الشركات متعددة الجنسيات... سطوة الاحتكار العالمي (1)
لطالما هيمن على النقاشات المتعلقة بالشركات متعددة الجنسيات، سواء لدى اليمين أو اليسار، ثلاث قضايا متداخلة، أولا: أسباب نشوئها، ثانياً: التمييز بين الشركات متعددة الجنسيات والعمليات الدولية للشركات، وأيضاً إمكانيّة ظهور شركات عابرة للحدود الوطنيّة بشكل كلي، ثالثاً: المدى الذي يمكن فيه لهذه الشركات العملاقة المتداخلة عالمياً أن تحلّ محلّ الدول نفسها.
تعريب وإعداد: عروة درويش
إضافة إلى ذلك، وفي إطار النظرية الماركسية، درج سؤال عن كيفيّة نشوء مثل هذه الشركات، التي أوجدها التمويل الأجنبي المباشر، والتي يمكن لها أن تحوّل نظريّة لينين عن الإمبرياليّة التي ركزت على تصدير رأس المال، بشكل رئيس عبر صيغ استثمار سندات ماليّة. اليوم، تزودنا التحليلات المبكرة عن علاقة الشركات متعددة الجنسيات بالإمبرياليّة، والتي طوّرها المنظرون الماركسيون في الستينيات والسبعينيات، بالأدوات الناقدة اللازمة لفهم الإمبريالية الجديدة لرأس المال المالي العالمي الاحتكاري، والمتجذرة في الموازنة بين العمالة العالميّة.
أصل الشركات متعددة الجنسيات
بالنسبة للاقتصاد «النيوكلاسيكي»، فإنّ المهمّة الأصعب كمنت في تبرير ظهور الشركات متعددة الجنسيات في المقام الأول. فخلافاً للاقتصاد الماركسي، ليس لدى التحليلات النيوكلاسيكيّة أية نظريّة متميزة عن تركيز وتمركز رأس المال المتصل بعملية التراكم، وعليه ليس لديها نظريّة عن الميل نحو الاحتكار داخل النظام نفسه.
ورغم أنّ نظريّة المنافسة القاصرة، وتحليل التنظيم الصناعي يأخذان بالاعتبار النموّ في حجم الشركة، فإنّ هذا النوع من التحليلات كان خارج الإطار المركزي للاقتصاد البرجوازي نفسه. في الستينيات حاول الاقتصاديون النيوكلاسيكيون يائسين، أن يوضحوا النشوء غير العادي للشركات متعددة الجنسيات داخل إطار نموذج المنافسة، الذي يستبعد بشكل كبير سطوة الاحتكار. لقد شددوا بثبات بأنّ هذه الشركات الممتدّة على طول العالم، هي ببساطة أداة أكثر فاعليّة، تستهدف تخصيص الموارد بشكل أمثل داخل الأسواق التنافسيّة. لكنّ الواقع يكذّب وجهة النظر هذه. قامت أدوات التفكير السائد، من أجل شرح نموّ الشركات متعددة الجنسيات، بالإضاءة على عناصر مثل: 1_ المواهب المتمايزة للعمالة ورأس المال بين البلدان. 2_ علاوات المخاطر في أسواق الأسهم الدوليّة. 3_ الحاجة لتوسيع أسواق الشركات باستخدام تمويل الفوائض المولدة داخلياً. بأيّة حال، لا شيء ممّا سبق ينفذ إلى قلب مسألة الشركات متعددة الجنسيات بمعنى التراكم والسطوة.
في هذا السياق كان الاقتصادي النيوكلاسيكي الرائد في العلاقات الاقتصاديّة الدولية تشارلز كيندلبرغر، يعتمد بشدّة على أطروحة تلميذه السابق ستيفن هايمر لعام 1960: «العمليات الدولية للشركات الوطنيّة: دراسة للاستثمار المباشر» من أجل شرح صعود الشركات متعددة الجنسيات. لقد شدد، هايمر، من أجل توضيح استثمارات الشركات متعددة الجنسيات: «إنّ الأثمان الزهيدة في الخارج مقارنة بالوطن ليست كافية. ما يجب تفسيره هو سبب عدم اضطلاع رجال الأعمال المحليين في الخارج بمهمات الإنتاج، رغم حيازتهم على مزايا أصيلة مقابل المستثمرين الأجانب». تكمن هنا النقطة الرئيسة لتمييز سطوة الشركات متعددة الجنسيات في الاستيلاء على الشركات المحليّة والاستحواذ على كامل مزاياها.
