بروليتاريا الخدمات والعقود الجديدة... الرأسمالية تتموّه لتستغل أكثر
ريكاردو أنتونس تعريب: عروة درويش ريكاردو أنتونس تعريب: عروة درويش

بروليتاريا الخدمات والعقود الجديدة... الرأسمالية تتموّه لتستغل أكثر

مع انتشار تكنولوجيا المعلومات والأتمتة الصناعية وغيرها من الابتكارات في العقود الماضية، انتشرت رؤية لـ«مجتمع خدمات ما بعد العصر الصناعي» تقول باختفاء البروليتاريا، بالشكل الذي وجدت عليه فيما مضى. إلّا أن دراسة استقصائيّة سريعة لواقع أسواق العمل العالمية المعاصرة تكذب هذه الأسطورة. فيما يلي نقدم دراسة توضح الأشكال الجديدة من العقود والخدمات التي يمارس فيها رأس المال استغلالاً مكثّفاً لقوة العمل، وذلك بغض النظر عن التحليلات والمفاهيم الاقتصادية التي ذكرها الكاتب.

 

إن ظهور طبقة جديدة من العمّال المأجورين المتعلمين في مجالات التقنية العالية، تترافق مع زيادة غير مرئية للعمّال الموظفين في المجالات والقطاعات التي تتراوح ما بين مراكز الخدمة، والتسويق عبر الهاتف، وبين الفنادق وشركات التنظيف، وبين البيع بالمفرق والأطعمة السريعة وخدمات الرعاية. إنّ القسم الأعظم من هذه الوظائف خطر بشكل أو بآخر: فهنالك العمل الموسمي، أو الجزئي، أو المؤقت، أو غير المعلن عنه، أو الموظفون لحسابهم الخاص، وهي الأعمال التي لا ضمانات لها ولا منافع إضافية.
العمالة المرنة...وجه آخر للاستغلال
أحد الأمثلة الرمزية، هو: عقد العمل الصفري_ حيث لا حدود لساعات تشغيل العامل_ وهو نوع تشغيل فاسد مزدهر بشدّة في بريطانيا وفي غيرها من الأمكنة. فوفقاً لهذا العقد، يجب أن يبقى العامل جاهزاً متى طلب منه رئيسه في العمل الحضور، وذلك بدلاً من وضع عدد ساعات معينة أو ورديات محددة للعمل. وهم لا يقبضون أجراً إلّا مقابل الوقت الذي يؤدون فيه العمل الفعلي، ولا تحسب لهم مدد الانتقال أو الانتظار التي قد تدوم ساعات أو أيام أو أسابيع أو حتّى أشهر. تطبق شركات تقانة المعلومات بالتحديد هذا النوع من العمالة المرنة، وهي التي تؤدي من ناحية غرض إبقاء العمال متاحين دوماً ليتمّ استغلالهم، ومن ناحية أخرى تطبيع نظام عدم الثبات، هذا وترك العمال مع وسائل حماية قليلة أو معدومة.
تشكل شركة «أوبر «Uber مثالاً آخراً: فهي تعامل سائقي الشركة على أنّهم متعاقدون مستقلون بدلاً من كونهم موظفين رسميين، وهم الذين يستخدمون سياراتهم الخاصة ويدفعون كامل النفقات، بما في ذلك إصلاح العربة والصيانة والتأمين والوقود. إنّ «تطبيق أوبر» هو في واقع الأمر شركة خاصّة عالمية، تستخدم العمالة المأجورة المقنّعة تحت اسم «مستقلين» و «رجال أعمال» من أجل الاستيلاء على حصّة أكبر من فائض القيمة الذي تولّده خدمات سائقي السيارات.
ويمكن أيضاً مشاهدة نوع آخر من استغلال العمالة المقنّع هذا في إيطاليا، حيث تمّ مؤخراً ابتكار نوع جديد من العمل المتقطع والعرضي: إنّه «العمل القائم على الإيصالات voucher-based work»، حيث يتمّ الدفع للعمّال عبر إيصالات تطابق قيمتها عدد الساعات الفعلي الذي عملوا به. لكنّ الخطورة ليست هي المشكلة الوحيدة في هذا النوع من العمل الذي يتضمن حيلة مخادعة داخله: فحامل الإيصال يجب أن يتلقى مقابله الحدّ الأدنى القانوني للأجر بالساعة، لكنّ أرباب العمل يعرضون على العمّال أن يعملوا لوقت إضافي، مقابل أجر أقلّ من الحد الأدنى القانوني. يسمح هذا النظام لأرباب العمل بنسب مخاطر واستغلال أعلى حتّى من تلك التي تسمح بها الأعمال المتقطعة أو العرضية. ولهذا قامت النقابات العمالية الإيطالية بشجب هذه الممارسة، واضطرت الحكومة تحت الضغط أن تمنع العمل بها.
