محاولة اغتيال ترامب والانقسام في رأس المال الأمريكي
بقلم: جين كانرونج بقلم: جين كانرونج

محاولة اغتيال ترامب والانقسام في رأس المال الأمريكي

شهدت انتخابات البرلمان الأوروبي تحولاً نحو «اليمين المتطرف» في مختلف دول الاتحاد الأوروبي. ففي ألمانيا، زاد حزب البديل من أجل الألمان الفاشي الجديد حصته من الأصوات بنحو الثلث إلى نحو 16%. كيف حدث هذا؟ لكي نفهم صعود اليمين المتطرف، فمن المفيد أن نلقي نظرة عن كثب على القوة الأكبر في الاتحاد الأوروبي.

ترجمة: قاسيون

في 13 تموز تمّت محاولة اغتيال ترامب، الرئيس الأسبق والمرشح الرئاسي الأمريكي الحالي، بإطلاق رصاص عليه في تجمّع ضمن حملته الانتخابية. علّق جين كانرونج، البروفسور في العلاقات الدولية في جامعة رنمين الصينية، والخبير في القضايا الأمريكية، على هذا الحدث لصالح صحيفة «المراقب» الصينية. إليكم أبرز ما جاء في تعليقه:

ما هو تأثير إطلاق النار هذا على انتخاب ترامب؟
يُعتقد بشكل عام أن هذا سيكون شيئاً جيداً لترامب. بعد إطلاق النار عليه، انتشرت على نطاق واسع صورة لترامب ووجهه ينزف، وقبضته مرفوعة للإشارة إلى أنه سيواصل القتال، والعلم الأمريكي خلفه. والآن تم تصوير ترامب صورةً بطولية، حتى أن بعض الناس قاموا بتجميع هذه الصورة مع تمثال الحرية، وظهرت فجأة صورة المقاتل والمدافع عن الديمقراطية الأمريكية.

منذ أعمال الشغب في «الكابيتول هيل»، وصولاً إلى حادث إطلاق النار هذا، رأينا أن الانتخابات الأمريكية أصبحت أكثر عنفاً وغير مستقرّة. إذا قمت بتحليلها من منظور النظام الديمقراطي، ما هي العوامل التي ساهمت في رأيك في سقوط السياسة الأمريكية في الفوضى التي هي عليها اليوم؟ هل هذا يعني أن مثل هذه الأحداث غير المستقرة وغير اليقينية ستستمر في الحدوث؟
لقد تدهورت نوعية السياسة بين الحزبين في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، لكنّ «المعتدلين» كانوا لا يزالون يملكون اليد العليا في كلا الحزبين، وعلى الرغم من اختلاف وجهات نظرهم السياسية، إلا أنهم ليسوا متطرفين إلى هذا الحد، وهم قادرون على التعاون والوصول إلى حلول وسط في أشياء كثيرة. لكنك ترى الآن أن جميع الأصوات في الكونجرس تقريباً، في جميع القضايا، يتم الإدلاء بها على أساس استقطاب مرتفع، وأن سياسات كلا الحزبين أصبحت أكثر تطرفاً.
لقد كان الأمريكيون فخورين جداً، وكانوا يعتقدون أن لديهم «ترتيباً أنجلو أميركي»، يختلفون فيه عن الأجواء السياسية في فرنسا مثالاً، التي كانت تميل إلى «التطرف». ولكنهم الآن أصبحوا متطرفين أيضاً ويتصرفون بغض النظر عن العواقب، الأمر الذي يترك مساحة أقل فأقل «للمعتدلين». هذه هي الخلفية العامة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الولايات المتحدة آخذة في الاتساع، والطبقة الوسطى آخذة في التقلص، كما أصبح التمييز الاجتماعي حاداً أيضاً. العديد من الصراعات الاجتماعية المحددة، مثل الهجرة والسياسات الاقتصادية، خطِرة للغاية.
أودّ هنا أيضاً أن أؤكّد على خلفية أخرى، وهي أنّ مجموعات رأس المال في الولايات المتحدة أصبحت الآن متشرذمة، وهو أيضاً السبب الأساسي للاستقطاب السياسي بين الحزبين. يقول الكثير من الناس إنّ الولايات المتحدة هي شركة متنكرة في هيئة دولة، وأن أولئك الذين يسيطرون فعلياً على الولايات المتحدة هم العائلات الكبيرة في وول ستريت. إن الرئيس ونائب الرئيس والوزراء وأعضاء الكونجرس والقضاة هم في الواقع المديرون المهنيون لهذه الشركات العائلية الكبيرة. إنّ السمة المميزة للدولة الأمريكية هي سيطرة رأس المال عليها. إنّ الطريقة التي يحكم بها رأسُ المال البلادَ تختلف عن تلك التي تحكمها الدول الطبيعية. فالدول الطبيعية تؤكد على الوحدة والجماعية، ولكن الدول التي يسيطر عليها رأس المال لا بد أن تؤكد على الفردية، لأنها تحول المجتمع إلى أفراد متناثرين في نهاية المطاف، يكون من السهل السيطرة عليهم.
لذلك، يتعمّد رأس المال وضع المجتمع في حالة مواجهة وانقسام، ويتعمد خلق العديد من القضايا المثيرة للانقسام، مثل القضايا العنصرية للبيض والسود، والصراعات الإقليمية بين الجنوب والشمال، وحقوق الذكور والإناث، والتوجه الجنسي، والهجرة، ومكافحة الإرهاب وما إلى ذلك. من خلال هذا النهج تخلق انقسامات لتشظية المجتمع، وتعزيز الفردية لتعزيز السيطرة على الناس.
لكنّ هذا أدى أيضاً إلى مشكلة قاتلة في الولايات المتحدة، وهي أنّ مجموعات رأس المال لا يمكن تقسيمها. إذا انقسمت المجموعة التي تحكم في العاصمة، فسيكون ذلك أمراً مزعجاً، وسيكون ذلك انقساماً حقيقياً، وسيكون هناك خطر نشوب حرب أهلية. في الواقع، واجهت الولايات المتحدة هذا الموقف عدة مرات في تاريخها، بدءاً من الانقسام بين رأس المال التجاري المؤيد لبريطانيا ورأس المال التجاري الموالي لفرنسا في الأيام الأولى لتأسيس البلاد، إلى الانقسام بين رأس المال التجاري ورأس المال الصناعي بعد الحرب الأنجلو أمريكية الثانية، والتي دفعت الولايات المتحدة إلى حافة حرب أهلية إلى، وصولاً إلى اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية في نهاية المطاف.
أعتقد أن الولايات المتحدة تواجه اليوم الانقسام الثالث لرأس المال، حيث تنقسم مجموعات رأس المال إلى رأس المال الافتراضي، ورأس المال العالمي، ورأس المال المادي/المحسوس، ورأس المال المحلي. يمثّل بايدن رأس المال الافتراضي بالإضافة إلى رأس المال العالمي، والذين يتركزون في السواحل الغربية والشرقية، إذا ما أردنا التحدّث جغرافياً عن المسألة. أمّا ترامب فيمثّل رأس المال/المحسوس ورأس المال المحلي، المتركّز في المناطق الداخلية. إن التمايز في مصالح رأس المال يشكّل السبب الجذري للفوضى السياسية في الولايات المتحدة. إذا لم يتمكنوا من التوصل لحلّ لمشاكلهم، فسوف تحدث مشاكل كبيرة في الولايات المتحدة.