لقد استند هايمر_ وهو الذي ظهر بوصفه المنظر البارز للشركات متعددة الجنسيات_ في تحليلاته على نموّ العمليات متعددة الجنسيات في نظريّة التنظيم الصناعي، وذلك بالبناء على تحليل الاحتكار واحتكار الأقليّة. وبالاعتماد على أعمال هايمر، أدخل كيندلبرغر شيئاً من الواقعيّة في التحليل السائد لأصل الشركات متعددة الجنسيات، شارحاً إيّاه في ضوء ما دعاه: «النظريّة الاحتكاريّة للاستثمار المباشر» لهايمر. ومع ذلك، يميل الاقتصاد النيوكلاسيكي، عاكساً طابعه الدفاعي، بشكل متزايد إلى وضع نظريّة عن تطوّر الشركات متعددة الجنسيات في إطار «تحليل كلفة العمليّة»، حيث تبعاً له، تسعى الشركات إلى استيعاب تكاليف العمليات الخارجية من أجل تحقيق أقصى قدر من الفاعليّة. ورغم أنّ مثل هذه الآراء تمثّل عنصراً هاماً في تحليل الشركة عموماً، فإنّها تتجه إلى تفسير الأمر الأكثر تميزاً بشأن الشركات متعددة الجنسيات: تشكيل سطوة الاحتكار العالمي.
تراكم وتوّسع رأس المال
أمّا بالنسبة للنظريّة الماركسيّة، فالأمر على النقيض من ذلك. فقد نشأت الشركات متعددة الجنسيات بسبب تركّز وتمركز رأس المال، وهي العملية التي لا تتجزأ عن عمليّة التراكم الرأسمالي. وعليه فإنّ نمو الشركات متعددة الجنسيات كان متأصلاً في تطوّر الشركة. وكما شرح باران وسويزي في «ملاحظات حول نظريّة الإمبرياليّة»:
«لقد أثبتت الشركات الاحتكاريّة (التي تأسست في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين) بأنّها مربحة للغاية... هذه الشركات العملاقة هي الوحدات الأساسيّة في الرأسماليّة الاحتكاريّة في مرحلتها الحاليّة. يشكّل مالكوها وموظفوها الكبار الفئة القائدة للطبقة الحاكمة. يمكننا عبر تحليل هذه الشركات العملاقة ومصالحها أن نفهم بشكل شامل عمل الإمبرياليّة اليوم... كانت الشركات العملاقة التي هيمنت على اقتصاد الولايات المتحدة، هي أوّل من فتح هذا الطريق بريادة شركة «ستاندارد أويل». لقد أصبحت هذه الشركات، باستخدام مصطلحات الأعمال التجارية اليوم، شركات متعددة الجنسيات. لا يكفي أن تملك الشركة متعددة الجنسيات قاعدة عمليات في الخارج، فصفاتها المميزة هي أن تتخذ إداراتها قرارات جوهريّة بشأن التسويق والإنتاج والبحوث، من حيث البدائل المتاحة لها في أيّ مكان في العالم».
تمّ في وقت لاحق تطوير وجهة نظر مشابهة من قبل الباحثين التقدميين ريتشارد بارنت، ورونالد مولر، اللذين كانا من بين أوائل من استخدم مصطلح «العولمة» في سياق التوسّع العالمي للشركات متعددة الجنسيات. ففي كتابهما الصادر عام 1974: «الوصول العالمي: سطوة الشركات متعددة الجنسيات»، رأيا: أنّ صعود الشركات العالميّة يمثّل «عولمة رأسماليّة احتكار_ الأقليّة». وكما يبينان: فإنّ بنية هكذا شركات نشأت عن عمليّة تركيز وتدويل رأس المال الذي سمح لقلّة من الشركات، التي «لا تتنافس مع بعضها وفقاً للقواعد التقليديّة للسوق الكلاسيكيّة»، بالسيطرة بشكل فعلي على الاقتصاد.
