هل يمكن للولايات المتحدة حصار الصين بحرياً؟
جي هانوين جي هانوين

هل يمكن للولايات المتحدة حصار الصين بحرياً؟

هل يمكن للولايات المتحدة باستخدام قواتها المسلحة حصار الصين بحرياً وعزلها؟ يروّج البعض في الولايات المتحدة إلى أنّ الحصار البحري للصين قد يؤدي إلى إخضاعها دون الحاجة إلى احتكاك عسكري كبير يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، فهل هذا واقعي؟ يناقش جي هانوين، البروفسور المشارك من كلية العلاقات الدولية في الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع الصينية هذه الأسئلة في مقال بحثي طويل اخترنا لكم منه أبرز النقاط:

لطالما كان الحصار البحري هاماً في الحروب التي شهدها العالم، ولطالما اعتمدت الولايات المتحدة على الحصار البحري سواء في أوقات السلم أو الحرب، وبدأ ذلك منذ الحرب الأهلية الأمريكية ليكمل إلى الأحداث في كوبا وفنزويلا والحربين ضدّ فيتنام والعراق. وعند دراسة الاستخدام الأمريكي للحصار البحري، يظهر نمط واضح يدلّ على اعتياد الولايات المتحدة على اعتباره وسيلةً مهمة للسياسة الخارجية والإنشاء الإستراتيجي. ولأنّ الحصار البحري ضدّ دولة ذات سيادة هو وفقاً للقانون الدولي شكل من أشكال الحرب، فهي تستخدم كلمات وألفاظ أخرى للتهرّب من المسؤولية القانونية.
في العقد الثاني من القرن الحالي، ومع التغيرات الدراماتيكية في هيكل القوة الدولية، بدأت الولايات المتحدة بالانخراط بنشاط في الألعاب الإستراتيجية مع الصين باعتبارها أكبر خصم إستراتيجي لها في جميع المجالات: السياسة والاقتصاد والأمن والدبلوماسية والثقافة والعلوم والتكنولوجيا. لهذا أصبحت الصين أحد الأهداف الرئيسية للحصار البحري في خيال العديد من الباحثين الإستراتيجيين الأمريكيين، والتي جذبت اهتماماً خاصاً في دوائر صنع القرار.
من وجهة نظر الباحثين الإستراتيجيين الأمريكيين، فإحدى المزايا الرئيسية للولايات المتحدة اليوم هيمنتها على نظام «المشاعات العالمية»، بما في ذلك المحيطات، خاصة السيطرة على طرق التجارة الرئيسية في العالم ونقاط الالتقاء الإستراتيجية. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتحديداً منذ إعلان بريطانيا انسحاب قواتها من المنطقة الواقعة شرق قناة السويس، سيطرت البحرية الأمريكية بشكل فعال على الممرات البحرية الرئيسية التي تربط شرق آسيا والشرق الأوسط، وتوصلت مع معظم دول المنطقة إلى اتفاقيات وصول القوات إلى مناطق بحرية وبرية.
يذهب أنصار الحصار البحري إلى أنّ بإمكان الولايات المتحدة أن تعترض الغالبية العظمى من التجارة البحرية للصين، وأن تعيق الاقتصاد الصيني بشدة، وبالتالي أن تحرمها من الوصول المنتظم إلى الإمدادات المطلوبة لتصل في نهاية المطاف إلى إجبار الصين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات. ويحلم هؤلاء بأن تستولي البحرية الأمريكية مع حلفائها على السفن التجارية أو منعها من الدخول دون إغراقها، بحيث يتجنبون صراعاً عسكرياً بحجم كبير مع الصين، فاليوم هناك شبه إجماع في الولايات المتحدة بأنّه مع تحديث الصين لقواتها فإنّ ميزان الهجوم والدفاع قد تحوّل بشكل حاسم للدفاع في مواجهة القوة النارية الصينية المتطورة، فضمن هذا المنظور ليست الولايات المتحدة مضطرة لمهاجمة القواعد الأرضية للصواريخ والرادار وغيره. فكما يرى هؤلاء فقطع إمدادات السلع الرئيسية، ومنها إمدادات الطاقة إلى الصين سيكون أقلّ تكلفة ولا يغرق الولايات المتحدة في حرب استنزاف طويلة الأمد، ويتجنب التصعيد حدّ الخيارات النووية.

