة التي يعطونها لك، مقرونة بالنفع الخاص بهم. تعاني بعض النساء اللواتي يخترن القرين من صدمة فظّة عندما يكون معدلّ النفع التبادلي مرتفع أثناء مرحلة التودد، فيتحوّل إلى نسبة أنانيّة منحرفة بعد نذور الزواج، ثمّ يتضاءل تدريجيّاً بمرور الوقت. فالشريك الذي يُظهر بمرور الوقت استثماراً كبيراً قد يحدّ من هذا الاستثمار على مرّ الزمن. إنّ الرضا عن العلاقة، أي المقياس الذي يرتفع وينخفض مع مدّ وجزر الوقت، هو آليّة الرصد النفسي التي تتعقّب عناصر القيمة الاقترانيّة للشريك، ومستوى استثماره، ومعدّل النفع التبادلي الذي يحوزه.
إنّ القيمة الاقترانيّة بين الأزواج هي نسبيّة بطبيعتها، وعليه فإنّ رصد القيمة الاقترانيّة ليس كافياً، فالتقدير الذاتي مطلوب. يمكن أن تزداد القيمة الاقترانية للرجل أو للمرأة عبر الزمن. قد ترتفع رتبة أيّ منهما، أو يرث موارد كبيرة، أو يميزوا أنفسهم عبر أحد أفعال الشجاعة أو القيادة أو الحكمة، ممّا يجعلهم مرغوبين أكثر في المكان الذي يوفّر تبادل الأقران. قد تجد المرأة التي ترتفع قيمتها الاقترانية نفسها غير راضية بزوجها، حتّى لو بقيت كامل عوامل الرغبة به ثابتة دون تغيير.
ترفع النساء ذات الجاذبيّة العالية من معايير اقترانهن، ويتوقعن مستويات عالية من مقاييس القرين مثل: المرتبة والموارد والالتزامات والتعاون. وقد تختلف القيمة الاقترانيّة للمرأة على مدى دورة الإباضة الشهريّة، فهي قد تكون مرغوبة بشكل أكبر أثناء وقت الإباضة منها في بقيّة مراحل الدورة الشهريّة. تعكس التغيّرات الطفيفة في جاذبيّة المرأة هذه التحوّلات في الإباضة، فجلدهن يتوهج أكثر قليلاً، وتصبح نسبة الخصر إلى الورك أقلّ بقليل، وترتفع أصواتهن قليلاً، وتتعزز جميع السمات التي تشكّل جمال المرأة. قد تعكس حقيقة أنّ النساء قد يصبحن متطلبات أكثر في تفضيلاتهن في هذا الوقت من الإباضة، تكيفاً مع رصدهن لقيمتهن الاقترانيّة الخاصّة، والقيام بناء عليه بضبط معاييرهن وفقاً لها.
ونحن لا نعلم إن كانت هذه التغيرات المتعلقة بالدورة الإباضيّة، أو الأكثر ثباتاً في كون المرأة مرغوبة، قد تؤثر على أشياء مثل مستوى رضاها عن شريكها الحالي، أو جذبها لأقران بدلاء محتملين، أو جهدها في تهيئة أقران احتياطيين، أو مدى إغواءها للدخول في علاقة جنسيّة جانبيّة. لكن هناك أدلّة موحية مثيرة: وجدت إحدى الدراسات بأنّ النساء هم أكثر عرضة، مقارنة بالرجال، لتفادي جهود الحماية القرينيّة (mate-guarding) التي يبذلها شريكهم، وذلك تحديداً أثناء أكثر مراحلهن خصوبة، وهو تأثير أكثر وضوحاً بين النساء اللواتي وجدن لهنّ شريكاً ذو جاذبية ضعيفة. وجدت هؤلاء النسوة أنفسهن مهتمات بكثرة بحضور المناسبات الاجتماعية، ربّما لأنّهن يتفاعلن هناك مع أقران بديلين. وقد قامت هؤلاء النسوة بالإبلاغ عن انخراطهن في مغازلات بنسب أكبر مع رجال آخرين غير شركائهن المعتادين. تشير هذه النتائج إلى احتماليّة قيام النساء برصد القيمة الاقترانيّة الخاصّة بهن، وبأنّه يمكن أن يصبح الأقران البدلاء أكثر جاذبيّة عندما تزداد قيمة النساء الاقترانيّة. يتطلّب هذا بدوره القيام برصد أقران بدلاء محتملين.