أدّى انتشار أنواع العمالة هذه، مثل غير المعلن، عنه أو الجزئي أو المؤقت أو المستقل أو العرضي أو المتقطع، إلى نشوء فئة جديدة من العمالة، أصبح يطلق عليها في الأدبيات الاقتصادية اسم «البريكاريا«Precariat ، وتتوسع حركات الذين يعتبرون أنفسهم منتمين إلى «البريكاريا» بشكل سريع في أوروبا، وخاصة في إيطاليا وإسبانيا وإنكلترا وفرنسا والبرتغال. ففي أثناء كفاح هذه الحركة لتجد لنفسها مساحة في هيكليّة النقابات العمالية التقليدية، تطورت بشكل مستقل إلى جانب هذه النقابات. ويمكن إيجاد أمثلة رائدة عن هذا في إيطاليا، مثل: حركة «سان بريكاريو» في ميلان، وهي الحركة التي تكافح للدفاع عن العمال غير الثابتين_ ومن ضمنهم المهاجرين_ ومثل: حركة «عمّال مدينة الصدام» المتواجدة بقوّة في نابولي، والتي أنشأها عمّال غير ثابتين من الشباب الثائرين.
وعليه فإنّ ما يطلق عليه اسم «تمدين» العمالة_ وهو نمط الأعمال القاسي الذي يهدف لتوليد المزيد من الربح، وزيادة قيمة الرأسمال، عبر صيغ العمالة غير الثابتة التي ذكرناها بالأعلى_ قد توسع على نطاق عالمي. علاوة على ذلك، فإنّ حقيقة أنّ الكمّ المتزايد من الأعمال التي يتمّ إنجازها عبر الإنترنت، قد جعل أمر فصل العمل عن وقت الفراغ أمراً شبه مستحيل، وبات يُنتظر بشكل متزايد من الموظفين أن يكونوا متاحين للعمل في أيّ وقت.
يبدو بأنّ المستقبل الذي يراد لجماهير العمّال حول العالم أن تنتظره، هو: التوظيف المرن، حيث لا ساعات عمل محددة مسبقاً، ولا مساحات عمل محددة بشكل واضح، ولا أجور ثابتة، ولا نشاطات موضوعة بشكل مسبق، ولا حقوق ولا حماية أو تمثيل عبر النقابات. إنّ نظام «الأهداف» مرن بحدّ ذاته: فأهداف الغد تتغيّر بشكل دائم، ويجب دوماً أن تكون أعلى من أهداف اليوم السابق.
والعواقب الاجتماعية والسياسية الأهم، هي: نمو ما سمته أورسولا هوز: «السيبرتاريا Cybertariat» وما سميته أنا وروي براغا: «بروليتاريا المعلومات Infoproletariat». ومهما كان الاسم المعتمد، فإنّ ظهور نظام عمالة جديد يطرح أسئلة صعبة: هل يجب اعتبار العاملين في قطّاع الخدمات طبقة وسطى ناشئة؟ أم يجب اعتبارهم جزءاً جديداً من بروليتاريا الخدمات؟ أم يجب التعامل معهم كجزء من طبقة جديدة كلياً: البريكاريا؟
طبقة وسطى أم بريكاريا أم بروليتاريا؟
لقد ازداد باضطراد، انفصال العاملين في قطّاع الخدمات، سواء في مراكز الخدمات عبر الهاتف أو الفنادق أو السوبرماركت أو سلاسل الخدمات السريعة أو متاجر المفرق الكبرى ...إلخ، عن صيغ العمل الفكري النمطي بالنسبة للطبقة الوسطى، وبات يعكس أكثر فأكثر ما يُطلق عليه اصطلاحاً: «بروليتاريا الخدمات». فإن كان يتمّ تحديد القطاعات التقليدية للطبقة الوسطى من قبل، عبر طرق مشاركتهم في الإنتاج «الأطباء والمحامون وغيرهم من المهن المستقلة»، فإنّ الطبقة الوسطى اليوم تمرّ بعمليّة تدلّ بشكل مضطرد على تحوّلها لبروليتاريا، وهو النطاق الذي يتجاوز حتّى الآن صياغة، هاري بريفرمان، الشهيرة لها في كتابه لعام 1974: «العمالة واحتكار رأس المال».
