بين التنمية و«البرستيج»

بين التنمية و«البرستيج»

تعيش المؤسسات البحثية السورية صراعاً خفياً بين توجهين واضحين شكلاً متناقضين مضموناً.

فبين الضغوطات التي تمارسها الإدارات من أجل الجدوى الاقتصادية للأبحاث، المبررة بدواعي التنمية وخاصة في زمن الحرب، والضغوطات من أجل إعادة الإعمار، وربط الأعمال البحثية بحاجات المجتمع. وهو مطلب حق وإن كانت أدواته غير مفعلة، وهو في طور التنظير لا التطبيق حتماً وبين الضغوطات التي تمارسها تلك الإدارات نفسها من أجل النشر البرستيجي الخارجي بحجة رفع تقييم المؤسسات العلمية والبحثية السورية.

للوهلة الأولى يبدو هذان التوجهان منطقيان، وما التعارض بينهما؟
نستغرق قليلاً في عمق القضية، ماذا يعني التركيز على النشر الخارجي للأبحاث، وإهمال المجلات العلمية المحلية، واعتبار النشر فيها نوعاً من تمرير الأبحاث السيئة أو ذات الدرجة الدنيا من حيث الجودة؟
يعني ذلك أننا ننتظر شهادة حسن السلوك والأداء من الخارج أولاً؟
وكيف يتم تقييم أهمية الأبحاث في خارج سورية؟ يتم بالطبع حسب أولويات البحث التي تفرضها سياسات تلك الدول.
وهل تتناسب تلك الأولويات أو تتطابق مع أولوياتنا السورية وسياساتنا؟ بالطبع لا!!!!
ماذا يعني ذلك إذاً؟ إنه يعني أننا نستعير أولوياتهم وسياساتهم وننفق عليها من أموال كل السوريين العاملين، الذين يدفعون الضرائب من أجل البحوث العلمية المفيدة للتنمية حتماً، ونبعثر طاقات الباحثين السوريين، من أجل تنفيذ الأبحاث التي تفيدهم هم.
وماذا بشأن الجدوى الاقتصادية والأثر التنموي للبحث، والطبيعة التطبيقية وإعادة الإعمار وربط الأعمال البحثية بحاجات المجتمع؟ إنها جميعاً ضرورات أساسية للبحث، لكنها لا تلقى التقدير الكافي في النشر الخارجي حتماً، لأنها أولا: ضرورات وطنية سورية صرفة، وثانياً: لأنها مراحل مرت بها تلك البلدان _إن مرت بها_ في فترات سابقة، ولم تعد راهنة بالنسبة لها، وبالتالي فهي صالحة للنشر المحلي فقط، ذاك الذي لا يلقى تقديراً، فضلاً عن عدم تقديرها عند وضع السياسات التنموية وإهمالها، مما يؤدي إلى أن الأموال المصروفة على تلك الأبحاث غالباً ما تذهب أدراج الرياح.
وماذا عن تقييم الجامعات والمراكز البحثية في الخارج؟ وهل تتناسب معايير التقييم الخارجية جميعها مع متطلباتنا الوطنية؟ إن كان أحد أهم المعايير هو النشر في الخارج، وهو خارج نطاق أولوياتنا فربما من الأفضل أن نضع معايير تطوير خاصة بنا تتعلق أولاً بأولوياتنا نحن كسوريين.