سيليفيا كاتوري سيليفيا كاتوري

تييري ميسان: من قمة العشرين إلى دوربان 2 .. الشعوب ما تزال تدفع خسارات المصرفيين

ترجمة قاسيون

 

أجرت الصحفية السويسرية سيلفيا كاتوري لقاءً مطولاً مع الباحث والمحلل الاستراتيجي المعروف تييري ميسان، وطرحت عليه مجموعة من الأسئلة عما أفضى إليه نقاش مراكز القوى الإمبريالية في القمم والمؤتمرات العالمية حول الأزمة الاقتصادية والمالية.. وتقديره لتطور علاقات القوة الناتج عن هذه الأزمة، وللسياسات التي تطبقها الولايات المتحدة والتمويل الانغلوساكسوني للحفاظ على سيطرتهما.. وفيما يلي أهم ما جاء في هذا الحوار..

• ما هي أهداف الولايات المتحدة في قمة مجموعة العشرين التي انعقدت مؤخراً في لندن؟ هل تمكنت من بلوغها؟

لقد كرّست قمتا مجموعة العشرين لزعماء الدول والحكومات في واشنطن، ثم في لندن التفوق المالي الأنغلوساكسوني، وطرحتا طلائع حكومة اقتصادية عالمية بزعامة أنغلوساسكونية.. لكن على الرغم من المعانقات العلنية، لم يتم التوصل إلى أي اتفاق ذي معنى بين أعضاء مجموعة العشرين، إذ تعدّد التصريحات النهائية مبادئ عامة لا تلزم أحداً وأفعالاً محددة اتخذت كلها خارج القمة، ولا يخص أيٌّ منها العشرين معاً. يمكن إذن أن يتكشّف بأن قمة لندن هي قمة مغفلين.

تقوم مجموعةٌ معقدة من الهيئات بتطوير السياسة المالية والاقتصادية لإدارة أوباما. وهذه السياسة استمراريةٌ كاملة لسياسة إدارة بوش. خطط بوش ـ باولسون عرضت على المرشح أوباما الذي أيدها قبل تقديمها إلى الكونغرس. حلّ وزير الخزانة تيم غيثنر محلّ هنري باولسون الذي كان يعمل معه منذ بضعة أشهر. بدأ غيثنر مساره المهني كـ«عبد» لهنري كيسنجر، وكان يكتب له النصوص الاقتصادية. باختصار، التغيير غير موجود إلا في شعارات باراك أوباما.

ترى لجنة المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، التي تديرها المؤرخة كريستينا رومر، أنّ الحرب على العراق قد أدّت إلى الأزمة المالية. وهي لم تقدّم الكثير للأنغلوساكسونيين، لكنّها أوقعتهم تحت ثقل مديونية هائلة. وفق السيدة رومر، المتخصصة في أزمة العام 1929، فالحرب ليست حلاً للأزمة بل أحد أسبابها. تعارض السيدة رومر التحليلات التقليدية لزملائها من مؤرخي الاقتصاد، فتؤكّد أنّ الحرب العالمية الثانية ليست هي التي سمحت للولايات المتحدة بالخروج من أزمة العام 1929، ولا هي خطة روزفلت الجديدة، بل تدفّق رؤوس الأموال الأوروبية بدءاً من العام 1936 و«تصاعد المخاطر».. من المناسب إذاً استثارة ظاهرة مماثلة اليوم.

من جانبها، تهتم لجنة البيت الأبيض للنهوض الاقتصادي، التي ترتبط بالسلطات البريطانية، بالاستفادة من الأزمة لإعادة هيكلة الشركات عابرة القومية والسماح لها بشراء أكبر قدر من الشركات بثمن زهيد. لقد اختبر الفرنسيون المذاق المرّ لتوصيات تلك اللجنة مع إغلاق مصنع كارتربيلر في غرونوبل.

لقد أصبحت أمور كهذه بيد مجلس الأمن القومي الأمريكي حيث يشرف هنري كيسنجر وشريكه السابق برينت سكوكروفت يومياً على اتخاذ القرارات. وفي حين يتمّ إلهاء الرأي العام بالنقاش حول اختلاف لون جلد بوش وأوباما، يواصل الأفراد أنفسهم ممارسة السلطة وبالأسلوب نفسه.

