بريكس ليس النهاية بل وسيلة مستمرة
بين من يرى بأنّ بريكس ستكون هي «المنقذ» النهائي من الهيمنة الرأسمالية الغربية، وبين من يعتبرها مجرّد أداة هيمنة رأسمالية أخرى، هناك حقيقة يجب محاولة اكتشافها حول بريكس. إنّ لدى بريكس إمكانات لا يجب التغافل عنها بل من الضرورة الاستفادة منها في الطريق لتغيير النظام القائم المهترئ، وكذلك أمامها تحديات يجب إدراكها لعدم السماح للانتهازية بإطالة أمد الصراع أكثر ممّا يجب. في هذه المقابلة التي أجرتها «democracy now» مع فيخاي بارشاد تمّ التطرّق لأسئلة من المهم أن تُطرح.
ترجمة: أوديت الحسين
س) التقينا بعدد من الضيوف الذين لا ينظرون إلى بريكس بشكل إيجابي، منهم تريفور نيغوان الذي قال بأنّ بريكس «تعطي أملاً زائفاً للجماهير»، وباتريك بوند مدير مركز التغيير الاجتماعي في جامعة يوهانسبورغ الذي قال بأنّ الدول الجديدة مؤلفة بشكل رئيسي من «مستبدين» و«اقتصادات مدمنة على الكربون». ما رأيك في ذلك، وهلّا تحدثنا قليلاً عن أصل بريكس؟
ج) للجميع حقّ في التعبير عن رأيه، ولكن فيما يخصّ شيئاً مثل بريكس أرى بأنّه بدلاً من اتخاذ موقف «أخلاقي» عند تحليله، علينا أن نفهم ما الذي يفعله. جميع الدول التي تمّ ترشيحها للانضمام إلى بريكس هي دول المشهد فيها معقّد جداً اليوم. لنتحدث عن السعودية الواقعة في حالة شديدة من التعقيد، فهي تقوم نوعاً ما بالرقص بين العوالم. إنّ سبعاً من أصل 13 دولة عضواً في منظمة أوبك قد تقدمت للانضمام إلى بريكس. هذا تحوّل هام في التوازن العالمي، سواء أعجبنا ذلك أم لا. لهذا علينا أن نحاول فهم ما يجري بأعمق ما يمكن وبأقصى موضوعية ممكنة.
تعود أصول بريكس إلى عام 2003، عندما اجتمعت الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا معاً في محاولة تحطيم النهج الصارم للغاية الذي تتبعه منظمة التجارة العالمية تجاه حقوق الملكية الفكرية. الهند هي واحدة من أكبر منتجي الأدوية في العالم، وكانت البرازيل وجنوب إفريقيا في ذلك الوقت حريصتين على الحصول على أدوية الإيدز منخفضة الثمن. كانت الهند قادرة على إنتاجها، ولكن ليست قادرة على بيعها إلى هذه البلدان بسعر منخفض بسبب نظام «TRIPS = التجارة المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية» لدى منظمة التجارة العالمية. تمّ إطلاق اسم «IBSA» على التحالف لمقاومة هذا النظام. من هنا بدأت بريكس، ثمّ في 2006 التقت البرازيل وروسيا والصين والهند على هامش لقاءات الأمم المتحدة حيث تحدثوا حول الحاجة لنظام نقدي وتجاري جديد. كانت تلك محادثات تمهيدية. في 2009 اجتمعت هذه البلدان مع بعضها البعض لإطلاق مؤتمر بريكس.
الشيء الهام لنفهمه اليوم، دون أن نبالغ بإمكانات بريكس، أنّ بريكس قد بدأت نتيجة إحباط وعدم رضا عن «قيادة» الدول الغربية للنظامين النقدي والمالي العالميين. كانت الأزمة الاقتصادية 2006 و2007 صاعقة بشكل كبير لبلدان مثل الهند والصين. كانوا قد وضعوا الكثير من بيضهم في سلّة النمو الاقتصادي الغربي، تحديداً في سوق الولايات المتحدة باعتبارها سوق الملاذ الأخير. سمح انهيار النظام المالي الغربي، انهيار سوق الولايات المتحدة بوصفها الملاذ الأخير، لهذه الدول بالتفكير بشكل أعمق في كونهم مقيدين بالولايات المتحدة بشكل محدد، وبدأوا بالبحث عن بدائل. كان أحد البدائل– وهناك غيرهم– في عملية بريكس، ولكن أيضاً من خلال مبادرة الحزام والطريق التي كانت رد فعل مباشر على انهيار الأنظمة المالية الغربية وسوق الولايات المتحدة. ضمن هذا السياق، يمكننا اعتبار بريكس كتلة تجارية ضخمة، أمّا الباقي فسيكون نتائج.