وكانت النتيجة توسعاً هائلاً في السطوة الاحتكاريّة، حيث تمكنت الشركات الاحتكاريّة، والاحتكاريّة_ الأقليّة، العملاقة، بالاستفادة من انخفاض الأجور وقلّة رأس المال والدول الضعيفة على طول العالم، من أجل رفع هوامش أرباحها. وذلك عبر مصّ كميات هائلة من الفائض من بلدان الجنوب العالمي، كما بيّن باران وسويزي بشكل اختباري. تخضع جميع الشركات التابعة للشركة متعددة الجنسيات، لمبدأ تعظيم الأرباح وتراكمها لصالح الشركة ككل، حيث يقع مقرها المالي والإداري في مركز تكديس الثروة في النظام العالمي.
كما لاحظ، ماغدوف، وسويزي، في عام 1969: «الغالبيّة العظمى من أكبر 200 شركة غير ماليّة في الولايات المتحدة اليوم، وهي الشركات التي تشكّل مجتمعة ما يقرب من نصف النشاط الصناعي في البلاد، قد وصلت إلى كلتا مرحلتي التكتّل وتعدد الجنسيّة». كلّما زادت هذه الشركات الاحتكاريّة من تكتلها وتعدد جنسياتها: «كلّما أبعدت إداراتها العليا عن أيّ منتج أو عمليّة إنتاج محددة». في الواقع: «تصبح اهتمامات المركز ماليّة بحتة بشكل متزايد. حيث يتمّ توجيه الأرباح والتراكم بشكل مركزي. بينما يتمّ نقل مسائل الإنتاج والتكنولوجيا ...الخ، إلى الأقسام والشركات الفرعيّة ومدراء المصانع، الذين يكونون مسؤولين عن الإنتاج وعن بيع منتجات الشركة الكثيرة حتّى». والنتيجة التي يصلان إليها أنّ الشركات متعددة الجنسيات هي: «الأداة الرئيسة لرأس المال المالي، في النصف الثاني من القرن العشرين»
تعرض النظرة الماركسيّة وضوحاً وواقعيّة أكبر بكثير من التحليلات السائدة، لتقود إلى تصوّر أدقّ لمستقبل تطوّر الشركات متعددة الجنسيات على الساحة الدولية، وكذلك عن قوتها إزاء الدول، والتحوّل في نهاية المطاف في النظام العالمي الإمبريالي. يظهر هايمر في أعماله المتأخرة، أنّ المسألة الجوهريّة في تطوّر الشركات متعددة الجنسيات، كانت استغلال قوّة العمل العالميّة في سياق التبادل الإمبريالي اللامتساوي.
شركات متعددة الجنسيات
أم دوليّة عابرة للحدود؟
نشرت صحيفة «بزنس ويك» في نيسان 1963 تقريراً خاصّاً بعنوان: «الشركات متعددة الجنسيات»، تناول التدويل المتزايد للأعمال التي تقوم بها شركات الولايات المتحدة. وورد في المقال: «قد يملأ مصطلح متعددة الجنسيات الفم، لكنّه يؤدّي دور الخطّ الفاصل بين المؤسسات الموجهة للداخل، والتي لديها عمليات دوليّة، وتلك الشركات الموجهة ناحية العالم». وبعد أقلّ من عام، في حزيران 1964، قالت وكالة «أخبار الولايات المتحدة والعالم» أنّ شركات الولايات المتحدة لم تعد تعتبر الولايات المتحدة كأرض خصبة لتحقيق الربح. بدلاً من ذلك، باتت الشركات تتطلّع خارجاً للأسواق المربحة، وفرص الاستثمار على حدّ سواء. وذلك يبدو من التوسّع السريع في الاستثمار الأجنبي المباشر مع التركيز على التصنيع، وكذلك يبدو من «عائدات النمو السريع» من مبيعات المصانع المملوكة لشركات الولايات المتحدة في الخارج. لقد كانت «مغامرة» عالميّة مربحة ولا يمكن وقفها. وكما قال التقرير في افتتاحيته: «تغطّي الأعمال الأمريكيّة، وكذلك رجال الأعمال السريعون الذين يديرونها، الكوكب هذه الأيام».
