الرأسمالية ومسببات المرض
يساعد مجال أعمال الشركات مسببات المرض والآفات على الانتشار حول العالم. الطريقة الوحيدة لإيقاف الجائحة المميتة التالية هي في إنهاء الأعمال الزراعية الرأسمالية كما نعرفها.
تعريب: عروة درويش
نحاول، مرّة كل حين، أن نضع الأشياء مع بعضها لتكتمل الصورة. تشبه في بعض النواحي هذه الطروحات عن الزراعة والمرض ماكنّا، أنا وغيري، نقوله طوال الوقت. لكن هناك الآن فهمٌ متزايد للعلاقات الوظيفية لمفاهيم مثل الصحّة والعدالة الغذائية والتشارك البيئي. هذه الأطروحات ليست مجرّد جردة للأشياء الجيدة التي وسّختها الرأسمالية. يبدو بأنّ تخطئة «مقصلة هيوم»، وتجسيد بناء متخصص في جوهر هويتنا الإنسانية، والعدالة والأنظمة البيئية، تعرّف بعضها البعض في مستوى عميق من السبب والنتيجة:
1. يعاني الفلاحون المتعاقدون حول العالم من ضغط الأسعار الكبير. ويعاني المنتجون في ذات الوقت من تزايد تكاليف (المُدخلات Inputs)، وانخفاض أو تهاوي أثمان بضائعهم قبل بيعها. يضطرّ الفلاحون إلى الانصياع لنظرية «الملكة الحمراء» الاقتصادية . على الفلاحين الأفراد زيادة الإنتاج ولو كان ذلك الجهد يهدف فقط إلى تغطية الأثمان المنخفضة التي ترتفع في الإنتاج في جميع المزارع، والتي ساعدت على انطلاق الكساد.
2. ضغط الأسعار هو احتيال تقوم به مجال أعمال الزراعة على الفلاحين. تسعى الشركات، من خلال فرض إنتاج زراعي مرتفع، إلى تزهيد ثمن مكونات خطوط إنتاجها الصناعية. يدور الإنتاج المرتفع، أي إنتاج غذاء يفوق طلب الاستهلاك العالمي، حول جني المال من خلال إجبار الفلاحين المتعاقدين على شراء مُدخلات صناعية لا يحتاجون إليها لزراعة ما يكفي من الغذاء.
3. تجبر الهوّة بين التكلفة والثمن، وهي أيضاً إحدى وسائل ضبط العمالة، الكثير من الفلاحين على الخروج من الدورة، ممّا يؤدي إلى تقوية المؤامرة التي يهجر فيها الملاك الصغار وأصحاب العمليات المتوسطة الأراضي لتصبح برسم البيع. ثمّ يقومون بالعمليات المصرفية بميزان الوفرة، ويعتمدون آلية التمويل عن طريق الاقتراض، وزيادة ثمن أسهم الأرض من أجل تفادي ضغط الثمن الاصطناعي.
4. تؤدي الزيادات الناتجة في حجم المزارع وفي ديونها، والتراجع في التنوع في المحاصيل والثروة الحيوانية، وإطالة سلاسل التسليع عبر توسيع مناطق الغذاء الجغرافية، إلى الحدّ من قدرة الأرياف على الصمود أمام تفشّي الأمراض المرتبطة بالإنتاج الزراعي. ويقوم منتجو اللحوم والمحاصيل الزراعية على السواء، من خلال زراعة المحصول الموحّد الهائلة، بتصنيع الآفات ومسببات الأمراض، ممّا يزيد من معدّل انتشار هذه الأمراض وحجمها وشدّة فتكها. باختصار: يوفّر الإنتاج الصناعي وقاية أقل ضدّ تزايد خطر جائحة تمّت صناعتها عن طريق ذات الإنتاج الصناعي.
5. تعني السيطرة على تفشي المرض في هذا النظام أولاً وقبل كلّ شيء حماية النموذج الاقتصادي، الذي يجعل مجال الأعمال الزراعية يجني الكثير من المال. إنّ الممارسات الزراعية التي تتم على أرض الواقع، والكيفيّة التي تتمّ فيها زراعة الغذاء في الأراضي، تسمح فقط بالتغيير الذي يُسهم في توفير طرق جديدة لتجريد الفلاحين من ملكياتهم. يعني هذا بأنّه، حتّى مشاكل أعمال الإنتاج الزراعي، ومن بينها الأمراض، قد أصبحت مجرّد وسيلة أخرى لكسب المال على حساب الفلاحين.
6. يطلب المشترون التابعين للشركات، وهم في الحقول، من المنتجين أن يسيطروا على التفشي الناشئ بشكل حتمي عن آلية الزراعة أحادية المحصول، وذلك عن طريق استخدام المبيدات والمستحضرات الصيدلانية التي تبيعها شركات الدواء أو الكيمياء لأول مرّة. لا يتمّ تطبيق أيّ حلول خارج أفق تسليع ما تشتريه الشركات وترغب في أن يتم إنتاجه، كأن يتمّ القيام بتنويع الزارعة البيئية أو الفسيفساء الإقليمية.
7. لا تهتمّ الآفات الزراعية ومسببات المرض – خاصة بوجود العديد من أمراض الماشية والدواجن القادرة على الانتقال للبشر – بأن تتعاون مع مثل هذا الترتيب. فهذه الآفات لا تقرأ ملاحظات الشركات أو تحترم الأرباح الربعية. لكنّ هذا لا يعني بأنّها لا تحبّ نموذج الزراعة الأحادية العالمية. في الواقع، إنّ كنّا سنغضّ الطرف عن الاستعارة، تحقق مجموعة واسعة ممّن يعملون في مجال الأمراض ثروات من خلالها. يساعد نموذج الأعمال هذا على انتشار مسببات الأمراض والآفات حول العالم، لتصل إلى مضيفين جدد ما كانت لتصل إليهم لولا العون من هذا النموذج، وذلك فضلاً عن أنّ الأمر في الغالب ينطوي على عدوى أكثر وفتك أكبر.
8. لهذا فإنّ السبيل الوحيد لإيقاف الجائحة المميتة التالية هي في إبعادها بشكل مباشر عن الماشية والدواجن أو بشكل غير مباشر عن الحيوانات البريّة التي تعاني من إزالة الغابات، وذلك بإنهاء أعمال الزراعة الرأسمالية بالطريقة التي نعرفها فيها.
9. إن ملكية الأراضي واستقلالية الفلاحين والسيطرة التي يمكن للمجتمعات المحلية أن تمارسها على تشكيل أراضي زراعة الغذاء ترتبط بشكل جوهري بالمصير الوبائي لأمراضنا الفتاكة. إن كنّا نريد منع الجائحة التالية: الإيبولا التالية أو انفلونزا الطيور أو فيروس نيباه، من قتل ملايين البشر، فيجب إعادة الزراعة للفلاحين ولداعميهم المحليين، سواء كمزارع صغيرة أو كمشاريع جماعية عبر تشكيلات أراضٍ متنوعة.
10. إنّ الاتحادات العامّة والنماذج التعاونية المنظمة انطلاقاً من الإيكولوجيا الزراعية متنوعة الوظائف، التي تلبي احتياجات الغذاء والفلاحين والبيئة معاً، هي أفضل وسيلة حماية لدينا في مواجهة أسوأ الأمراض الجديدة.