وتبعاً للتقلبات الهيكليّة النمطيّة للطبقات الوسطى، يتمّ تحديدهم أيضاً من خلال أيديولوجيتهم وثقافتهم وقيمهم الرمزية وخيارات استهلاكهم. وعليه فكلما زاد عدد الفئات العليا للطبقات الوسطى التي تميّز نفسها عن الفئات الدنيا للطبقات الوسطى، من خلال القيم التي يعبرون عنها، كلما ضمّوا أنفسهم بشكل ضمنيّ إلى الطبقات المالكة. وبالمنطق ذاته، فإنّ فئات الطبقات الوسطى الدنيا تميل لضمّ نفسها إلى الطبقات العاملة، تبعاً لمستويات التماثل في حياتهم الماديّة.
ولهذه الأسباب، يرى البعض: أنّ الطبقات الوسطى لا تُدرك بوصفها طبقة. ففي بعض الأحيان هم أقرب إلى الطبقات المالكة، كما هو الحال في المدراء ذوي المستوى المتوسط والعالي والأعضاء الإداريين والمهندسين والأطباء والمحامين. لكن في بعض الأحيان، وتحديداً لدى الحديث عن الفئات الدنيا من الطبقات الوسطى، فإنّها تحيا وتعمل في ظروف مشابهة بشكل كبير لحياة وعمل الطبقة العاملة. وبالتالي، فإنّ وحدات الطبقة الوسطى الأكثر بروليتاريّة، وخاصة أولئك الموظفين في قطاع الخدمات، ينخرطون بشكل متزايد، سواء مباشرة أو بشكل غير مباشر، في عملية منح الرأسمال قيمته. يجد العاملون بأجر في التسويق والبيع بالتجزئة وخدمات الأطعمة ...إلخ، أنفسهم يقتربون بسرعة من تكوين بروليتاريا جديدة تتوسع عالمياً.
لا يمكن لهذه الملاحظات أن تدعم لا الحجج التحليلية التي تصنّف هؤلاء العمال بوصفهم طبقة وسطى، ولا تلك التي تصنفهم «كطبقة جديدة» هي البريكاريا. تعمل بروليتاريا الخدمات الجديدة لساعات أطول، وبإيقاع أشد، وبتحولات أعلى وبأجور مخفضة، وبظروف أمن وفقر وصحّة سيئة بشكل متزايد وضمن حماية قانونية أقل. إنّ المنتمين لبروليتاريا الخدمات الجديدة اليوم، هم أبطال العديد من النضالات الاجتماعيّة والتجمعات والإضرابات حول العالم.
استغلال أعلى وانفجارات أعمق
لقد قادت الزيادة في استغلال العمالة، والذي بات استغلالاً هائلاً اليوم، إلى زيادة هائلة في عدم الاستقرار على طول القوى العاملة حول العالم، بحيث لم يعد الأمر مقتصراً على الجنوب العالمي، بل امتدّ إلى البلدان المتقدمة في الشمال.
وبالإضافة إلى الانقلاب على بُنى العمالة الموجودة، مزقت هذه العملية النسيج الاجتماعي للبلدان ومجتمعاتها المحلية. يمكن النظر إلى مثال عن هذا في البرتغال التي انفجر فيها «الجيل المكافح» غير الراضي، في احتجاجات عامّة في آذار 2011. احتلّ آلاف المتظاهرين، ومن بينهم شباب ومهاجرون وعمال غير ثابتين وعاطلون عن العمل من النساء والرجال، الشوارع كجزء من حركة «الفقر غير المرن» وقد ورد في بيان الحركة الرسمي:
«نحن غير ثابتين لا في العمل ولا في الحياة. نعمل دون عقود أو بعقود قصيرة المدى... نحن عمّال مراكز الخدمة والمتدربين والعاطلين عن العمل والمهاجرين وعمّال المياومة والعمّال_ الطلاب... نحن غير ممثلين ضمن الإحصاءات... لا يمكننا أن نحصل على إجازة ولا أن ننجب أطفالاً ولا أن نمرض. ناهيك عن ذكر حقنا بالإضراب. الضمان_ المرن: المرونة هي ما لنا، أمّا الضمان فهو لأرباب العمل... نحن في الظل لكننا لسنا صامتين... وباستخدام القوّة ذاتها التي يهاجمنا بها أرباب العمل، سنستجيب ونبتكر كفاحنا. في نهاية الأمر، نحن أكثر منهم بكثير. نحن ربّما غير ثابتين، لكننا مرنون».
