سرقة الآثار «عمل إبداعي» لمحو تاريخ الأمة!
تمّ الكشف مؤخراً عن فقدان أو سرقة أو إتلاف أكثر من ألفي مجموعة من مجموعة المتحف البريطاني، ما أضطرّ مدير المتحف لإعلان استقالته. كيف ينبغي لنا تقييم اقتناء المتحف البريطاني للآثار الثقافية بوسائل مثيرة للجدل خلال فترة الاستعمار البريطاني وما بعدها؟ ما هو تأثير هذا النهب الثقافي على البلدان المتضررة؟ مع الصعود المتزايد لدول الجنوب العالمي، كيف ينبغي لهذه الدول أن تتعامل مع إرثها. لقاء بين صحيفة «غوانتشا» الصينية والباحث فيخاي براشاد عن الموضوع.
(س): ما هي المطالب التي قدمتها الدول التي نُهبت آثارها بشأن المتحف البريطاني، وما هو تأثيرها؟
<ج>: يضم المتحف البريطاني مجموعة مؤلفة من حوالي 8 إلى 10 ملايين قطعة أثرية مختلفة. العديد من هذه الآثار مثيرة للجدل، وبعضها استمر لمئات السنين. على سبيل المثال: المجموعة الأكثر شهرة في المتحف البريطاني التي يدور الجدل حولها: قطع قديمة من رخام البارثينون في اليونان، والتي يطالب اليونانيون باستعادتها منذ أكثر من 70 عام. وكذلك حجر رشيد، وبرونزيات من بنين وألماس كوه نور، وغيرها من الآثار التي تطالب بلدانها الأصلية باستعادتها منذ عقود.
إذا أخذنا مثالاً: برونزيات بينين التي تعود إلى القرنين الثاني والثالث عشر، والتي كانت موجودة فيما يعرف اليوم باسم نيجيريا، فكيف وصلت إلى أيدي البريطانيين؟ في عام 1897 نهب الجنود البريطانيون مملكة بنين، وأخذوا معهم الآثار. هذا أحد أعمال التخريب الثقافي. يزعم المتحف البريطاني أنّ بعض الآثار الثقافية قد تمّ شراؤها من قبلهم، لكن هذا يثير السخرية. إذا ما ذهبت إلى قسم الحضارة الآشورية في المتحف البريطاني، فأحد المعروضات هو بوابات معبد آشوري. كيف يكون هذا في متحف بريطاني؟ الجواب لا يزال ذاته: النهب.
يتداول الإعلام البريطاني فكرة أنّ التركيز على المتحف البريطاني ليس عادلاً، فمتاحف باريس وبرلين وأمستردام والولايات المتحدة تزخر بالآثار التي حصلوا عليها أثناء الحكم الاستعماري، أو أثناء احتلال أراضي السكان الأصليين. أعتقد بأنّه من المهم ألا نركز فقط على المتحف البريطاني، وأن نتهم جميع هذه المتاحف.
(س): ما رأيك في سلوك «التلميع الذاتي» الذي تمارسه المؤسسات الثقافية في الدول الغربية ذات التاريخ الاستعماري، بما في ذلك المتحف البريطاني؟ يعترف بعض الباحثين البريطانيين بأنّ الحكومة البريطانية وممثلي المتاحف شاركوا بشكل منهجي في نهب الآثار الثقافية في المستعمرات، لكن هناك أصواتاً في هذه البلدان تعتقد بأنّ ذلك أمر جيد ويبررونه بمختلف الحجج.
<ج>: دعني أعود إلى المتحف البريطاني، ومثال رخام البارثينون. عندما تدخلت بريطانيا في الحرب اليونانية في القرن التاسع عشر، تقدم المسؤول البريطاني اللورد إلجين بطلب إلى الدولة العثمانية، واستخدم وسائل قسرية لنقل نصف التماثيل الرخامية الموجودة في المعبد. ومن أجل تكريمه أطلق البريطانيون اسمه على هذه الأعمال الفنية. لسنوات طويلة طالبت الحكومة اليونانية باستعادة التماثيل، ولكن ماذا كان الرد دائماً؟ كانوا يردون بأنّ ما فعلوه ليس من أعمال التخريب الثقافي، بل هو «عمل إبداعي»، وبأنّه بمثابة تكريم للورد إلجين.
من الواضح، أنّ هناك موقفاً تمثيلياً في الغرب، وهو ما يثير سؤالين: من ناحية الصفقة المبرمة هي الآن أكثر من 8 ملايين قطعة أثرية في المجموعة، وكلها موجودة هناك. ثم ماذا؟ أعتقد أنّه من الجيد أن يكون لكل دولة متحفها الخاص الذي يتحدث عن العالم، وهو أداة تعليمية رائعة. على سبيل المثال: يمكن للمتحف في شنغهاي أن يساعد الشعب الصيني على فهم تاريخ أوروبا والولايات المتحدة بشكل أفضل، وهو أمر جيد بالتأكيد. أنا لا أدعو إلى أن يفهم الجميع تاريخ بلدهم أو أمتهم فقط، فالمتاحف المفتوحة في بلدان مختلفة لها قيمة كبيرة.