بصورة مجسّدة، أثناء الأشهر المنصرمة، وجّه الأنغلوساكسونيون سياسة «زبائنهم» كي يعيدوا ضخّ الأموال في النظام المصرفي العالمي. وقد اضطرت الدول والشعوب، إلى دفع خسارات المصرفيين الأنغلوساكسونيين. في بعض الحالات، قامت الدول بتأميم ـ جزئي أو كلي ـ للمصارف، وخلقت بذلك معادلاً للصناديق السيادية للدول النفطية. إذن، تمت المصادقة على نظام المضاربة، أصل الأزمة، وأصبحت الدول هي الفاعل المباشر.

لإنقاذ مستوى حياة الأنغلوساكسونيين، تم اتخاذ ثلاثة قرارات:

- زيادة إمكانات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لاعتصار العالم الثالث. كانت البلدان الفقيرة أوّل من ساهم في تعويم الأغنياء..

- افتتح السباق لإرغام رؤوس الأموال المودعة في مصارف البلدان خارج مجموعة العشرين على الهجرة إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. لتحقيق ذلك، أعلن الأنغلوساكسونيون و«أحمقهم المفيد» نيكولا ساركوزي «نهاية السرية المصرفية»، أي نهاية حماية الحياة الخاصة. ومن البديهي أنّ كل أشكال التهرب الضريبي والتجاوز ستستطيع الاستمرار مثل السابق، شرط أن تتمّ في حماية المصارف الأنغلوساكسونية، في باهاما أو الجزر الإنكليزية المقابلة للنورماندي. لاشكّ أنّ السويسريين سيكونون أول ضحايا هذا الابتزاز الكبير.

- أخيراً، خطّط الأنغلوساكسونيون لزعزعة استقرار البلدان الغنية لإرغام رؤوس الأموال المتواجدة فيها على الهجرة. تمّ إجراء اختبار في اليونان بالقياس الطبيعي، فقد حملت المخابرات الأمريكية والبريطانية أوغاداً تمّ تجنيدهم في كوسوفو وألبانيا بالحافلات لتحطيم مراكز مدن في اليونان. وشهدنا على الفور هروباً لرؤوس الأموال.

 

الإمبراطورية.. إلى الهلاك

• هل سيؤدي تطور الأزمة الاقتصادية إلى انحدار سريع ومستدام لموقع الولايات المتحدة في العالم؟

السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة تدار اليوم على أيدي سياسيين وعسكريين، لا على أيدي اقتصاديين.. لقد اختارت واشنطن الهروب إلى الأمام. أكّد هنري كيسنجر بأنّ الأزمة فرصةٌ ممتازة لإنجاز العولمة بالاستفادة من ضعف كلّ معارضيها. في رأيي، تعود هذه الطريقة في التفكير إلى هذيان السلطة. لقد دفع هذا المنطق أكثر من إمبراطورية إلى الهلاك. تريد واشنطن الخروج من أزمتها عبر إعادة قولبة العالم وفق مصلحتها، لكن دون أن تتغير هي نفسها. لابدّ أن يؤدي ذلك إلى قطيعة فظة.

يريد منطق الإمبراطوريات أن يبدأ كل شيء بتمرد التوابع وإيقاظ القوى النابذة. ربما يكون ذلك اشتباكاً في الناتو أو في الاتحاد الأوروبي، تليه اضطراباتٌ داخلية في الولايات المتحدة الأمريكية وانشقاقات. لسنا هنا أمام توقّع، بل أمام استنتاج نتج عن تطبيق النماذج التاريخية على الوضع الحالي. أكتفي بتوصيف الاتجاه الطبيعي للسقوط، إذ يستطيع البشر دائماً كتابة تاريخهم. لكنّ هذا الاستنتاج قابلٌ للتأكد طالما أنّ الأمريكيين يواصلون اندفاعهم ويرفضون بعناد إعادة النظر في نظامهم.

يعتقد البروفيسور إيغور بانارين، الذي يدرس الحركات الانفصالية في الولايات المتحدة منذ عقد من الزمن، أنّ تلك الحركات وصلت إلى مرحلة النضج. وهو يتوقّع حدوث أول انشقاق في العام 2010 وتفكك الولايات المتحدة في غضون خمس سنوات. يأخذ منطقه بالاعتبار نموذج تفكك الاتحاد السوفييتي وعناصر إثنية خاصة في الولايات المتحدة والنزاعات التاريخية الداخلية في المجتمعات الأنغلوساكسونية.