يبقى البحث عن أقران بدلاء نشطاً حتّى بين الذين يحظون بعلاقات سعيدة، ذلك وفقاً لفرضيّة استبدال القرين. يحدث هذا التقفي بمستويات منخفضة عندما يظهر قرناء جدد متاحون على الساحة، أو عندما تزداد جاذبيّة أو اهتمام قرين محتمل. وينشط هذا البحث في بعض الأحيان عند مستويات مرتفعة عندما تصبح المرأة غير راضية بشكل متزايد مع قرينها المعتاد، وتريد الخروج من العلاقة معه.
وتشير دراساتنا، التي يقودها علماء النفس: دانيال كونروي-بيم من جامعة كاليفورنيا وكاري غويتز من جامعة سان بيرناردينو، إلى أنّ النساء اللواتي يتقفين أثر أقران آخرين غير شريكهن المعتاد يعملن ضمن ثلاثة مقاييس. المقياس الأول هو الاهتمام: هل يُظهر القرين المحتمل الاهتمام والجاذبيّة والرغبة؟ لقد تمّ توثيق بعض المؤشرات مثل تثبيت النظر لفترات طويلة نسبياً والابتسامات المنتقاة واللمحات الجانبيّة. هل تومأ هذا المؤشرات إلى اهتمام طويل الأمد أم إلى رغبة جنسيّة عابرة؟ تتردد الكثير من النساء في تركهن لشريكهن المعتاد من أجل نزوة عابرة، رغم أنّ البعض يراها بأنّها إشارة هامّة بأنّ شيئاً خاطئاً جدّاً يجري في علاقتهن المعتادة. المقياس الثاني هو قيمة القرين: إنّ زيادة كبيرة في القيمة يؤمنها القرين المحتمل على الشريك الملتزم هي ما يمكن أن تستحق تحمّل كلفة الانفصال. المقياس الثالث لتقفي الأثر هو الجدارة: هل البديل المُهتم هو في الحقيقة خالٍ من الالتزامات الثقيلة مثل وجود زوجة أو الالتزام الساحق بأطفال يعيلهم؟ لقد اكتشفت مع كونروي-بيم ومع غويتز أيضاً بأنّ النساء يقلصن من جهودهن للحفاظ على الشريك المعتاد فقط عندما يعملن ضمن واحدة أو أكثر من المقاييس التي ذكرناها.
-4-
لم تكن هذه الأنماط الكلاسيكيّة واسعة الانتشار لتتطوّر على الإطلاق دون إنتاج قرارات وسلوك اقتران في العالم الحقيقي. إذاً كيف تنفّذ المرأة بشكل حقيقي استراتيجيّة تبديل القرين؟ نقترح وجود ثلاثة استراتيجيّات رئيسيّة: الإبقاء على أقران احتياطيين، وإقامة علاقات جانبيّة، وتحقيق الانفصال.
أخبرتني إحدى النساء: «الرجال مثل الحساء، فأنت تحتاج واحداً منهم بشكل دائم ليبقى منتظراً على نار هادئة». ترى فرضيّة القرين الاحتياطي بأنّه حتّى الأشخاص الذين يعيشون في علاقات تبعث على الرضا بشكل كبير، ينتفعون من إبقاء أقرانٍ احتياطيين، لأنّ لا شيء في الحياة أو الحب مضمون. لقد وجدت دراساتنا بهذا الخصوص، والتي قادها عالم النفس جوشوا دونتلي من كليّة ستوكتون في نيوجرسي، بأنّ كلا الرجال والنساء قد أبلغن عن قيامهم بالاحتفاظ بأقرانٍ احتياطيين، أي لبدائل محتملة لقرينهم الحالي في حال انهيار علاقتهم معه. كان لدى كلا الجنسين بشكل وسطي قائمة تحوي على ثلاثة أقران احتياطيين محتملين. وقد أبلغ الناس الذين تمّ استطلاعهم بأنّهم سينزعجون إن انخرط أقرانهم الاحتياطيين بعلاقة عاطفيّة جديّة مع أحد آخر. وبشكل يثير الدهشة، فقد كانت النساء أكثر عرضة للانزعاج إن دخل أقرانهن الاحتياطيين في علاقة طويلة الأمد أو وقعوا في غرام أحدٍ آخر. أبلغت النساء، أكثر ممّا فعل الرجال، بأنّهن سينشطن في محاولة منع الاحتياطيين الخاصين بهم من الزواج بأحد آخر. تبدو النتيجة واضحة: سوف يقوّض انخراط أقرانهن الاحتياطيين مع أحد آخر، قيمتهم بوصفهم أقران احتياطيين واقعيين.
