وراقون
تزامنت النهضة التعليمية في العصر العباسي مع ظهور صناعة الورق وحرفة الوراق، ويمكننا أن نعتبر أن أهم أسباب بلوغ الحركة العلمية غايتها من النهضة الواسعة استخدام الورق، وكانوا قبل ذلك يكتبون على الجلود والقراطيس المصنوعة بمصر من ورق البردي، إلى أن أنشأ الفضل بن يحيى البرمكي في عهد الرشيد مصنعاً للورق في بغداد، وانتشرت الكتابة عليه لخفته، وغلبت الكتابة على في الجلود والقراطيس، وكان الإملاء حينئذ أعلى مراتب التعليم، لكن لم تلبث أن ظهرت المصنفات وظهر معها النسخ، فاتسعت صناعة الوراقة.
قال الجاحظ: «كان سخاء النفس بالإنفاق على الكتب دليلاً على تعظيم العلم، وتعظيم العلم دليل على شرف النفس، وعلى السلامة من سكر الآفاق».
ونتج عن صناعة الورق وتدوين العلوم فيه، وجود الكتب وخزائنها. وأصبحت المكاتب منذ العصر العباسي الأول مصدراً كبيراً للثقافة. وأنشئت المكتبات العامة لهذا الغرض.
وكانت المكتبات الأهلية منتشرة في كل أنحاء الشرق الأدنى أثناء ذروة الحضارة العربية الإسلامية من القرن التاسع وحتى القرن الثالث عشر.
بعض هذه المجموعات كانت مقتنيات خاصة بأصحابها، وبعضها كان ملحقاً بالجوامع ومدارس المساجد، وكانت مفتوحة للجميع وبعضها مزود بأمناء المكتبات والإداريين.
وتعتبر صناعة الكتاب وانتشاره جزءاً أساسياً مكوناً من تركيبة الثقافة المعاصرة، التي طرأ عليها انقطاع، مع بدء اختفاء وانقراض المكتبات، من مكتبات المدارس التي تقلصت إلى بضعة رفوف لها قيمة تمثيلية لا غير، إلى محدودية مكتبات المراكز الثقافية، إلى تقلص عدد المكتبات التي تبيع الكتاب، وتقلص أعداد دور النشر، التي لعب دوراً أساسياً فيها كون الكتاب سلعة غير مدعومة بشكل عام.
وتقلّص دور المؤسسات الوطنية المنتجة للكتاب ليصبح دور وجود وليس دور تغيير وتطوير.
وأصبح منتج الكتاب من كاتب وناشر عملة نادرة، عدا عن ندرة القارئ أصلاً، حيث لا يطبع في العموم من أي كتاب أكثر من ألف نسخة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار عدد السكان فيكون لكل ثلاثة وعشرين ألف مواطن نسخة من هذا الكتاب لهم أن يتداولوها، في فترة ما من حياتهم، عسى أن يصل إليهم الدور في قراءتها يوماً ما.