لماذا الآن يهتم «الإسرائيليون» بفظائع جنودهم؟
لا ينبغي أن يكون هناك أي شيء مفاجئ في الكشف عن أنّ القوات في «سدي تيمان»، معسكر الاعتقال الذي أنشأته «إسرائيل»، تستخدم الاغتصاب بشكل روتيني كسلاح تعذيب ضد السجناء الفلسطينيين. اعتُقِل تسعة جنود من وحدة السجن: القوة 100، بتهمة اغتصاب سجين فلسطيني بشكل جماعي باستخدام أداة حادة. من المعروف أنّ ما لا يقل عن 53 سجيناً لقوا حتفهم في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، ويُفترض في أغلب الحالات أن الوفاة كانت إما نتيجة للتعذيب، أو نتيجة حرمانهم من الحصول على الرعاية الطبية. ولم تجرِ «إسرائيل» أي تحقيقات ولم تعتقل أي شخص.
ترجمة: قاسيون
لماذا ينبغي لنا أن نتفاجأ عندما نرى «إسرائيل» تستخدم التعذيب والاغتصاب ضد الفلسطينيين؟ في النهاية، إنّه الجيش ذاته الذي استخدم لمدة عشرة أشهر التجويع كسلاح حرب ضد 2.3 مليون شخص في غزة، نصفهم من الأطفال. إنّه الجيش ذاته الذي دمّر منذ أكتوبر/تشرين الأول كل مستشفيات غزة، فضلاً عن تدمير كل مدارسها تقريباً و70% من منازلها. وهو الجيش نفسه الذي من المعروف أنه قتل خلال تلك الفترة ما لا يقل عن 40 ألف فلسطيني، فضلاً عن 21 ألف طفل آخرين في عداد المفقودين. إذا لم تكن هناك خطوط حمراء «لإسرائيل» عندما يتعلق الأمر بمعاملة المدنيين الفلسطينيين المحاصرين داخل غزة، فلماذا إذن ستكون هناك خطوط حمراء لأولئك الذين اختطفوا من شوارعها وسحبوا إلى زنزاناتها؟
نشرت الأمم المتحدة في الحادي والثلاثين من يوليو/تموز تقريراً تناول الظروف التي يحتجز فيها نحو 9400 أسير فلسطيني منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وقد عزلت السلطات «الإسرائيلية» معظم هؤلاء عن العالم الخارجي، ولم يتم الكشف قط عن الأسباب التي أدت إلى احتجازهم وسجنهم، ومُنع الصليب الأحمر من الوصول إليهم. خلص التقرير إلى أن «أعمال التعذيب والإساءة المروعة» تجري في جميع مراكز الاحتجاز «الإسرائيلية»، بما في ذلك العنف الجنسي، والتعذيب بالماء، والهجمات بالكلاب.
باختصار، لقد أصبح سراً مفتوحاً في «إسرائيل» أنّ التعذيب والاعتداء الجنسي يُعتبران من الممارسات الروتينية. إنّ المفاجأة ليست في ممارسة العنف الجنسي على الأسرى الفلسطينيين. بل إن المفاجأة تكمن في أنّ كبار القادة العسكريين «الإسرائيليين» لم يتصوروا قط أنّ اعتقال جنود «إسرائيليين» بتهمة اغتصاب فلسطينيين سوف يحظى بقبول عام. بدلاً من ذلك، فتح الجيش، من خلال الاعتقالات، صندوقاً ساماً من الديدان.
إنّ الإجماع في «إسرائيل» هو أن أي إساءة، بما في ذلك الاغتصاب، مسموح بها ضد آلاف الفلسطينيين الذين اعتقلتهم «إسرائيل» في الأشهر الأخيرة - بما في ذلك النساء والأطفال ومئات العاملين في المجال الطبي. هذا الإجماع هو نفسه الذي يرى أنه من الجيد قصف النساء والأطفال الفلسطينيين في غزة، وتدمير منازلهم وتجويعهم.
إنّ مثل هذه المواقف المنحطة ليست جديدة. فهي تستند إلى قناعات أيديولوجية تطورت على مدى عقود من الاحتلال «الإسرائيلي» غير القانوني. فقد عمل المجتمع «الإسرائيلي» على تطبيع فكرة أن الفلسطينيين أقل من البشر، وأن أي إساءة لهم أمر مسموح به. في عام 2016، على سبيل المثال: عيّن الجيش الإسرائيلي إيال كريم حاخاماً رئيسياً له، حتى بعد أن أعلن أن الفلسطينيين «حيوانات» ووافق على اغتصاب النساء الفلسطينيات من أجل رفع معنويات الجنود.
