النرويج.. قفّاز على مقاس يد الولايات المتحدة
بول ساتيغان بول ساتيغان

النرويج.. قفّاز على مقاس يد الولايات المتحدة

بعد أن تمّ الكشف عن الدور الذي لعبته النرويج لمساعدة الولايات المتحدة في تفجير خطوط أنابيب السيل الشمالي، كشف سيمور هيرش عن تقليد طويل الأمد للتعاون النرويجي السرّي وغير القانوني مع الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. أظهر أنّ النرويج لعبت دوراً محورياً في خلق ذريعة للولايات المتحدة للدخول في حرب فيتنام. كما دعمت النرويج الولايات المتحدة في الحرب الكورية وساهمت من بين مساهمات أخرى في نقل الجنود الأمريكيين إلى كوريا. ما سيتمّ الكشف عنه هنا هو العلاقة التي تجمع النرويج بالولايات المتحدة ومساهمتها في عمليات المراقبة والاستطلاع حتّى على مواطنيها لصالح الولايات المتحدة.

ترجمة: قاسيون

بعد أن أصبحت النرويج دولة نفطية تحركت إلى الأعلى في سلسلة الإمبريالية العالمية. فالنفط هو أحد السلع الإستراتيجية، وكما هو معروف فالسيطرة على تجارته دولياً كان دعامة الحفاظ على الدولار كعملة الاحتياطي العالمي منذ 1971 وصاعداً على شكل «البترودلار».
ولكن ازدادت مكانة النرويج في النظام الذي تقوده الولايات المتحدة بشكل أكبر عندما أصبحت عائدات النفط تؤخذ على محمل الجد. اليوم يعدّ «صندوق معاشات تقاعد الحكومة النرويجية العالمي» الذي يحمل اسماً مضللاً، أكبر صندوق استثمار سيادي في العالم، وأكبر حامل أسهم مفرد في العالم. يملك الصندوق 1.5٪ من جميع الأسهم المدرجة في العالم.
وقد ساهم الصندوق في تمويل سلسلة طويلة من الحروب الإمبريالية. يتمّ بشكل اعتيادي ضخّ المليارات دون وجود أيّ نقاش ديمقراطي أو إجراء سياسي لتقرير مكان صرف الأموال، وفي الغالب يتمّ ذلك دون دعم برلماني حتّى.
أنفقت النرويج 12 مليار كرون كمساعدة على خلق دولة جنوب السودان، وقد أوضح البروفسور تيري تيفت كيف كانت هذه المساعدات مصممة للانتقال من عقلية التضامن إلى عقلية المساعدات، لتمهد الطريق أمام تبعية للمساعدات ومجال أعمال بالمليارات يجعل الدولة المتلقية ونخبها تابعين يحكمون مناطق فاشلة. ينطبق الأمر ذاته على مليارات الكرونات التي تمّ منحها «للحفاظ على الغابات» والتي لم تؤدِّ إلى أيّة نتيجة ملموسة، وساهمت فقط بخلق وتطويع مسؤولين فاسدين في أماكن مثل البرازيل وإندونيسيا أو أنغولا التي توجه اليوم التهم فيها إلى ابنة الرئيس بأنّها بنت إمبراطوريتها المالية من الفساد، أو حتّى الدور منذ اتفاقية أوسلو والأموال الهائلة عبر «مجموعة المانحين» التي خلقت سلطات فلسطينية فاسدة غير معنية بالنضال من أجل التحرر ولا بالقمع الذي يكافح الشعب الفلسطيني ضده.
وليست المساعدات المشبوهة والفاسدة فقط هي التي تصرف فيها المساعدات النرويجية، بل أيضاً إشعال الحروب وتدمير البلدان وفقاً للمخطط الأمريكي. في آذار 2011 أصدر مكتب رئيس الوزراء النرويجي تصريحاً صحفياً مختصراً جاء فيه: «النرويج على استعداد لإرسال 6 مقاتلات إف-16 للمشاركة في تنفيذ قرار مجلس الأمن 1973» لتتطور وتصبح من البلدان الرئيسية التي دمرت ليبيا وسلمتها إلى الجهاديين الإرهابيين بعد تدميرها وإسقاط الدولة فيها. ومن المنطقي أن نفترض بأنّ الاجتماع غير الرسمي الذي اتخذت فيه الحكومة قرارها بالدخول في الحرب، قد تمّ بطلب من وزيرة الخارجية الأمريكية قائدة العملية غير الشرعية ضدّ ليبيا، الأمر الذي تلقى رئيس الوزراء النرويجي في حينه مكافأة عليه ليصبح اليوم هو الأمين العام لحلف الناتو. كما أنّ النرويج هي واحدة من أكبر الدول التي استثمرت المال في تدمير سورية، حيث بلغت مساهمتها في الدمار السوري أكثر من 15 مليار كرون.
يُضاف إلى ذلك أنّ النرويج هي الداعم الأكبر لتحالف غيتس وغافي المدمر للزراعة في إفريقيا. كما أنّه بعد انقلاب الأمر الواقع في أوكرانيا 2014، ضخت النرويج ملايين الكرونات في نظام كييف، وليس لدى مكتب التدقيق الوطني أيّة معلومات أو رقابة على الأماكن التي صرفت فيها الأموال. لقد ارتفعت فاتورة هبات أوكرانيا في العام الماضي 2022 إلى ما يقرب من 14 مليار كرون، ثم القرار في 2023 بأن يتمّ ضخّ 75 مليار كرون نرويجي في الحرب ضدّ روسيا، فمن أين سيتم اقتطاع هذه الأموال؟

