ترجمة هزار محمود ترجمة هزار محمود

عين أوباما على الصين 2/2

نشرت قاسيون في العدد السابق جزءاً من بحث هام يبحث في محاولة الولايات المتحدة الامريكية احتواء تنامي الدور الصيني على المستوى الدولي، عبر آليات متعددة ومسارات مختلفة، رغبة منها في استمرار هيمنتها على المستوى الدولي، وفي هذا العدد تستكمل قاسيون نشر أجزاء من المادة نظراً لأهميتها الاستراتيجية.

الدفاع الأمريكي الهندي

« سياسة النظر نحو الشرق »

لقد كان وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا في الهند في شهر حزيران من هذا العام، حيث زعم أن التنسيق الدفاعي مع الهند سيكون العمود الفقري لاستراتيجية الولايات المتحدة الأمنية في قارة آسيا، متعهداً بتقديم العون لتطوير مقدرات الهند العسكرية، وبالارتباط بها بإنتاج مشترك للمعدات الدفاعية ذات التكنولوجيا العالية. لقد كان بانيتا وزير الحكومة الخامس الذي يرسله أوباما لزيارة الهند هذا العام، و الرسالة التي جاؤوا بها جميعا كانت بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية هي  أن علاقاتها مع الهند ستكون محورية  للقرن الواحد والعشرين.  السبب هو بروز الصين. لقد عملت واشنطن خلال عدة سنوات من إدارة بوش بخطوات رئيسية للهيمنة على الهند كحليف عسكري للولايات المتحدة ضد تواجد الصين المتنامي في قارة آسيا. وقد أطلعت الهند على هذا التوجه  «سياسة النظر شرقاً» والتي هي فعلياً  وبرغم المزاعم ، وبالنقيض، فإنها سياسة عسكرية (للنظر نحو الصين ). لقد صرحت نائبة وزير الدفاع آشتون كارتر في شهر آب 2012 في تعليقاتها بأن: «الهند تشكل أيضاً جزءاً رئيسياً من إعادة توازن الولايات المتحدة في منطقة سواحل آسيا على المحيط الهادي، ونرى  كذلك أنها أساسية  فيما يتعلق بالرخاء والأمن الأشمل للقرن الواحد والعشرين. إن العلاقات الهندية – الأمريكية هي عالمية في إطارها من مثل الترابط والتأثير بين البلدين.» وكانت الحربية الأمريكية قد أجرت أكثر من 50 نشاطاً عسكرياً أساسياً مع الهند. وتابعت كارتر في تصريحات تلت جولة إلى نيودلهي: «إن اهتماماتنا الأمنية تلتقي في الأمن البحري، عبر منطقة المحيط الهندي، و في أفغانستان  حيث قامت الهند بإنجاز الكثير من أجل النمو الاقتصادي، والقوى الأمنية الأفغانية، وفي قضايا إقليمية أوسع حيث نتشارك الرؤى في القضايا الطويلة الأمد. لقد ذهبت إلى الهند بطلب من الوزير بانيتا وبصحبة وفد رفيع المستوى من خبراء السياسة والتكنولوجيين الأمريكيين.

المحيط الهندي:

 إن تأثيرات استراتيجية البنتاغون الصينية ( سلسلة من الآلئ) ليست لآلئ رائعة وإنما هي أنشوطة جلاد حول محيط الصين، صممت في حال الصراع الكامل لقطع الصين تماما عن منافذها من المواد الخام الأساسية وعلى الأخص النفط من الخليج الفارسي وأفريقيا. لقد لاحظ مستشار البنتاغون السابق روبرت د. كابلن حالياً وبمساعدة ستراتفور بأن المحيط الهندي يتحول إلى  «مركز الجاذبية العالمي الاستراتيجي» وإن من يتحكم بذلك المركز فإنه يتحكم بأوراسيا بما فيها الصين. إن المحيط هو الممر المائي المحوري لتدفق الطاقة والتجارة بين الشرق الأوسط والصين ودول الشرق الأقصى، فهو يشكل وبطريقة أكثر استراتيجية، مركزاً لتطوير محور اقتصادي جنوبي – جنوبي بين كل من الصين وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. ازدادت التجارة بين الصين وإفريقيا منذ 1997 أكثر بعشرين مرة وكذلك تضاعفت تجارتها مع أمريكا اللاتينية  بما فيها البرازيل إلى حوالي 14 مرة في غضون عشر سنوات فقط. إن هذه الحيوية  إذا ما سمح لها أن تستمر سوف تحجب  الحجم الاقتصادي للاتحاد الأوروبي بالإضافة كذلك إلى تقلص الصناعات الاقتصادية لأمريكا الشمالية في أقل من عقد من الزمن. إنه لتطور يجعل من مراكز القرار في واشنطن والوال ستريت أكثر تصميماً على منعه مهما كلف الأمر، فمن خلال امتطاء الركب الإسلامي والذي يمتد من الصومال إلى أندونيسيا  ماراً عبر دول الخليج وأسيا الوسطى، فإن المنطقة المحيطة بالمحيط الهندي قد أصبحت المركز الاستراتيجي العالمي الجديد للجاذبية بشكل مؤكد . ليس هناك من مجال للسماح لأي كتلة اقتصادية منافسة بتحدي الهيمنة الأمريكية. مستشار أوباما الجيوسياسي السابق زبغينو بريجنسكي، وهو تلميذ لجيوسياسية ماكيندرما زال اليوم مواصلاً مع هنري كيسنجر وهو واحد من أكثر الأشخاص تأثيراً في بناء قوة الولايات المتحدة الأمريكية، موجزاً الموقع من وجهة نظر واشنطن في كتابه لعام 1997 ( رقعة الشطرنج العظمى، الصدارة الأمريكية وأساسياتها الجيوسياسية ):«إنه من الضروري عدم السماح ببروز قوى في أوراسيا تمتلك القدرة على الهيمنة عليها وبالتالي القدرة على تحدي أمريكا. ولذلك فقد كان هدف الكتاب هو صياغة  استراتيجية – جغرافية شاملة ومدمجة لأوراسيا: فأوراسيا هي الجائزة الجيوسياسية الرئيسية بالنسبة لأمريكا.... إن الصدارة العالمية الأمريكية معتمدة بشكل مباشر على طول المدة وكيفية التأثير لثبات تفوقها على قارة أوراسيا. وفي هذا السياق: فكيفية إدارة أمريكا لأوراسيا هو أمر أساسي.«أوراسيا هي قارة العالم الأضخم والتي تشكل محوراً جيوسياسياً. إن القوة التي تهيمن على أوراسيا سوف تتحكم بإثنين من أكثر ثلاث مناطق في العالم متقدمة ومنتجة اقتصادياً. إن مجرد إلقاء نظرة نحو الخريطة يشير بأن التحكم بأوراسيا سوف يستلزم على الأغلب بشكل آلي التبعية الإفريقية مقدماً نصف الكرة الغربي وأوقيانوسيا من وجهة نظر جيوسياسية على شكل هامشي  بالنسبة للقارة الرئيسية في العالم. إن حوالي %75 من سكان العالم يعيشون في أوراسيا، وكذلك هناك تتواجد معظم الثروة الفيزيائية العالمية، في كل من شركاتها وتحت تربتها. تشكل قارة أوراسيا نسبة %60 من الناتج الإجمالي المحلي العالمي وحوالي ثلاثة أرباع مصادر الطاقة المعروفة عالمياً. لقد توج المحيط الهندي بما يطلق عليه البعض القوس الإسلامي للدول الممتدة من شرق إفريقيا إلى أندونيسيا عبر طريق دول الخليج الفارسي وآسيا الوسطى. إن صعود نجم الصين وقوى آسيوية أصغر عبر العقدين الماضيين منذ نهاية الحرب الباردة قد تحدت هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على المحيط الهندي للمرة الأولى منذ بداية الحرب الباردة. وبينما تراجع التأثير الاقتصادي الأمريكي بشكل اندفاعي عالمياً وخصوصاً في السنوات الماضية  فقد ارتفع تأثير الصين بشكل مميز، حيث بدأ البنتاغون بإعادة التفكير بتواجدها الاستراتيجي في المحيط الهندي. إن سياسة أوباما (المحور الآسيوي) قد تركزت على التأكيد على تحكم البنتاغون الخادع بالممرات البحرية على المحيط الهندي ومياه بحر الصين الجنوبي. إن القاعدة العسكرية الأمريكية في أكيناوا والتي تبدأ اليابان بإعادة بنائها كمركز أساسي لتفعيل القوة العسكرية للولايات المتحدة تجاه الصين، كما في 2010 فقد كان هناك أكثر من 135 ألف عنصر عسكري أمريكي قد تركزوا في اليابان  إضافة إلى 5500 مواطن مدني أمريكي آخر قد تم نشرهم هناك من وزارة الدفاع الأمريكية . ويستقر الأسطول الأمريكي السابع في يوكوسوكا، وكذلك القوات البحرية الاستطلاعية الثالثة في أوكيناوا. و اتخذت 130 قوة أمريكية مقاتلة من القاعدة الجوية ميساوا مركزا لها والقاعدة البحرية كادينا. لقد بدأت الحكومة اليابانية في 2011 ببرنامج تسليح مصمم لمواجهة تهديد الصين المتزايد والمدرك. وقد اقترح الضباط اليابانيون على قيادتهم تقديم عريضة للولايات المتحدة الأمريكية للسماح ببيع الطائرات النفاثة القتالية رابتور حالياً بشكل غير شرعي وفقا لقوانين الولايات المتحدة. كما رسخت القوة العسكرية الأمريكية تحالفاتها الاستراتيجية مع كوريا الجنوبية، وأكثر من 145 ألف جندي أمريكي قد تركزوا الآن في كوريا الجنوبية. إن هذه المساعي الأمريكية والكورية الجنوبية تعود إلى التحديثات العسكرية لكوريا الشمالية. وقد شجبت كل من الصين وكوريا الشمالية  ذلك على أنه استفزاز لا ضرورة له. وتحت غطاء حرب الولايات الأمريكية على الإرهاب فقد طورت اتفاقيات عسكرية هامة مع الفلبين وكذلك مع الجيش الأندونيسي. تشكل القاعدة العسكرية في ديغو غارسيا المحور الأساسي للسيطرة الأمريكية عبر المحيط الهندي. ففي عام 1971 قامت القيادة العسكرية الأمريكية بإخلاء منطقة ديغو غارسيا من المواطنين لإنشاء تنصيب عسكري رئيسي هناك للقيام بمهمات ضد العراق وأفغانستان.