من المفهوم أن يكون هناك استياء من أن «القواعد» الراسخة منذ فترة طويلة - والتي تنص على السماح بأي فظائع - بدت فجأة وبشكل تعسفي وكأنها قد تغيرت. السؤال الأكبر هو: لماذا وافق المستشار القانوني الأعلى للجيش «الإسرائيلي» على فتح تحقيق مع جنود القوة 100 - ولماذا الآن؟ الإجابة واضحة: يشعر قادة «إسرائيل» بالذعر بعد سلسلة من الانتكاسات على الساحة القانونية الدولية.
لقد وضعت محكمة العدل الدولية «إسرائيل» على قائمة المحاكمة لارتكابها ما تعتبره إبادة جماعية «معقولة» في غزة. وفي قرار منفصل، خلصت المحكمة في الشهر الماضي إلى أن احتلال «إسرائيل» الذي دام 57 عاماً غير قانوني، ويشكل شكلا من أشكال العدوان على الشعب الفلسطيني. وحكم القضاة بأن غزة لم تتوقف أبداً عن الخضوع للاحتلال، على الرغم من ادعاءات المدافعين عن الاحتلال بعكس ذلك، بما في ذلك الحكومات الغربية.
هذا يعني بشكل ملحوظ أن الفلسطينيين يتمتعون بحق قانوني في مقاومة احتلالهم. أو بعبارة أخرى، يتمتعون بحق غير قابل للتغيير في الدفاع عن النفس ضد المحتلين «الإسرائيليين»، في حين لا تتمتع «إسرائيل» بهذا الحق ضد الفلسطينيين الذين تحتلهم بشكل غير قانوني. «إسرائيل» ليست في «صراع مسلح» مع الشعب الفلسطيني، بل تحتله وتضطهده بوحشية.
في هذه الأثناء، يسعى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء «الإسرائيلي» ووزير دفاعه بتهمة ارتكاب جرائم حرب. تعزز القضايا المختلفة بعضها بعضاً. تجعل قرارات المحكمة الدولية من الصعب على المحكمة الجنائية الدولية أن تتباطأ في إصدار وتوسيع دائرة أوامر الاعتقال.
يدرك القضاة أنفسهم تمام الإدراك ما قد يكون على المحك إذا فشلوا في التصرف. إن تأخير المحاكم الدولية يعني تشويه سمعة القانون الدولي ودورها كحكم على هذا القانون. إنّ القانون الدولي، الذي يشكل الأساس الكامل لوجود محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، أصبح على شفا الهاوية. فالإبادة الجماعية التي ارتكبتها «إسرائيل» تهدد بانهيار كل شيء.
يجعل هذا حتّى الحكومات المؤيدة «لإسرائيل» تخشى التورّط أكثر. كمثال: أعلنت الحكومة البريطانية أواخر الشهر الماضي أنها ستُسقط اعتراضاتها القانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية. أدّى هذا فجأة إلى كشف القيادة العسكرية «الإسرائيلية» بشكل صارخ - وهو السبب الذي جعلهم يشعرون بأنهم ملزمون بالموافقة على اعتقال جنود القوة 100.
إن العزلة الدولية التي تعاني منها «إسرائيل» تعني لها يوماً ما مكاناً في قفص الاتهام في لاهاي. إنّ أحكام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية لا تُخرج شياطين المجتمع «الإسرائيلي» أو شياطين الطبقة السياسية والإعلامية الغربية المتواطئة إلى العلن فحسب. إنّ النظام القانوني الدولي يفرض تدريجياً سيطرته على آلة الحرب «الإسرائيلية»، مما يضطرها إلى الانكفاء على ذاتها.
لا يريد المتحكمون في «إسرائيل» فقط مواصلة الحملة الرامية إلى القضاء على الشعب الفلسطيني، بل يريدون أيضاً توسيع دائرة الحرب، أياً كانت العواقب. شمل ذلك التحرك المتهور المثير للغضب في الأسبوع الماضي لاغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في إيران ــ وهو استفزاز له هدف واحد فقط: توسيع دائرة الحرب والهرب من الواقع.
إذا كان قادة «إسرائيل» غير راغبين أو غير قادرين على كبح جماح هذه التجاوزات، وهو ما يبدو مؤكداً، فإن المحكمة الدولية ستجد أنه من المستحيل تجاهل تهمة الإبادة الجماعية الموجهة إلى إسرائيل، وستضطر المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات اعتقال ضد المزيد من القيادات العسكرية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1187