انطلقت في إسبانيا في 2011 حركة «الغضب» عندما بدأ الشباب بالتظاهر ضدّ مستويات البطالة العالية، والنقص التام في مجالات التقدم بالحياة. فلم يعد يهم إن كانوا قد حصلوا على شهادة جامعية: يدرك الجيل الأصغر بأنّهم محكومون إمّا بالبطالة، أو بأفضل الحالات بعمل غير ثابت.
وانفجرت أعمال الشغب في إنكلترا في العام ذاته على خلفية مقتل الشاب «الأسود» مارك دوغان على يد الشرطة. أطلق الشباب الفقراء والسود والمهاجرون والعاطلون عن العمل في لندن انتفاضة امتدت بعد بضعة أيام إلى بقيّة البلاد. كانت تلك أولى الانتفاضات الاجتماعية الهامّة في إنكلترا «وفي أجزاء من بقية المملكة المتحدة» منذ مظاهرات بول تاكس التي عجلت بنهاية حكومة مارغريت تاتشر.
وكذلك في 2011، انتفض متظاهرو «احتلوا وول ستريت» في الولايات المتحدة من أجل شجب هيمنة مصالح رأس المال المالي وعواقبه الوخيمة: اللامساواة الهائلة والبطالة وجائحة العمالة غير الثابتة، وهي التي تصيب بأقسى أشكالها العمّال من النساء والمهاجرين والسود واللاتين.
شهدت انتفاضة «1 أيار» 2001 في ميلان ولادة حركة «سان بريكاريو»، وهي الحركة التي تمثل خليطاً غير متجانس من جموع العمّال والشباب والمهاجرين، الذين كانوا محرومين من صوتهم دونها. ولم يطل الأمر بنشوء حركات شبيهة بها، مثل: عمّال مدينة الصدام التي تحدثنا عنها. وبعيداً عن هذه الحركات، وجدت منظمات نقابية جديدة لتمثيل فئات البروليتارية غير الثابتة والأضعف، ومن بينها «الكونفدرالية الأساسية الموحدة» والأحدث منها «هويّة العمّال الجديدة NldiL»، التي تشكل جزءاً من كونفدراليّة العمال الإيطالية الكبرى التي تعدّ إحدى منظمات البلاد النقابية الرئيسة.
أطلقت هذه التطورات وغيرها جدالاً حول صعود فئة جديدة من الطبقة العاملة، والذي قاده الاقتصادي البريطاني غاي ستاندينغ. يرى ستاندينغ أنّه يجب اعتبار «البريكاريا» طبقة مستقلّة، متمايزة عن البروليتاريا التي تشكلت أثناء الثورة الصناعية وأصبحت صلبة في حقبة تايلور_ فورد. فالبريكاريا وفقاً لستاندينغ هي طبقة جديدة مشوشة ومشتتة إيديولوجياً ويمكن جذبها بسهولة من خلال السياسات «الشعبوية»، بما في ذلك الحركات الفاشيّة الجديدة. يجسد هذا الوصف بعض الصفات البارزة لبروليتاريا الخدمات الجدد، لكنّه يَسِمْ هذه الفئة الجديدة من البروليتاريا بأنّها «طبقة خطرة» متمايزة في جوهرها عن الطبقة العاملة.
أمّا صياغتي أنا فتمضي في الاتجاه المعاكس. فعلى النقيض لنظرية «الطبقة الجديدة»، أعتقد بأنّه يجب على صيغ التشكّل الجديدة «للطبقة التي تعتاش من عمالتها» أن تشمل الفئات المتنوعة، حتّى لو بدت هذه الفئات في البدء غير متسقة. ففي واقع الأمر، لطالما كانت الطبقة العاملة متنوعة بسبب اختلافاتها الداخلية القائمة على الجنس والجيل والعرق والقومية والهجرة والمهارة ...إلخ.
