صعود الهند كابوس للغرب
تورو تاكاهاشي تورو تاكاهاشي

صعود الهند كابوس للغرب

في عالم منقسم وغير مستقر إلى حد هائل، تتطلع الهند لتصبح دولة عظمى قادرة على إثبات حضورها في المسرح العالمي. ومع اندلاع النزاع الروسي الغربي في أوكرانيا، استمرّت الهند في العمل بهدوء من أجل رفع مكانتها الجيوسياسية المستقلة، لتثبت بأنّ ارتفاع المكانة هذه ليس خبراً ساراً للمعسكر الغربي. فالغرب كان يعوّل على انضمام الهند له بشكل كلي، ليكتشفوا بأنّ الهند لديها أجندتها الخاصة غير المتوافقة مع ما يشير إليه تورو تاكاهاشي، الباحث الياباني المرموق في Nikkei Asian Review: بـ «معسكر الديمقراطيات الغربية». إليكم أهمّ ما جاء في تحليل تاكاهاشي للمسار الإستراتيجي الهندي في هذا الخصوص، مثقّلين رأيه في هذا السياق بحقيقة أنّه من المنتمين إلى فئة الباحثين «الغربيين» الذين يدركون واقع التراجع الغربي وحقائقه.

ترجمة: قاسيون

استضافت الهند في منتصف كانون الثاني هذا العام مؤتمراً عبر الإنترنت بعنوان: «أصوات الجنوب العالمي»، وأظهرت بذلك طموحها لكسب المزيد من القوة في الخطاب الدولي، بوصفها «رائدة» في الجنوب العالمي، مستقلة عن الغرب. شارك في المؤتمر 125 دولة نامية. قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في حفل الافتتاح: «رأيكم هو رأي الهند، وأولوياتكم هي أولويات الهند. الهدف الهندي هو تضخيم صوت الجنوب العالمي». علاوة على ذلك، خططت الهند لاستخدام دورها في رئاسة مجموعة العشرين الآن لتقول للجميع بأنّها صوت البلدان التي تعاني من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، والاحترار العالمي والتوترات الجيوسياسية.
تعكس طموحات الهند لتكون «قائد الجنوب العالمي» ثقتها المتزايدة بالنفس. مع تخطي عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، يتوّقع أن تتخطى الصين من حيث عدد السكان وتصبح البلد الأكبر سكانياً خلال 2023، وهي المرة الأولى التي يتغيّر فيها ترتيب الدول الأكبر سكانياً منذ بدء الأمم المتحدة تعقّب بيانات السكان العالمية في الخمسينيات من القرن الماضي.
وفقاً لصندوق النقد الدولي تخطّى الناتج المحلي الإجمالي للهند مستعمرها السابق: المملكة المتحدة، لتصبح بذلك خامس أكبر اقتصاد في العالم في 2022. توقّع «بنك التنمية الآسيوي» أنّ الاقتصاد الهندي سينمو بنسبة مذهلة 7.2٪ في هذا العام 2023، وهو النمو الأسرع بين بلدان منطقة آسيا والهادي البالغ عددهم 4,6
ربّما ليس العامل الوحيد في النمو، ولكن كان لاتجاه تنويع سلسلة التوريد العالمية الناجم عن المنافسة الشديدة بين الصين والولايات المتحدة، ولوباء كورونا، دور القوة الدافعة الهامة للنمو الاقتصادي في الهند في السنوات الأخيرة. يمكن أخذ أمثلة هامة على هذا قدرة إمكانية السوق الضخمة في الهند على اجتذاب شركة آبّل التي بدأت بتجميع آخر هواتفها «آيفون 14» في المصانع الهندية، واستمرارها في العمل على نقل بعض خطوط إنتاجها من الصين إلى مناطق أخرى من أهمها الهند. كذلك شركة «هون هاي للصناعات الدقيقة في تايوان» المعروفة باسم فوكس كون، قد بدأت بالفعل بتصنيع أشباه الموصلات في الهند بالشراكة مع مجموعة الموارد الطبيعية الهندية فيدانتا Vedanta. تصدرت الهند قائمة الوجهات المحتملة لتوسع الشركات اليابانية في الخارج في استطلاع أجراه «بنك اليابان للتعاون الدولي» في السنة المالية 2022، وهي المرة الأولى منذ ثلاثة أعوام التي تستعيد فيها الهند المركز الأول في هذه القائمة.
من المتوقع أن يتخطى الناتج الإجمالي للهند ألمانيا في 2025 واليابان في 2027 لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. وعد رئيس الوزراء مودي بأنّ الهند ستنتقل من كونها دولة نامية إلى «دولة متقدمة» بحلول 2047 في العيد المئوي لاستقلال الهند. كما أنّ الهند منتج رئيسي للمهارات ورواد الأعمال رفيعي المستوى. عدد كبير من الفنيين المهرة من أصل هندي يشغلون مواقع هامة في صناعة التكنولوجيا في الولايات المتحدة، ربّما أشهرهم الرئيس والمدير التنفيذي لشركة مايكروسوف ساتيا ناديلا، والمدير التنفيذي لشركة ألفابيت «الشركة الأم لغوغل» سوندار بيتشاي.