مجرّد حبر لا قيمة له

إنّ أفكار المنظّرين العسكريين الأمريكيين عن حصار الصين بحرياً فيه الكثير من المشكلات. فعلى الرغم من الفوائد التي يتخيلونها، فهم ينسون الكثير من المعطيات الهامة، يمكننا أن نوردها تباعاً. أولاً: سيكون الحصار طويل المدى للصين مهمة صعبة للغاية، فهو يعني وضع جميع الممرات البحرية الرئيسية تحت السيطرة الفعالة وغير المنقطعة للبحرية الأمريكية، ما سيشكل تهديداً للقوات التي تعاني منذ الآن من ضغوط وإرهاق شديدين يجعلانها غير قادرة على إتمام ما يسمى «عمليات حرية الملاحة».
ثانياً: سيشكل فرض حصار بحري على الصين تأثيراً كبيراً على المصالح الحقيقية للولايات المتحدة وعلى قدرتها على الحفاظ على هيبتها الدولية. فمن المستحيل أن تحصل على إذن بالحصار من مجلس الأمن، وامتلاك الصين لثاني أكبر اقتصاد في العالم وعلاقاتها الودية مع الغالبية العظمى من الدول، وعلاقاتها التجارية الكبيرة حتّى مع الولايات المتحدة، ستهدد بفرض عزلة لا على الصين، بل على الولايات المتحدة نفسها.
ثالثاً: لطالما كانت الولايات المتحدة تعتمد في حصاراتها على تعاون أطراف آخرين لإنجاحه، فرغم أنّها القوة البحرية الأكبر في العالم حالياً، فالقوة العسكرية المتزايدة للصين قد لا تجعلها تهنأ لتحقق التأثير المطلوب، ولهذا فهي بحاجة لدعم أطراف آخرين مثل سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا، وهو الأمر الذي لا يبدو منطقياً في ظلّ التغيرات الكثيرة التي تصيب هذه البلدان اليوم.
رابعاً: تقوم افتراضات المنظرين الأمريكيين على أنّ الصين لن تتخطى حدّاً معيناً من التصعيد إذا تمّ فرض حصار عليها، لكنّ الولايات المتحدة يجب أن تدرك أنّها لن تتمكن من اللجوء إلى محاولة فرض حصار إلّا إذا كانت مستعدة لفتح حرب كبرى مع الصين، وضمن هذه الحرب تسقط معظم حجج مناصري الحصار في كونه لا يؤدي إلى حرب كبرى. علاوة على أنّ مناصري الحصار البحري الذين يروجون لكونه سبب انتصار الكثير من الأمم في التاريخ في حروبها «مثل حرب السنوات السبع وحروب نابليون وحرب الخلافة الإسبانية»، ينسون أنّ هذا الحصار كان يلعب دور الممهد لحملات برية ناجحة فقط، وهذا الهدف سيكون تخيّل تحقيقه صعباً منذ الآن، فماذا إن كان ذلك بعد سنة أو سنتين! الحديث الأمريكي عن حصار بحري بوصفه وسيلة فعالة لتحقيق النصر لا يعني بأيّة حال من الأحوال بأنّه سلاح سري، وهذا يعني أنّ الصين لا بدّ قد تحضّرت لمثل هذه السيناريوهات لكسر مثل هذا الحصار وتحطيمه حتّى، وحتّى بالمعنى التجاري وغير العسكري يمكننا أن نلاحظ مثل هذه التحضيرات.
إذا ما درسنا تطور السياسة الخارجية الأمريكية منذ عام 2017، سنرى أنّ خوف الولايات المتحدة من التراجع قد دفع الإدارات الأمريكية المختلفة إلى محاولة عرقلة صعود الصين بوصفها منافسة. إنّ فكرة الاحتواء الإستراتيجي للصين هي الأساس في التوترات البحرية الحالية في بحر الصين ومضيق تايوان وبحر الصين الشرقي، وجميع هذه التوترات معرضة لخطر التصعيد لتتحول إلى مواجهة مباشرة، وربّما أكثر ما يقلق في الأمر أنّ النخب الأمريكية الحاكمة التي تحاول الترويج لكون عملياتها ذات طبيعة «إستراتيجية» لن تؤدي إلى حرب أكبر- مستعدة للمخاطرة باحتمال نشوب حرب كبرى. لكنّ مثل هذه الحرب لن تكون حصاراً بحرياً سلمياً، بل حرباً لا يمكن معرفة الحدود التي قد تصل لها، ولن تكون محصورة بالولايات المتحدة والصين بكلّ تأكيد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1115