مالت الكثير من التحليلات السائدة للشركات متعددة الجنسيات منذ البداية، وكذلك الكثير من تحليلات اليسار الشائع، إلى رؤية هذه الشركات بوصفها منفصلة عن الدول القوميّة، مشكّلة قوى اقتصاديّة مستقلّة تماماً. تتلاءم هذه الرؤية بالتأكيد مع النظرة الاختزاليّة، التي ترى بأنّ الدولة واللاعبين الاقتصاديين كيانين منفصلين، بدلاً من كونهما كيانين متكاملين من الناحية الهيكليّة، ضمن أنماط الإنتاج التاريخيّة أو التشكيلات الاجتماعية.
كتب الاقتصاديّ النيوكلاسيكي كيندلبرغر في عام 1969 بأنّ الشركات الوطنيّة التي تملك عمليات خارجيّة كانت «في طور التطوّر إلى شركات متعددة الجنسيّة، وتُظهر إشارات على التطوّر النهائي إلى شركات دوليّة»، منفصلة عن الدولة القوميّة. وقد احتجّ كيندلبرغر خطأً، متوقعاً مفاهيم لاحقة خاطئة عن العولمة، بأنّ: «الدولة القوميّة على وشك الانتهاء بوصفها وحدة اقتصاديّة».
بعد ثلاثين عاماً، تمّ طرح النظرة العامّة نفسها، في سياق النقاش المتجدد حول العولمة، وهو النقاش البعيد عن الوصف الذي قاله بارنت ومولر: «عولمة رأس مال احتكار_ الأقليّة». عوضاً عن ذلك، قامت أيديولوجيا خطاب العولمة الحاكم في التسعينيات، بإعادة ابتكار الشركات متعددة الجنسيات بوصفها شركات عابرة للحدود أو حتّى فوق الوطنيّة، ممّا يشكل نوعاً من كينونة محايدة أو وحدة وظيفيّة في السوق العالميّة، كينونة منفصلة بشكل متزايد عن الدول وعن القوى السياسيّة_ الاقتصاديّة.
وعليه، فقد ميّز مرشد الإدارة بيتر دراكر في عام 1997 بين الشركات «العابرة للحدود الوطنيّة» وبين «متعددة الجنسيات»، مجادلاً بأنّه رغم أنّ الشركات جميعها لا تزال منظمة كشركات متعددة الجنسيات بشكل تقليدي، بمعنى شركات وطنيّة ذات فروع أجنبيّة، فقد كانوا يتحولون بسرعة إلى شركات عابرة للحدود الوطنيّة، «حيث تصبح الحدود الوطنيّة غير مهمّة». وأكّد دراكر: «بأنّ الشركات العابرة للحدود الوطنيّة ترى نفسها ككيانات مستقلّة غير وطنيّة، وبأنّ «الوحدة الاقتصاديّة الوحيدة أمامها هو العالم». ويجادل دراكر بأنّ النتيجة لذلك هي: أنّ الدولة القوميّة ستتغيّر بشكل كبير رغم أنّها ستنجو من العولمة الاقتصاديّة، «وخاصّة في السياسات النقديّة والماليّة المحليّة، والسياسات الاقتصاديّة الخارجيّة، والسيطرة على الأعمال ذات الطابع الدولي، وربّما في إدارتها للحرب». لقد فشلت تحليلات دراكر، من ناحية الصفات المميزة، في التفريق بين العلاقات بحدّ ذاتها، التي تربط الشركات متعددة الجنسيات مع الدولة القوميّة. وذلك باعتمادها على كون الدولة القوميّة في قلب أو في محيط اقتصاد العالم الرأسمالي.