لكن هل من الضروري أن يضم المتحف البريطاني كل الكنور الإمبراطورية؟ يوجد بالفعل أكثر من 8 ملايين قطعة أثرية هناك، فهل تحتاج إلى امتلاك 75 تابوتاً أو تمثالاً رخامياً أنيقاً؟ هل يحتاج المتحف البريطاني حقاً إلى تلك التماثيل اليونانية ليساعد الزوار على فهم الثقافة اليونانية؟ هل من الضروري جمع كل الآثار الثمينة في بريطانيا؟ هل يجب أن ترى قصة الإمبراطورية المغولية من خلال أرقى أنواع الألماس؟ لماذا لا يتم الاعتماد على تحف أخرى؟
(س): بالإضافة لخرق القانون الدولي، لعل عزوف الدول الغربية اليوم عن إعادة الآثار الثقافية له علاقات باعتبارات نفسية؟ هل نهب الكنوز النادرة من المستعمرات وتخزينها على «تذكارات» وعرضها في المتاحف يعكس تفوقها على الشعب الذي استعمرته من وجهة نظرهم؟ وهل يمكن للغرب الاحتفاظ بالميزة النفسية اليوم من هذا المنظور؟
<ج>: بصراحة، لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال بالنيابة عن تلك البلدان، فأنا لا يمكنني التكهن بصحتهم العقلية. لكن ما لا يمكنني فهمه، هو سبب عدم تمكن المتحف البريطاني من التوصّل لاتفاق مع المتحف النيجيري كمثال، أو المتحف اليوناني، لإعادة الآثار إليهم. الكثير من هذه الآثار مخزنة في المستودعات، وليس لها مكان لتعرض فيه، فلماذا ذلك؟ أواجه مشكلة مع المتحف البريطاني عندما يقول: إنّ هذه الآثار «ملكيّة خاصة».
لكن يمكننا من خلال حديث لنهرو أن نفهم شيئاً. خلال الحرب العالمية الثانية كتب نهرو كتاب «اكتشاف الهند» في السجن ونشره عام 1946، أي قبل عام من استقلال الهند. كان نهرو يأمل في التطرّق لموضوعين مهمين في الكتاب. بادئ ذي بدء، أنّ الهند أمّة ذات تاريخ عظيم، وينبغي أن تفخر بحضارتها. الهند ليست أمة مهزومة، وأحد أهداف الاستعمار هو محو تاريخ هذه الأمة، بما في ذلك الثقافي ليتركها دون ماضٍ. الاستعمار يسلب الأمة من بقاياها المادية، ولو كان بشكل جزئي. فلعدم تمكنهم من أخذ تاج محل والمعابد الأخرى، أخذوا الكثير من الأشياء الأخرى الثمينة بالنسبة للهند وحضارتها وتاريخها.
المسألة الثانية المهمة التي تحدث عنها نهرو: هي أنّ ماضي الهند لم يكن يخصّ الهنود فحسب، بل كان يشمل مجموعات عرقية أخرى تفاعلت مع بعضها البعض في شبه القارة الهندية. كان ذلك شديد الأهمية، وله تأثير قوي على القومية الهندية التي سعت إلى ضمّ كل من آسيا والعالم الإسلامي، إذ كان لتلك المناطق تأثير كبير على الهند، مثل: إيران التي نفي أباطرة المغول إليها ذات مرة، ثم عادوا وجلبوا معهم التأثير الإيراني إلى الهند، لتصبح جزءاً من الثقافة الهندية المتشابكة مع تاريخ المنطقة.
أعتقد كما اعتقد نهرو، بأننا يجب أن نكون فخورين بماضينا، ويجب أن نتذكره. لا يجب أن نبني ماضينا على نطاق ضيق الأفق، وهذا جزء من أهمية الآثار الثقافية الصينية والهندية. أعلم أنّ بعض العناصر الموجودة في المتحف البريطاني– مثل: التي سرقها الإنكليز من الأهرامات– هي في حالة سيئة، ولا يتمّ عرضها مطلقاً، فهل هناك فرق إن بقيت في المستودعات في إنكلترا، أو إن عادت إلى المستودعات والمتاحف المصرية؟ على جميع الدول أن تطالب بإعادة ثقافتها، وعلى المتحف البريطاني وغيره أن يفهموا أنّ من حق جميع البلدان أن تعرض الثقافات العالمية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1142