لن تعيش الأنظمة الألعوبة التي أقامتها واشنطن في بلدان عديدة بعد انهيار الولايات المتحدة. سوف نشهد تحولاً عميقاً في المشهد السياسي الدولي، كما حدث حين اختفى الاتحاد السوفييتي.

ربما يبدو ما نتحدث عنه سريالياً، لكن لم يكن أحدٌ يتوقّع في مطلع العام 1989 أن يختفي حلف وارسو والاتحاد السوفييتي أواخر العام 1991.

 

بين السلف.. والخلف

- إلى أي حدّ سيؤثر هذا التطور في المديين القصير والمتوسط على القوة العسكرية للولايات المتحدة، وما هي العواقب؟

في الوقت الراهن، لاتزال الولايات المتحدة موجودة. في الحياة البرّية، يكون الحيوان الجريح أكثر خطورةً من الحيوان السليم. نحن نجهل إن كان قادة الولايات المتحدة قادرين على إظهار رباطة الجأش التي أبداها ميخائيل غورباتشيف وفريقه وهم يشهدون موت وطنهم.

باراك أوباما ابن باحثة اجتماعية عملت في برامج مناهضة التمرد في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سي آي إيه في إندونيسيا، درس على يد زبيغنييف بريزينسكي في جامعة كولومبيا، لذلك فإنّ ميله الشخصي سيوصله تلقائياً إلى تفضيل الأعمال السرية. وكلّ شيء يدفع إلى الظنّ بأنّ واشنطن تحضّر حالياً مثل هذه الأعمال، لاسيما في أمريكا اللاتينية.

على كلّ حال، نحن نلاحظ أنّ الولايات المتحدة تقوم بعمليات عدوان جديدة. على سبيل المثال، نهبت مجموعات من الكوسوفيين، دربتهم السي آي إيه، مدناً يونانية. كذلك، قامت الأجهزة السرية الرومانية، التي دربتها السي آي إيه، بمحاولة الاستيلاء على السلطة في مولدافيا.

أياً كان الأمر، فمعظم المحللين يعتقدون أنّ جورج دبليو بوش لم يمارس واقع السلطة أبداً، بل كان آخرون خلفه يتكفلون بها. في الولايات المتحدة، السلطة ملك العسكريين أولاً، ويتوجب عليهم مواجهة الأزمة المالية. ينقصهم نحو ربع الموارد اللازمة لتنفيذ ميزانية الدفاع للعام 2009. وهذا يعني أنهم سيجرون اقتطاعات هائلة في الميزانيات الاعتيادية.

في البداية، اختار روبرت غيتس ومعاونوه برينت سكروكروفت وهنري كيسنجر عدم تجديد عقود مرتزقة في العراق وتوقيف برامج التسلّح الهائلة. ثمّ توجّب اتخاذ قرار بتعليق «الدرع المضاد للصواريخ» والإبقاء على «قوة الردع النووية». تمّ تقديم ذلك كلّه بوصفه بادرة حسن نية في مواجهة روسيا ومبادرةً أحاديةً من أجل عالم خال من القنابل النووية. لكنّ ذلك لن يكفي أبداً إذا تواصلت الأزمة.

على الصعيد الاستراتيجي، نحن أمام تراجع. يبحث البنتاغون عن سبيل للخروج من العراق مرفوع الرأس ويحاول تمرير الجهد الأفغاني ـ الباكستاني لحلفائه. وهو عالقٌ في فخّ تفكّك باكستان.

 

التآمر على إيران

• كيف ستتطور علاقات البلدان الغربية مع إيران والصراع الذي تقيمه القوى العسكرية، لاسيما إسرائيل، ودعم فرنسا المتحمّس بصدد «التهديد النووي» الإيراني؟

لم يكن مشروع الهجوم على إيران يستجيب إلاّ لأجندة مناصري إعادة تشكيل الشرق الأوسط الكبير، أي اللوبي النفطي والحركة الصهيونية. لقد اخترع المحافظون الجدد أسطورة البرنامج النووي العسكري الإيراني وكرّرتها صحافةٌ ساذجة، مثلما كرّرت أسطورة أسلحة الدمار الشامل لدى صدّام حسين.

وفي حين أننا لامسنا قصف مواقع إيران النووية، استبعد أولئك الذين أطلقت عليهم تسمية «الجنرالات المتمردين» هذا الخيار في كانون الأول 2007. لقد وضع أوباما نفسه في خدمتهم في العام 2008، كما أعلن الجنرال كولن باول، وساعدوه على المجيء إلى البيت الأبيض. لم يعد هنالك إذن أي سبب للاعتقاد بأنّه ستتم برمجة الهجوم على إيران.