شبكة المنظمات غير الحكومية

قلّة من الوثائق العامة لعبت وتلعب الدور الهام الذي لعبته وثيقة «Stortingsmelding 15» الصادرة عام 2008-2009. حملت عنوان: «المصالح والمسؤوليات والفرص الرئيسية في السياسة الخارجية النرويجية»، وربّما تكون أهمّ وثيقة عن البرامج التي اتبعتها حكومة ينس ستولتنبرغ «الخضراء-الحمراء»، والتي تمّ بموجبها دمج المنظمات غير الحكومية بشكل نهائي في جهاز السلطة التابع للنظام الإمبريالي.
أجرى البروفسور تيري تيفت دراسة شاملة للتغيير الإيديولوجي في النرويج ولدى الجمهور النرويجي في العلاقة بالعالم الخارجي. لقد تمّ احتواء «المنظمات الطوعية» من قبل الدولة بشكل كلي، وتوجيهها لفرض السياسة الخارجية النرويجية المرتبطة بالأمريكية. كتب تيفت في 2003: «يوصف التعاون الوثيق بين الدولة والمنظمات الطوعية ومعاهد البحث بأنّه [النموذج النرويجي]. في 2003، ارتبط عدّة آلاف من الموظفين في إدارة الدولة وفي حوالي 150 منظمة تطوعية وفي معاهد البحوث والجامعات، بتنفيذ السياسات النرويجية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية».
كما كتبت حكومة ستولتنبرغ في مذكرة موجهة للبرلمان تعليقاً على «Stortingsmelding 15»: «بينما كان هناك تمييز في الماضي بين منظمات المساعدة التطوعية والمنظمات السياسية مثل منظمة العفو الدولية، ومنظمة لا للأسلحة النووية، فالغالبية العظمى من المنظمات التطوعية هي من الفاعلين السياسيين ووكلاء التأثير، إضافة إلى كونها جهات فاعلة في المساعدة التنفيذية. يتمّ استخدام الأموال المجمعة بالتعاون الوثيق مع وسائل الإعلام والشخصيات الإعلامية الدولية لزيادة الرؤية والتأثير السياسي. في الوقت نفسه، يتعاونون بشكل أوثق وفي كثير من الأحيان مع الجهات الحكومية وعالم الأعمال. أدّت العولمة مع ما يرتبط بها من ثورة في وسائل الإعلام والاتصالات إلى زيادة كبيرة في قدرة هؤلاء الفاعلين على التواصل والتأثير في السياسة عبر الحدود والجهات الفاعلة».
هذا وصف شديد الدقة للكيفية التي تعمل فيها هذه المنظمات كوكيل خارجي لتنفيذ أوامر وزارة الخارجية من أجل إدراك المصالح الإمبريالية التي تخدمها النرويج. هذا ينطبق على جميع المنظمات النرويجية، وربّما أبرزها: الصليب الأحمر النرويجي، والمساعدة الشعبية النرويجية «NPA»، ومجلس اللاجئين النرويجي «NRC»، والعون الكنسي «CA»، وأنقذوا الأطفال «Save the Children»، و«CARE Norway»، و«NORWAC»، وغيرها.
ومثلما تلعب هذه المنظمات دور الموظّف وخالق فرص العمل لأجزاء كبيرة من مواطني الدول التي تستهدفها الإمبريالية في العالم، فهي توفّر فرص عمل لما تبقّى من البرجوازية الصغيرة في النرويج، وهي الطبقة التي بات من الواضح أنّها الأكثر امتصاصاً لإيديولوجيا وعقلية الإمبريالية. وينطبق الأمر نفسه على الإعلام الذي يتلقى هبات ومنحاً كبيرة من الحكومة النرويجية.
باختصار: النرويج مجهزة بشكل مثالي لتكون القفاز الذي يناسب تماماً يد الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي قد لا يكون مفاجئاً أن تظهر الوثائق مدى تورّط النرويج في تفجير أنابيب السيل الشمالي كعمل حرب خطير ضدّ ألمانيا وروسيا. هذه هي حقيقة النرويج بغض النظر عن الدعاية الإعلامية الهائلة التي تشغلها، وحملة العلاقات العامة التي يديرها «اليسار» النرويجي المشارك دوماً في السلطة.

بتصرّف عن:
Hvorfor er Norge hansken som passer på USAs hånd?

معلومات إضافية

العدد رقم:
1113
آخر تعديل على الإثنين, 13 آذار/مارس 2023 10:47