بنك «سيليكون فالي» كبداية انهيار مالي عالمي!
أوديت الحسين أوديت الحسين

بنك «سيليكون فالي» كبداية انهيار مالي عالمي!

كان بنك سيلكون فالي «SVB» هو البنك الأكبر الذي ينهار منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. وكما هو متوقّع، فإنّ سقوطه المفاجئ قد صدم الأسواق المالية، وترك مليارات الدولار المملوكة للشركات والمستثمرين معلّقة بانتظار التحركات الرسمية للسلطات الأمريكية، وتحديداً «شركة تأمين الودائع الفيدرالية الأمريكية FDIC». هل يكون هذا السقوط هو بداية تداعيات دومينو تصيب قلب القطاع المصرفي الأمريكي والغربي على غرار ما حدث في 2008 أو ربّما بشكل أشد؟

كان بنك سيلكون فالي يأخذ الودائع ويقرض الشركات العاملة في قلب القطاع التكنولوجي الأمريكي. كانت التداعيات الفورية بقيام البنك ببيع أوراق مالية يملكها بأسعار خاسرة، ما أثار حالة ذعر بين شركات التكنولوجيا الكبرى في كاليفورنيا، والتي كانت تحتفظ بأموالها في البنك، فأسهم البنك التي تهاوت بعد محاولة «الرسملة» الفاشلة جرّت معها أسهم مؤسسات مالية أخرى إلى الأسفل. دفع هذا وكالة FDIC إلى التدخل والسيطرة على البنك، وهي تعمل اليوم بوصفها «متلّقي». FDIC هي وكالة حكومية أمريكية مستقلة تؤمّن الودائع البنكية والمؤسسات المالية التي تعمل خارج الولايات المتحدة، ما يعني أنّها ستقوم بتسييل أصول البنك لسداد ديونه لزبائنه، بما في ذلك المودعون.
إنّ بنك سيليكون فالي هو أحد أكبر 20 بنكاً تجارياً أمريكياً «المرتبة 16 تحديداً»، بأصوله التي بلغت العام الماضي 209 مليارات دولار. لهذا وخلافاً لما ذكر في الكثير من التقارير الغربية، لم يكن البنك مجرّد «مؤسسة مالية تافهة»، فقد قدمت خدماتها لقرابة نصف شركات التكنولوجيا والرعاية الصحية في الولايات المتحدة. كان البنك من بين الأبرز في حفظ أموال «رؤوس الأموال المغامرة» التي تستثمر في الشركات المبتدئة.
اعتمد بنك سيليكون فالي على الاستثمار فيما بدا بأنّه ملاذ آمن للسندات الحكومية الأمريكية. لكن مع بدء الاحتياطي الفدرالي برفع أسعار الفائدة من أجل «السيطرة على التضخم»، تهاوت أسعار هذه السندات بشكل حاد وأدّت إلى تحوّل الاستثمار الآمن إلى شديد الخطورة.
يحاول البعض التقليل من أهميّة الأمر، مثال رئيس «مركز أبحاث الأسهم الأوروبية» الذي قال: «كان SVB صغيراً مع قاعدة مودعين شديد التركيز.. لم يكن مستعداً لتدفقات الودائع الخارجية، ولم يكن لديه السيولة في متناول اليد لتغطية عمليات استرداد الودائع، ولهذا أجبر على بيع السندات الذي قاده إلى الانكشاف وبدء العدوى. هذه حالة معزولة جداً وخاصة بالبنك بشكل كبير». لكن هل حقاً حالة بنك سيليكون فالي معزولة وخاصة جداً؟
إنّ صحيفة «فايننشال تايمز» نفسها قد نشرت دراسة أجرتها أكبر 5 جامعات أمريكية، حيث توصلت الدراسة إلى «أنّ القيمة الفعلية لأصول النظام البنكي الأمريكي في السوق هي أدنى بـ 2 ترليون دولار من القيمة الاسمية المذكورة في بيانات ووثائق هذه البنوك» وقد أضافت بشكل يثير الاهتمام: «10٪ من البنوك لديها خسائر غير معترف بها أكبر من خسائر بنك سيليكون فالي. كما أنّ بنك سيليكون فالي ليس الأسوأ من حيث الرسملة، فهناك 10٪ من البنوك لديها رسملة أدنى من بنك سيليكون فالي».
لقد كانت الدراسة واضحة وغير مشككة في القول: «إن قرر فقط نصف المودعين غير المؤمن عليهم الانسحاب اليوم، فإنّ ما يقرب من 190 بنكاً هم معرضون لخطر محتمل يتمثل في عدم القدرة على ردّ الأموال، مع احتمال تعرّض 300 مليار دولار من الودائع المؤمّن عليها للخطر.. بشكل عام تشير هذه الحسابات إلى أنّ الانخفاضات الأخيرة في قيم الأصول البنكية قد زادت بشكل كبير من هشاشة النظام المصرفي الأمريكي فيما يخص عمليات المودعين غير المؤمن عليهم».
من المهم أن نفهم أيضاً بأنّ سوق سندات الخزينة الأمريكية ليس وحده المعيب، فسوق العقارات الأمريكية هو أيضاً بمثابة تحدٍ كبير يقارب القنبلة الموقوتة التي لا حلّ لها. خلال أزمة كورونا انخفضت قيمة العقارات التجارية عموماً، وهذا مصدر خطر كبير بالنسبة للبنوك في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث يعتبر الاستثمار البنكي في سوق العقارات كثيفاً.