طريق مستقل عن الغرب

لكنّ طريق الهند لتحسين صورتها العالمية لم يكن دوماً أمراً سهلاً، فقد صدمت الغرب بكونها ليست «ديمقراطية» عندما رفضت إدانة العملية الروسية في أوكرانيا. فرغم أنّ الهند لطالما كانت مشهورة بسياسة «عدم الانحياز»، فقد دخلت من قبل في عدد من الشراكات الإقليمية التي تهدف في المحصلة لمقارعة الصين، مثل انضمامها إلى الولايات المتحدة وأستراليا واليابان في التحالف «الرباعي»، وعمقت علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وبدأت معها بوضع الخطط لمنطقة الهادئ-الهندي. كانت الولايات المتحدة حتّى ما قبل اندلاع النزاع في أوكرانيا تصوّر الخصومة بين الصين والغرب على أنّها صراع بين «الديمقراطية والاستبداد»، وكانت تعتمد على أنّ الهند «ديمقراطية».
لكنّ رفض الهند التعاون مع «الديمقراطيات» في الموقف من الحرب في أوكرانيا قد خيّب ظنّ المعسكر الغربي بشكل كبير. الغريب أنّه بالرغم من معرفة الجميع المسبقة بالتاريخ الطويل للتحالف الهندي الروسي، لا يزال لدى المعسكر الغربي مشكلة في فهم وتقبّل رفض الهند الانضمام لهم ضدّ روسيا. حاول «معسكر الديمقراطيات» أقصى جهده، حيث زار رئيس الوزراء الياباني فوميو كاشيدا ورئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين، الهند الربيع الماضي، واجتمع بايدن في اجتماع طارئ برئيس الوزراء مودي، في محاولة الضغط على الهند للانضمام إلى الحلف المعادي لروسيا، ولكن دون فائدة.
في أيلول 2022 انتقد رئيس الوزراء الهندي الأعمال الروسية في أوكرانيا أثناء حضوره مؤتمراً دولياً في أوزبكستان، وقال أمام الإعلام: «الحقبة الحالية ليست حقبة حرب». فاجأ ذلك الجميع وبدأت التحليلات بأنّ الهند قد انصاعت أخيراً للضغوط الغربية. لكن في الفترة ذاتها في آب وأيلول شاركت الهند في التدريبات العسكرية مع روسيا، ثمّ في تشرين الأول رفضت التصويت في الأمم المتحدة على إدانة روسيا بسبب «الضمّ غير المشروع» لأجزاء من شرقي وجنوبي أوكرانيا. كما أنّها اشترت منذ أيلول 2022 أكثر من مليون برميل من النفط الروسي يومياً، لتصبح بذلك روسيا هي المورّد الأول للنفط في الهند، ورفضت بعدها الانصياع لقرار مجموعة السبع بوضع سقف لسعر النفط الروسي.
رغم ذلك لم يستطع الغرب توتير العلاقات بالهند أكثر من حدّ معين، ووفقاً للمدافعين عن الأمر فالسبب في ذلك أنّ الهند مفيدة في التحالف مع الغرب ضدّ الصين، فوفقاً لهؤلاء تعتبر الهند بأنّ الصين هي الخصم الإستراتيجي لها، وبذلك فهي رغم عدم الوقوف معه ضدّ روسيا، فهي بالتأكيد ستقف معهم ضدّ الصين! لكن في واقع الحال لم تقدّم الشراكة بين الغرب والهند أيّ دعم ملموس قيّم للخصومة ضدّ الصين، سواء أكان ذلك مقاومة التأثير الصيني في باكستان أو أفغانستان أو ميانمار، أو التوقف عن كونها جزءاً من مؤسسات مشتركة مع الصين مثل بريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون.
في الحقيقة تمارس الهند ما يمكن تسميته «استقلالاً إستراتيجياً» يخدم مصالحها الخاصة وطموحها الذي يمكن التعبير عنه بالقول: تريد أن يكون القرن الحادي والعشرين هو قرن صعود الهند، وتريد التعويض كما عبّر وزير خارجيتها جايشان سو في كتابه في 2020 بأنّ المشكلات السياسية التي عانت منها وقت الاستقلال وتقسيم الهند وباكستان هي التي أدّت إلى تراجعها عن تحقيق نفسها «كقوّة عظمى».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1114