إذا ماجفت الأنهر فلن تنقذنا المستنقعات
إن هناك إبليسا آخر بدأ يصرخ من جديد منذ أيام: أنقذونا قبل أن تفقدونا!. وقد تناسى هذا الإبليس بأنه هو وأعوانه كانوا السبب في الضرر البالغ الذي أصاب المؤسسة. سنوات طويلة تركوها بدون صيانة فعلية، ولم يتخذوا الإجراءات الملائمة في الوقت المناسب كي تصل التجهيزات إلى هذا الوضع الخطير. لأنهم يعلمون أن الصيانات الملائمة والجيدة في الوقت المناسب لاتكلف الكثير ولا تدر عليهم الكثير أيضا. أما الآن وقد بدأت الكارثة التي كانوا ينتظرونها منذ سنوات طويلة والتي تؤهلهم بعد الحصول على الموافقات اللازمة – وما أسهلها – لتوقيع الاتفاقيات الضخمة وشراء كميات كبيرة من المواد والمعدات أيضا لمعالجة الموقف، فقد بدؤوا بالصراخ. وهكذا يبدأ الحصاد عند هؤلاء الأباليس. حصاد اقتصادنا وخيرات أبنائنا ومقدراتهم. وتبدأ خسارات المؤسسة بالتراكم والظهور، وهذا ليس من هم الأباليس ولا من ضمن مسؤولياتهم!!!
ويقول بعضهم إن سعر البرميل الواحد من النفط وصل إلى الخمسين وتجاوز السبعين دولارا. ويعتبرون بأن هذه فرصة لاتعوض لجني الأرباح مقارنة مع السنين الغابرة. ولكنهم ينسون أو يتناسون بأن سعر البرميل الواحد سوف يتجاوز المائة دولار قريبا جدا، وقد يصل إلى مائتين أو أكثر في المستقبل. ويتناسون أيضا بأن المشتقات البترولية يجب أن تكون مقدسة ولا يجب استخدامها إلا في المواقع التي لايمكن استبدالها على الإطلاق، لأنها لاتعوض ولا يوجد لها بديل في هذا العالم. ولذلك علينا أن نفاخر في الاحتفاظ بما تبقى لدينا من هذه المواد لأطول زمن ممكن في التاريخ.
فإذا ما اقتنعت الحكومات بضرورة خفض الإنتاج لا بزيادة حجمه، فان ذلك سيؤدي بالضرورة إلى خفض أعداد الاتفاقيات والصفقات وعقود الشراء والخدمات وتصغير أحجامها، مما يضر بمصالح البعض من المستفيدين. فهل مصالح الأباليس هي المهم أم أن مصير الشعوب هو الأهم؟ ثلاثة وثلاثون دولة من أصل اثنين وأربعين دولة التي تنتج أكثر من 98 % من مجمل النفط العالمي وصلت إلى ذروة إنتاجها منذ سنوات عديدة، ومنها منذ عقود، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وليبيا عام 1970، إيران عام 1974، إندونيسيا عام 1977، روسيا عام 1987 وغيرها، وهي الآن في تراجع كبير في حجم إنتاجها اليومي. هذه المحروقات الاحفورية التي تشكل مع الفحم الحجري أكثر من 86 % من مجمل الطاقة العالمية، من أين لنا تعويضها يا أيها الأباليس؟
فلو استثنينا مصادر الطاقة القابلة للتعويض والتي لاتشكل أكثر من 14 % من مجمل الطاقة العالمية متضمنة النووية والهيدروليكية وقوة الرياح والطاقة الشمسية والمد والجزر في البحار والمحيطات والحرارة الجوفية، فإننا نجد الأباليس يحاولون خداع الشعوب بإمكانية التعويل على المصادر البيولوجية ومخلفات المنتجات الزراعية والحيوانية ومنها بذور الزيتون ومخلفات المسالخ وكذلك السجيل الزيتي والصخور البركانية وسواها إن وجدت. إلا أن كل هذه المصادر مجتمعة لايمكنها إنتاج إلا جزء واهٍ جدا من الطاقة العالمية مقارنة بالإنتاج النفطي والحاجة الفعلية الحالية. فكيف سيكون الحال في المستقبل مع الازدياد المتواصل لعدد السكان في العالم، وبالتالي التزايد المضطرد للحاجة إلى الطاقة بشكل عام ؟ ففي عام 2004 قدر حجم الطاقة المنتجة من المصادر المتجددة المذكورة أخيرا بما لايزيد عن 2 % من مجمل الطاقة العالمية فقط. منها إنتاج الطاقة الكهربائية 1.2 %، والطاقة المصروفة على تسخين المياه والتدفئة 0.7 %، بالإضافة إلى الطاقة البيولوجية 0.2 %. فإذا ماجفت الحقول النفطية والغازية في العالم لن تنقذنا هذه المصادر الهامة ولكنها الضئيلة بحجمها، لأنها أكثر ضحالة من المستنقعات إذا ماقورنت بالأنهر.
المشكلة العالمية قد لاتكمن في المستقبل بالنقص في إنتاج الطاقة بحد ذاتها. كإنتاج الطاقة الكهربائية على سبيل المثال، التي يمكن تحويلها إلى طاقة حرارية أو ميكانيكية. وإنما هي تكمن بالنقص في المشتقات النفطية والغازية مع نضوب هاتين المادتين. هذه المشتقات التي لايمكن الحصول عليها من أي مصدر آخر سوى من النفط والغاز الطبيعي سوف تشكل الكارثة الحقيقية للبشرية جمعاء، لأن كل جوانب الحياة وإمكانية استمراريتها تعتمد عليها وبشكل شبه مطلق. فمن أين لنا أن نأتي بمكافحات الحشرات والأسمدة الزراعية والأدوية والمعدات الطبية المستخرجة من النفط والغاز الطبيعي عندما يحصل النضوب؟ الأصماغ والأصباغ والدهانات والكاوتشوك والبلاستيك والسلاسل الطويلة من المواد البتروكيميائية المستخدمة في مختلف أنواع الصناعات ومنها الغذائية أيضا؟ الزيوت والشحوم ومختلف أنواع المحروقات وخصوصا للطائرات ومختلف أنواع الآلات والآليات المتحركة؟
يكتبون لي ويسألونني باسم رب العالمين، وكأنهم مؤمنون فعلا، أن لا أغش غير المختصين من المواطنين في موضوع الإنتاج المكثف والسريع للنفط والغاز الطبيعي. وأنا أناشدهم باسم كل القيم الإنسانية في العالم أن يتوقفوا عن ابتزاز الشعوب ونهب وتبديد وتخريب ثرواتها، لأن هذا لن يقودنا إلا إلى الهلاك الجماعي. فهل هناك من عبر في أيامنا هذه؟ انظروا مايحدث في مختلف الدول الأفريقية وفي مناطق أخرى من العالم!! ألا يعنون لنا شيئا «هؤلاء الجياع والعطشى بالملايين؟» لقد ظهرت نتائج الاقتصاد الذي مزقه الأباليس لشعوبهم في مختلف أنحاء العالم على مر السنين اعتمادا على معارفهم العميقة في طرق الابتزاز، أليس كذلك يا أباليس؟