موجة صدمات عالمية

النظام النقدي العالمي مترابط بشكل لا يمكّن من تخيّل أنّ الانهيار في الولايات المتحدة لن يكون له تأثير موجة متصاعدة على بقيّة النظام النقدي العالمي المرتبط بالولايات المتحدة. ليس هذا بالأمر الذي يحتاج إلى إثبات، فأزمة 2008 المالية قد أثبتته بأكثر الطرق بشاعة. لكنّ انهيار بنك سيليكون فالي قد خلق موجات صدم مؤثرة على طول العالم أصابت بشكل خاص «مجال الأعمال الناشئ»، وخاصة شركات التكنولوجيا التي سيؤدي تأثرها أو انهيارها إلى ضربة شديدة للقطاع الذي يحاول الغرب أن يقوم بكلّ ما بوسعه كي يحافظ على تقدمه وريادته فيه.
في المملكة المتحدة حثّ أكثر من 200 شركة تكنولوجيا الحكومة البريطانية على التدخل، محذرين من أنّ الكثير من الشركات تواجه «خطراً وجودياً» لأنّها تتعامل مع ذراع بنك سيليكون فالي في بريطانيا. كما يملك بنك سيليكون فالي فروعاً نشطة في كندا والدنمارك وألمانيا والهند والسويد والصين و«إسرائيل». في الوقت الحالي ينتظر زبائن البنك غير المشمولين بتأمين وكالة FDIC قلقين من كونهم لن يستطيعوا استعادة ودائعهم. إذا انتهى الأمر بالتضحية بمصالح الشركات الناشئة، خاصة خارج الولايات المتحدة، في متاهات الأزمة، سيكون لذلك عواقب وخيمة على ثقة الشركات بالنظام المصرفي الذي تقوده الولايات المتحدة لدرجة لا يمكن تخيّل عواقبها وإلى أين ستصل. كما أنّه ليس من المتوقع أن تكون الحلول التي قد يتخذها المشرعون الأمريكيون نافعة، خاصة إذا ما اقتصر على حل ضخّ المال لزيادة حجم الفقاعة وتأجيل انفجارها.
سارعت الكثير من الشركات غير الأمريكية المرتبطة بالبنك الأمريكي إلى الإعلان عن أنّ تأثير انهيار بنك سيليكون فالي على عملياتها محدود، مثالهم شركة A-share الصينية التي أعلنت بأنّ أموالها في البنك لا تتجاوز 5٪ من كامل أصولها، أو Zai Lab بنسبة 2.3٪. لدى هذه الشركات حسابات متعددة في أكثر من بنك ومؤسسة مالية، ولهذا ترى بأنّ تأثير انهيار بنك سيليكون فالي محدود. لكنّ السياسة النقدية الأمريكية «رفع أسعار الفائدة» التي أدّت بشكل مباشر إلى ما حدث مستمرة، وقد تؤدي إلى انهيار بنوك أخرى. يتفق كثيرون من المراقبين حول العالم على أنّ ذلك ممكن، فكما يقول دونغ دينغجين، مدير مؤسسة الأوراق المالية والتمويل في جامعة ووهان: «رفع أسعار الفائدة المستمرة للبنك الاحتياطي الفدرالي مستمر وغير قادر على احتواء التضخم بشكل فعال، ما قد يؤدي إلى انهيار أسواق الأسهم، وسقوط بنك سيليكون فالي هو بمثابة إشارة تحذير لموجة أخرى من سقوط البنوك الأمريكية».
من المرجح أنّ سقوط بنك سيليكون فالي، وما تبعه من سقوط لبنك «سيغنتشور Signature» في نيويورك، والأزمة الإشكالية التي ضربت بنك كريديه سويس السويسري، ليست إلّا رأس جبل الجليد في الأزمة المالية المستمرة للنظام المالي الغربي. هذه الأزمة قد تكون هي الدرس الأخير لجميع دول العالم للانتباه إلى أنّ النظام المالي الأمريكي ليس أهلاً للثقة، واللجوء إلى الطريقة الوحيدة للتخلّص من هذه المشكلة: بناء مؤسسات مالية مستقلة تقف على أرض أكثر صلابة وتبحث عن شركاء لديهم وزن اقتصادي حقيقي أكبر.
قد يساعد الدول المتشككة ما قاله وزير الخزانة الأمريكي السابق لاري سامرز تعليقاً على انهيار البنك: «علينا أن نكون مستعدين لفعل كلّ ما يلزم لاحتواء التضخم»

معلومات إضافية

العدد رقم:
1114