وحدة الطبقة العاملة
وعليه فإنّ بروليتاريا الخدمات هي فئة متمايزة ضمن الطبقة العاملة، رغم عدم تجانسها واختلافاتها وتجزئها. تفهم أضعف الفئات غير الثابتة في مجتمعات البلدان الرأسمالية المتقدمة_ ويشمل ذلك الشباب والمهاجرين والملونين وغيرهم – تماماً موقعها ضمن هذه الفئة الجديدة من البروليتاريا، وبأنّ فئتهم ولدت في ظلّ الاستياء من حقوقهم المسلوبة. وكنتيجة لذلك، عليهم أن يكافحوا بكلّ الوسائل الممكنة لاسترجاع حقوقهم. في الوقت ذاته، تعلم القطاعات الأكثر تقليدية من الطبقة العاملة، وهي التي ورّثت بقايا النقابات العمّالية ودولة الرفاه، بأنّ عليها أن تكافح للحفاظ على حقوقها ولحماية ظروف عملها من نمط التشويه الذي بات شائعاً بين العمّال غير الثابتين. إنّ مصير قطبي «الطبقة التي تعتاش من عمالتها» متصل بعضه ببعض بشكل لا يمكن فصمه.
يتجلى منطق رأس المال بأشكالٍ عديدةٍ، لكنّه يحتفظ بجوهره ثابتاً. ولهذا يجب على قطبي العمالة العالمية الحيويين أن يشكلا صلة دعم متبادل وعضوي مع بعضهما البعض، وخلافاً لذلك سيتعرضان لهزيمة كبرى.
وكما أوضح ماركس في «رأس المال»، يبدأ الأمر مع خلق العمالة المأجورة في الرأسمالية. فعندما تبيع الطبقة العاملة قوّة عملها وتحصل بالمقابل فقط على جزءٍ من قيمتها المنتجة، يميل الفائض الناتج المسلوب من قبل رأس المال إلى التوسع عبر آليات متنوعة متأصلة في الرأسمالية، ومن بينها: تكثيف العمالة، وإطالة يوم العمل، والقيود على حقوق العمال،...إلخ. وعليه فإنّ عدم الثبات الذي يميّز «البريكاريا» ينتج عن الصراع بين الطبقات، وهو الأمر الذي يمكن توسيعه أو تقليصه بالاعتماد على قدرة الرأسماليين على الاستغلال، نسبة لقدرة الطبقة العاملة على الكفاح والثورة.
تعتمد الرأسمالية المعاصرة على التوسيع والتداول الهائل للقوى العاملة على نطاق عالمي، وعلى مضاعفة آليات الاستغلال وعلى التكثيف وعدم ثبات العمالة. وهذا كلّه يخدم مسألة تشظية الطبقة العاملة نفسها، وهي الطبقة المنقسمة أصلاً إلى شُعب وأقسام وقطاعات دولية، وخاصة بين الجنوب والشمال العالميين. إنّها الانقسامات ذاتها التي لاحظها أنجلز لدى البروليتاريا البريطانية في منتصف القرن التاسع عشر، ولكن مضخمة بشكل كبير، عندما ندرك نسب الاستغلال المتمايزة بين المركز والمحيط.

لاسبيل إلّا النضال ضد منطق رأس المال

تعتمد النتيجة النهائية على قدرة الطبقة العاملة في المقاومة والتنظيم والرد. إن استطاع قطبا الطبقة العاملة حول العالم أن يتدبرا أمر إنشاء روابط تضامنية ووعي طبقي مشترك بينهما، وإن بقيا متحدين في كفاحاتهما اليومية، فسيكونان قادرين على تشكيل معارضة أقوى وأفضل تنظيماً ضدّ منطق الرأسمال. خاصة إذا ما لاحظنا بأنّ عمالة الجنوب العالمي، بسبب ماضيه كمستعمرات وبسبب خروجه من النظام العبودي...إلخ، كان دائماً عرضة لعدم الثبات والخطورة. فعدم الثبات بالنسبة للعمالة في الجنوب هي الأمر الطبيعي وليس الاستثناء. وهو الأمر الذي لا يجب نسيانه.

آخر تعديل على الخميس, 26 نيسان/أبريل 2018 15:09