تتم المناقشات بين واشنطن وطهران في عدة قنوات متزامنة وقد بلغت مرحلةً متقدمة جداً. إنّ البنتاغون يحتاج إلى مساعدة الإيرانيين في العراق وأفغانستان. إضافةً إلى ذلك، يتوجب على واشنطن إغواء طهران لإبعادها عن موسكو ومنع توسع النفوذ الروسي في الشرق الأوسط.

من المثير للكرب أن نسمع نيكولا ساركوزي وبرنار كوشنير يهاجمان إيران، في حين أنّ سادتهما الأمريكيين لم يعودوا يحتاجون لنباحهم في هذا الاتجاه.

كما أنّه لمن الفظاظة بمكان أن نسمع القادة الإسرائيليين يواصلون تهديد إيران في حين أنّه ليست لديهم الإمكانيات للتنفيذ. بدعم من إدارة بوش، خططت تل أبيب لقصف إيران أثناء الألعاب الأولمبية. كانت إسرائيل قد استأجرت قاعدتين جويتين في جورجيا ووضعت فيهما قاذفاتها. من الناحية التقنية، كان بمقدورها أن تجعلها تقلع من تبليسي لقصف أهداف في إيران وإعادتها إلى فلسطين المحتلة، في حين أنّ تنفيذ مثل هذه العملية انطلاقاً من فلسطين المحتلة مستحيل نظراً للمسافة ولقدرة الطائرات على الطيران. والحال أنّ روسيا، التي وقّعت اتفاقيةً دفاعية مع إيران تدخّلت ما إن تمكّنت من ذلك لتدمير المنشآت الإسرائيلية في جورجيا ولم يصدر عن الولايات المتحدة أي ردّ فعل. بل هنالك ما هو أكثر وضوحاً. فقد ردّت السلطات الروسية على التصريحات الإسرائيلية الأخيرة مذكّرةً بأنّ التقنيين في محطة بوشهر النووية هم كلّهم من الروس. بعبارات أخرى، فإنّ قصف المنشآت النووية الإيرانية يعني قتل مواطنين روس وحرباً على روسيا.

 

مخاوف الحلفاء الصغار

• ما هي عواقب الأزمة الاقتصادية العالمية على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ هل ستواصل الأنظمة العربية الحليفة لواشنطن سياسة انحيازها على الرغم من كراهية شعوبها للولايات المتحدة؟ وما انعكاس كل ذلك على المسألة الفلسطينية؟

في الشرق الأدنى وغيره، لم تعد واشنطن تمتلك أدوات تنفيذ سياستها ويتوجب على موظفيها التفكير في تغيير خطط مستقبلهم.

إنّ إدارة أوباما تعتقد أنها قادرةٌ على القضاء على الأزمة الاقتصادية، لذلك قرّرت تجميد الشرق الأدنى لوقت يكفي لمعافاة اقتصادها. إذن، فأتباعها متأكدون من البقاء في مناصبهم على المدى القصير. لكنّ العديد منهم يعتقدون بأنّ الولايات المتحدة لن تنهض مجدداً وبأنها ستتخلى عنهم مثلما تخلى الاتحاد السوفييتي المريض عن الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية. من هنا تنبع رغبة بعض الفاعلين في التفاوض على تسويات مع محور طهران ـ دمشق ـ حزب الله ـ حماس طالما أمكنهم ذلك. لكّن الأمر يتعلّق حالياً بالموقف الفردي لبعض الانتهازيين، لا بتحول للأنظمة.

كي يصل باراك أوباما إلى البيت الأبيض، شكّل تحالفاً خليطاً، يتضمن جنرالات قوميين يرفضون شن حروب لخدمة المصالح الإسرائيلية مثلما يتضمن الزمرة «الواقعية» في الحركة الصهيونية. هذا التحالف يعي أنّه يمكن أن يتشظى حول المسألة الإسرائيلية وأنّ كلاً من مكوناته مرغمٌ إذن على تقديم تنازلات والتوصل إلى اتفاق.

سوف يبقى الحفاظ على الاستيطان اليهودي في فلسطين هدفاً أساسياً للولايات المتحدة، لكنّ الإسرائيليين لا يستطيعون توقّع أية مساعدة تتجاوز ذلك الهدف. هم لا يستطيعون القيام بأية عملية عسكرية في هذه المرحلة. وقد أطاعوا إدارة أوباما حين فرضت توقيف العمليات ضد أهل غزة قبل بداية حفل تنصيبه كحدّ أقصى.