س) قمت بذكر مسألة النظام النقدي العالمي. ما هي أهمية بنك بريكس، بنك التنمية الجديد، الموجود في الصين والذي ترأسه ديلما روسيف، فيما يخص كسر القبضة الخانقة أو الاحتكار الذي تمارسه مجموعات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على التمويل العالمي؟
ج) كما تعلمون، من المهم عندما ننظر إلى بنك التنمية الجديد أن نفهم كيف كان نظام التنمية منذ عام 1944، منذ لقاء بريتون وودز حيث تمّ إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. كما نرى فإنّ صندوق النقد الدولي– وهو الذي له أصول مثيرة للاهتمام للغاية، الالتزام بمساعدة البلدان على التنمية وما إلى ذلك– كان بحلول السبعينيات يعمل ضمن مساحة سياسات ضيقة بشكل كبير، حيث كان لديه برنامج واحد تقريباً هو تقديم الديون إلى البلدان التي تكافح من أجل التحرر من قيود الاستعمار. كانوا يعرضون عليها الديون، وقد تمّ تقديم هذه الديون بشكل ضيّق أيضاً. تم تقديمه بشكل أساسي لبناء ما يسمح للاقتصاد بتصدير المواد الخام واستيراد المنتجات النهائية التي كانت تأتي إلى حدّ كبير من الغرب في ذلك الوقت. سمحت هذه الديون لصندوق النقد الدولي بفرض برامج التكييف الهيكلي حيث أُجبرت البلدان على خفض الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية وما إلى ذلك، ليتمّ بناء الاقتصاد فقط تجاه التصدير. عندما دخلت هذه البلدان في ديون كارثية تماماً، وهو نوع من دورة الديون الدائمة، بدأت في الاقتراض ليس من أجل إنشاء بنى تحتية، بل لتتمكن من سداد الديون الأقدم. ثمّ أنشأ صندوق النقد الدولي دورة تقشفية للديون، بدلاً من بنية ديون دائمة للكثير من البلدان.
المهمة التي تمّ إيجاد بنك التنمية الجديد من أجلها، منذ فترة وجيزة في 2015 ومع رأس مالي 100 مليار دولار فقط، هو محاولة تمزيق العقدة غير القابلة للحل بالشروط السائدة التي وضعها صندوق النقد الدولي، الإقراض ليس بهدف سداد الديون القديمة، بل الإقراض من أجل إنشاء بنية تحتية. ومنذ أن تولت ديلما روسيف منصبها قبل أقل من عام، قالت إن بنك التنمية الجديد سوف يمنح القروض دون شروط، دون أن يُملي على البلدان شروط بأنّها لا تستطيع الإنفاق على التعليم أو الرعاية الصحية. هذه نقطة قطيعة شديدة عن النظام القائم.
الآن، هل سيتمكنون من النجاح؟ لم يتمّ إنشاء البنك إلّا في 2015، وبالكاد عمل منذ ذلك الحين وترتيب احتياطي الطوارئ الذي كان مقرراً أن يكون بديلاً لصندوق النقد الدولي برأس مال 100 مليار دولار لم يبدأ بالعمل بعد. لذلك فإنّ الذين انتقدوا هذه المؤسسات دون أن يكون لديهم بعد وقت لتطوير أنفسهم وكتابة تاريخهم الخاص، أمر لم يحن أوانه بأيّ شكل بعد. علينا أن ننظر كيف ستسير الأمور، وفيما إن كان ترتيب احتياطي الطوارئ سيحلّ مكان صندوق النقد الدولي. قالت ديلما روسيف أنّها مهتمة بتجربة الإقراض بالعملات المحلية. إنّها مهتمة باستخدام تبادل العملات «swaps» كأداة على سبيل المثال، وهو الأمر الذي كان بنك الشعب الصيني يقوم به بالفعل. إنّها مهتمة بتوفير الديون للبنية التحتية وليس لسداد الديون. أعتقد بأنّ هذا سيكون هو الشرط الوحيد رغم قولها بعدم وجود شروط. لننتظر تطوّر هذه المؤسسات. سيجتمعون مع بعض من جديد ويتحدثون عن النظام النقدي، فلنستمع إلى ما سيقولونه ولنراقب ما سيفعلونه.
بتصرّف عن:
Vijay Prashad on BRICS & Why Global South Cooperation Is Key to Dismantling Unjust World Order
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1137