يلعب الأصدقاء من الجنس الآخر في بعض الأحيان دور القرين الاحتياطي. تعطي النساء، بشكل أكبر من الرجال، الأولويّة للموارد الاقتصاديّة وللشجاعة الجسدية في تفضيل أصدقائهن من الجنس الآخر، وهو ما يعكس بدقّة اختلافات الجنسين بشأن تفضيلات القرين طويل الأمد. لكن هل يمكن للصفات التي تقدّرها المرأة لدى صديقها الذكر أن تكون شبه متطابقة مع الصفات الموجودة في القرين طويل الأمد، وذلك بمحض الصدفة؟ إنّ التنبؤ الرئيسيّ في فرضيّة تبديل القرين هي أنّ المرأة سوف تضاعف جهودها التي ترمي لترسيخ علاقتها بالأصدقاء من الذكور بوصفهم احتياطيين محتملين، عندما تشير الظروف إلى أنّ هناك تبديلاً للقرين يلوح في الأفق.
ثمّة إشارة أخرى، فالناس نادراً ما يبوحون لشركائهم المعتادين عن كونهم يعتبرون أحدهم قريناً احتياطياً، فالقول الشائع: «نحن مجرّد أصدقاء». لكن أن يكونا «مجرّد أصدقاء» هو تكتيك آخر يستخدمه الصيادون في محاولتهم لإغواء أحدهم بالابتعاد عن اقتراناً طويل الأمد. عادة ما يخفي الأقران الاحتياطيون الحوافز الخاصّة بهم للاقتران.
يبدو هذا منطقياً. عدم الإخلاص هو تكتيك فعّال لتعزيز طلاق ما، لكنّه خطير أيضاً. في الواقع، عدم الإخلاص هو سبب رئيس في عنف الشريك الحميم، وهو أيضاً الحافز الرئيس للقتل الزوجي. ورغم أخطاره، لا تزال ربع النساء تقريباً يسلكن هذا الطريق. ومن المثير للاهتمام أنّ النساء المتزوجات اللواتي في أوائل العقد الثالث من عمرهن، هنّ الأكثر عرضة للدخول في علاقة خارجية، ربّما يعكس ذلك حافزاً لتبديل الأقران بينما لا يزلن مرغوبات بشكل مرتفع.
تدعم بضعة أدلّة الفكرة القائلة بأنّ عدم الإخلاص يخدم وظيفة تبديل الأقران بالنسبة للنساء. أولاً: النساء اللواتي يبدأن بعلاقات الجانبيّة هنّ الأكثر عرضة بكثير ليعانين من عدم رضا زوجي، بالمقارنة مع النساء اللواتي لا يفعلن. قد يبدو هذا الأمر واضحاً جدّاً، لكنّ ذات الدراسات تظهر بأنّ الرجال الذين يبدؤون علاقات غرامية لا يعانون من عدم الرضا الزوجي بالمقارنة مع الرجال الذين لا يفعلون. ثانياً: النساء أكثر عرضة بكثير، مقارنة بالرجال، ليصبحن منخرطات عاطفياً وليقعن في غرام شركائهن في العلاقات الخارجية. أبلغت حوالي 70% من النساء عن حدوث ذلك لهن، وذلك مقابل 30% من الرجال فقط. إضافة إلى ذلك: النساء أكثر عرضة ليرددن السبب في دخولهن علاقة جانبيّة إلى الانخراط العاطفي، بينما الرجال أكثر عرضة ليردّوا تصرفاتهم إلى المتعة الجنسية الخالصة. تشير هذه الاختلافات الحاسمة بين الجنسين إلى اختلافات وظيفيّة جذريّة في السبب المؤدي إلى عدم الإخلاص. وهي تشير إلى عمل تبديل القرين بالنسبة للنساء بشكل خاص.