وفي مقاربات شهيرة أخرى على المنوال ذاته، قال المنظّر، جيوفاني أريغي، الذي اعتمد على «كلفة العمليات» بدلاً من الاعتماد على النظريّة الماركسيّة، في عام 1994: «لقد تطوّرت الشركات العابرة للحدود الوطنيّة لتصبح نظاماً عالمياً للإنتاج والتبادل والتراكم، والذي لم يكن خاضعاً لسلطة أيّة دولة ولديه القوّة اللازمة ليُخضع لقوانينه الخاصّة أيّ عضو في نظام دولة مختلط، بما في ذلك الولايات المتحدة». لقد أدرك بهذا الفرق بين المركز والأطراف، وبالغ في فكّ الارتباط بين هذه الشركات وبين الدول الواقعة في مركز هذا النظام.
قام باران وماغدوف، وسويزي، بالحطّ من شأن المحاولات جميعها، الواقعة ضمن الأيديولوجيا الاقتصاديّة المهيمنة، لصياغة رؤية للشركات متعددة الجنسيات على أنّها مستقلّة عن الدول، وتتفوّق على بنى الدول، وقاموا بنقض الادعاءات الموجودة بشكل متكرر في «الآداب الدفاعيّة». قال ماغدوف وسويزي: إنّ الشركات العملاقة المتوسعة على طول الكوكب، رغم تدفقات الاستثمار ودرجة تشابك الإدارة وتوظيف الإدارة الأجنبيّة، تستمرّ بكونها متعددة الجنسيات، «بمعنى أنّها تعمل في عدد من الدول»، بينما يبقى لها «مقرّ واحد». لقد تمّ توجيه هدف تعظيم الربح ناحية «المجموعة ككل»، والمجسّد في الشركة الأم، وذلك بدلاً من كونها موزعة «على أساس كلّ دولة على حدة». ومع ذلك، فإنّ مقرّ الإدارة المالي ومركز التراكم والسيطرة النهائيّة تبقى وطنيّة. إن قام المستثمرون الفرنسيون بالاستثمار في شركة أمريكيّة، فهذا لا يعني أنّ رأس المال الذي تملكه الشركة هو فرنسيّ وأمريكي بشكل متساوٍ، بل يعني بأنّ الشركة الأمريكيّة بشكل أساسي كانت قادرة على استخدام المال الفرنسي في عملياتها. لقد بقيت الشركات متعددة الجنسيات مرتبطة بدول وطبقات معينة، وذلك لأسباب تاريخيّة وسياسيّة واقتصاديّة لم تكن عرضة ليتمّ تجاوزها، بسبب أنّ الرأسماليّة بحدّ ذاتها كانت نظاماً موزعاً على دول قوميّة، وكذلك على طبقات معينة.
ورغم أنّ الشركات متعددة الجنسيات تعمل في الكثير من الدول، وتأخذ في اعتبارها الأسواق والإمكانات في جميع هذه الدول، وذلك لصالح الشركات متعددة الجنسيّات ككل، بما في ذلك الشركات الأم والشركات الفرعيّة التابعة لها، في جميع النواحي الحاسمة، فإنّ الشركات متعددة الجنسيات مثّلت الصورة الرئيسة لرأس المال القومي المرتبط بدول محددة والمتركز في جوهر النظام. القضيّة الرئيسة هنا هي السيطرة.
الدولة ورأس المال والصراع الطبقي
إن رأس المال ليس مجرّد ظاهرة كميّة، بل هو مبني أيضاً على علاقات نوعيّة، وتحديداً العلاقات الاجتماعيّة للطبقة واللامساواة والملكيّة. إنّ رأس المال في جوهره هو علاقة الاستغلال بين الطبقة المالكة والطبقة العاملة. عبر التاريخ، كانت الدولة تلعب دور حامي رأس المال، في مواجهة النضال الطبقي الذي كان عنيفاً في الغالب. وكان لها دوماً دور في الحفاظ على العلاقات الاستغلاليّة بين الطبقات من خلال الإكراه. وقامت الدول أيضاً بحماية حقوق شركاتها الاقتصاديّة الكبرى في الخارج. ولهذا «يجب أن يكون لرأس المال موطن». وقام هايمر أيضاً بالتأكيد على أهميّة الموطن بالنسبة للشركات: «لموطنها أهميّة قصوى، لأنّه يؤثّر على الطريقة التي تتصرف بها، وهو يؤثّر على المعاملة التي تتلقاها».