يبدو أنهّم وصلوا إلى مرحلة الخطر. كيف يمكن أن يتقاتل الحزبان في هذه الساحة الانتخابية؟
إذا تعامل بايدن مع القضية بشكل سيّء، فسوف يستمرّ الصراع في التفاقم. بمجرد ترسيخ ترامب باعتباره «البطل الأمريكي»، ستكون الانتخابات غير مواتية للغاية لبايدن. بالنظر إلى شخصية ترامب، فإن هذه الحادثة ستحفز بالتأكيد روحه القتالية، وسيستفيد استفادة كاملة من محاولة الاغتيال هذه. لذا فإن ما يمكننا رؤيته أدناه هو المزيد من المنافسة الشديدة بين الطرفين.
لذا، فإن السياسة الأمريكية خطيرة للغاية هذا العام. ومن بين «أهم عشرة مخاطر سياسية للعام المقبل» التي تنبأت بها شركة الاستشارات الأمريكية «Eurasia Group» في ديسمبر من العام الماضي، كانت حدوث مشاكل كبيرة في السياسة الداخلية في الولايات المتحدة. أجريت العام الماضي محادثة على العشاء مع رئيس «Eurasia Group»، وكان على دراية كبيرة بالشؤون الداخلية للولايات المتحدة، وكان يرى في ذلك الوقت أن «الدولة العميقة» التي تسيطر عليها وول ستريت لن تسمح لترامب بالوصول إلى السلطة أبداً. لقد كانوا مهملين عندما تمكّن من الوصول إلى السلطة في 2015، ولن يرتكبوا هذا الخطأ مرة أخرى.
لذلك، هناك أيضاً تكهنات بأنّ هذا تحذير من «الدولة العميقة» لترامب، على أمل أن يقترب من الخط الأوسط. في الواقع، نرى أن بعض مواقف ترامب الأخيرة أصبحت أكثر اعتدالاً قليلاً مما كانت عليه في عام 2016، وهو يقوم أيضاً بإجراء تعديلات. بطبيعة الحال، هذا الاحتمال هو مجرد تخمين، لأن الثمن المطلوب منه مرتفع للغاية، وقد لا يرضى داعمو ترامب بدفعه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1183