بالنسبة للواتي تسعين لإنهاء الشراكة الحاليّة، فإنّ الخروج من الاقتران هي الخطوة النهائية بكل وضوح. أحد التكتيكات النمطيّة للإبعاد هي القول: «لست أنت السبب، بل أنا»، في محاولة للحدّ من تحفيز الغضب الانتقامي. وينطوي آخر على تحويل العلاقة الرومانسيّة الحاليّة إلى صداقة، وهي مصممة أيضاً للحدّ من غضب الحبيب السابق. تستمرّ النساء في بعض الحالات في منح الحبيب السابق تفضيلات جنسيّة في محاولة للتقليل من تكاليف أو محاولات توجيه اهتمامه الجنسي بنساء أخريات. لا يزال يتعيّن دراسة فعّالية تكتيكات الإبعاد هذه، والظروف التي يتمّ فيها استخدامها، بشكل علمي.
-5-
تفسّر فرضيّة تبديل القرين مجموعة من المكتشفات التي ستبقى غامضة دونها. إنّها تفسّر سبب قيام أكثر الأشخاص بتجهيز أقران احتياطيين، وسبب أنّ الصفات المرغوبة في الأصدقاء من الجنس المختلف تتطابق مع الصفات المرغوبة في الأقران طويلي الأمد، وسبب بقاء الأقران الاحتياطيين بشكل نموذجي، مخفيين عن القرين المعتاد. إنّها تفسّر لماذا تصبح النساء غير راضيات بعلاقاتهن الحاليّة عندما يصبح هناك بدائل متاحون في تجمّع للأقران، حيث يكون هؤلاء الأقران الجدد ذوو قيمة اقترانيّة أعلى من شركائهن المعتادين. وهي تقدّم تفسيراً قويّ الحجّة عن سبب استعداد النساء للمخاطرة كثيراً في أن يحظين بعلاقات جانبيّة، وتفسيراً للغز المستمرّ الثابت في أنّ المرأة لا تجني فوائد مباشرة من حيث النجاح التناسلي عندما تتعدد علاقاتها.
سيكون الاعتراف بأنّ البشر قد طوروا سيكولوجيا مكرّسة لتبديل القرين مزعجاً بالنسبة للكثيرين بلا شك. قد يكون أمراً مزعجاً للرجل أن يعلم بأنّ زوجته تنتهج سياسة ضمان قرين، أو بأنّها تحمل خيالات جنسيّة لزميلها في العمل، أو أنّ صاحب تعبير «مجرّد صديق» هو منافسه. قد يكون أمراً محبطاً أن تعلم بأنّك قابل للاستبدال أكثر ممّا كنت تتوقّع. من الممكن أن يكون مزعجاً أن تصبح مطلعاً على أنّ عدم سعادة شريكك قد لا يكون أمراً عابراً، وأنّ ذلك ينمّ عن خطّة لإنهاء العلاقة معك.
لكن لا يمكن لشيء في الاقتران أن يبقى ثابتاً. لم يصمّم التطوّر البشر لكي ينعموا بحياة زوجيّة مدى الحياة. لقد واجه أسلافنا عالم الاقتران لمواجهة احتمال حدوث شيء خاطئ دوماً. ربّما يستحقّ أولئك الذين تمسّكوا ببعضهم في السرّاء والضرّاء التقدير على ولائهم، لكنّ هذا الأمر لا علاقة له بكون البشر المعاصرين ينحدرون من أسلافٍ ناجحين عقدوا تأميناً على الأقران: لقد كرّسوا طاقاتهم لبناء سيناريوهات مختلفة، ومن أجل محاكاة إدراكيّة للخيالات التي تدور حول أقران محتملين، ووضعوا الخطط للابتعاد، واختاروا من بين هذه السيناريوهات عندما أشار حساب التفاضل المخفي إلى منافع تبديل القرين.