ينبغي الآن النظر إلى الأمور من زاوية أخرى: كيف ستتمكن واشنطن من مواصلة حماية الاستيطان اليهودي لفلسطين إذا قلبت ثوراتٌ شعبية الحكومة المصرية والسلطة الفلسطينية؟

 

اختبارات «ديمقراطية»

• كيف تقيّم الصدام بين إيران وبلدان الاتحاد الأوروبي التي حضرت مؤخراً اجتماع دوربان /2/ الذي عقدته الأمم المتحدة؟

تمثّل أحد الرهانات الكبرى لمؤتمر دوربان في توصيف الصهيونية. في العام 1975، تبنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قراراً يؤكّد بأنّ «الصهيونية شكلٌ من أشكال العنصرية والتمييز العنصري». أثناء مؤتمر مدريد حول السلام في الشرق الأوسط، ألغت الجمعية العمومية هذا القرار إكراماً لموقف إسرائيل الجديد. بعد أربع سنوات، وضع اغتيال إسحاق رابين على يد متطرّف يهودي حداً لكل أمل في السلام. ومنذ ذلك التاريخ، أصبح ضرورياً إعادة العمل بقرار العام 1975 لمحاربة هذه الكارثة، وهو ما تمت محاولته في دوربان /1/ وينبغي أن يتم في دوربان /2/.

لقد تبنى الأمين العام للأمم المتحدة موقفاً مسبقاً يتمثّل في القول إنّ كل الدول الأعضاء تكافح العنصرية، وبالتالي فإنّ أياً منها ليست عنصرية. وقد قرّرت الولايات المتحدة، التي تتذكّر كيف أهين وزير الخارجية كولن باول في دوربان /1/، مقاطعة المؤتمر. وعيّنت فرنسا سفيراً خاصاً هو الصهيوني فرانسوا زيمراي لتخريب المؤتمر علاوةً على أمينة حقوق الإنسان راما ياد التي كرّست لذلك كلّ طاقتها. وقد تشاورت عدّة حكومات مسبقاً لمغادرة الصالة أثناء خطاب الرئيس الإيراني، ونفّذ سفراؤها ذلك.

شهدنا حينئذ مشهداً خارقاً. فقبل أن يتمكّن الرئيس الإيراني من إكمال جملته الأولى، أثار ثلاثةٌ من أعضاء اتحاد الطلاب اليهود في فرنسا متنكرون على شكل مهرجين بلبلةً في الجلسة. ثمّ تواصل العرض، حيث غادر سفراء الاتحاد الأوروبي الصالة. كما بذلت كل الجهود كيلا يطّلع الجمهور الغربي على أقوال الوفد الإيراني.

لكن ما الذي قاله الرئيس أحمدي نجاد؟ لم يدع إلى شطب إسرائيل من الخريطة ولم ينكر إبادة اليهود. كما أنّه لم يفعل ذلك أبداً على عكس ما تنسبه إليه كذباً الصحافة الأطلسية.

لا. لقد قدّم عناصر للتفكير. في رأيه، فتأسيس دولة إسرائيل ليس تعويضاً عن الجرائم المرتكبة ضد يهود أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية، بل استمرارٌ للإيديولوجيا العنصرية التي لا تميّز النازية فحسب، بل كذلك الاستعمار. كان يهود أوروبا ضحايا للعنصرية، مثلما أنّ الفلسطينيين والأفغان والعراقيين هم اليوم ضحايا لها.

بعد طرح ذلك، شجب محمود أحمدي نجاد دور مجلس الأمن في مجال عدم معاقبة الجرائم العنصرية المرتكبة في فلسطين وأفغانستان والعراق. وخلص إلى المطالبة بإلغاء حقّ الفيتو الممنوح للقوى العظمى في مجلس الأمن. لقد دعا لإقامة مؤسسات دولية ديمقراطية، تتمتع فيه كل دولة بصوت مساو. من جانب آخر، فإنّ موقف الأنغلوساكسوفونيين والأوروبيين، الذين قاطعوا المؤتمر وأزعجوه أثناء إلقاء خطابه وغادروا الصالة، يشهد على رفضهم لمؤسسات ديمقراطية ويثبت صحة موقف الرئيس الإيراني.

آخر تعديل على الخميس, 28 تموز/يوليو 2016 10:31