 إن لدى الصين نقطتي ضعف رئيسيتين: مضيق هرمز في مدخل الخليج الفارسي ومضيق مالاكا بجانب سنغافورا. فحوالي %20 من نفط الصين يمر عبر مضيق هرمز و حوالي %80 من واردات الصين النفطية تمر عبر مضيق مالاكا بالإضافة إلى تجارة الشحن الرئيسية. وفي سعيها لمنع الصين من الصعود بنجاح كمنافس اقتصادي أساسي للولايات المتحدة في العالم، فقد أطلقت واشنطن ما يسمى: الربيع العربي في أواخر 2010. في حين تبدو مطامح الملايين من المواطنين العرب العاديين في تونس وليبيا ومصر ومناطق أخرى للحرية والديمقراطية حقيقية، فقد تم استخدامهم بشكل مؤثر كذخيرة مدفع غير مقصودة لإطلاق العنان لاستراتيجية الولايات المتحدة من الفوضى وحروب وصراعات إسلامية داخلية عبر كامل عالم النفط الاسلامي الغني من ليبيا في شمال إفريقيا ممتداً إلى سورية وبشكل حتمي إيران في الشرق الأوسط. إنها استراتيجية الولايات المتحدة ضمن دول الامتداد الإسلامي للوصول إلى المحيط الهندي التي وصفها المحلل الاستراتيجي محمد حسن على  الشكل التالي: «إن الولايات المتحدة تسعى للتحكم بهذه المصادر لمنعهم من الوصول إلى الصين. لقد كان هذا هدفاً أساسياً للحروب في العراق وأفغانستان، إلا أن هذا تحول إلى فشل رهيب. لقد دمرت حكومات الولايات المتحدة هذه الدول لكي تنصب حكومات هناك والتي قد تكون منصاعة إلا أنهم فشلوا. وبعد ذوبان الجليد وانجلاء الصورة تبين أن الحكومات الجديدة في كل من العراق وأفغانستان تعقد علاقات تجارية مع الصين. وبذلك فإن بكين لم تكن بحاجة لإنفاق مليارات الدولارات على حرب غير شرعية وذلك لكي تضع يدها على ذهب العراق الأسود. فقد اشترت الشركات الصينية بكل بساطة التنازلات النفطية في مزادات علنية بشكل كامل ضمن القوانين. إن استراتيجية الولايات المتحدة قد فشلت على كل الأصعدة ورغم ذلك ما زال هناك خيار واحد مفتوح للولايات المتحدة: تعزيز الفوضى لكي تمنع تلك الدول من تحقيق الاستقرار لمصلحة الصين. وهذا يعني استمرار الحرب على العراق وأفغانستان وامتدادها لدول مثل إيران واليمن والصومال.

الجزء الخامس: بحر الصين الجنوبي:

إن إكمال سياسة البنتاغون ( سلسلة من الآلئ ) والتي تشكل قيدا حول الصين لقطع الطاقة الحيوية وغيرها من الواردات في حال حدوث الحرب حوالي  2012، والتي ركزت حول ازدياد دور الولايات المتحدة التضليلي بمجريات الأحداث في بحر الصين الجنوبي. لقد قدر وزير الموارد الجيولوجية والتعدين في جمهورية الصين الشعبية بأن بحر الصين الجنوبي قد يتضمن 18 مليار طن من النفط الخام ( وبمقارنة  مع الكويت بـ 13 مليار طن) ويشير التقدير الأكثر تفاؤلاً إلى أن الموارد النفطية (الكامنة) (ومن دون التأكد من الاحتياطي) لجزر سبرتلي وبارسيل في بحر الصين الجنوبي من الممكن أن يصل ارتفاعها حوالي 105 مليارات برميل من النفط، وبذلك فإن الإجمالي بالنسبة لبحر الصين الجنوبي قد يصل إلى ارتفاع بمقدار 213 مليار برميل. إن تواجد مثل هذه الاحتياطات الضخمة من الطاقة لم يصبح قضية أمنية أساسية للطاقة  بالنسبة للصين بشكل مفاجئ. فقد قامت واشنطن باختراقات مدروسة في السنوات الماضية لتخريب تلك الشؤون الصينية  مستخدمة فيتنام بشكل خاص كإسفين ضد استكشاف النفط الصيني. فقد أقر المجلس الوطني في فيتنام  في شهر تموز من عام 2012 قانوناً لترسيم الحدود البحرية لضم جزر سبرتلي وبارسيل . لقد أصبح تأثير الولايات المتحدة على فيتنام ذا دور تخريبي منذ انفتاح البلاد على التحرر الاقتصادي.

بدأت القوات العسكرية الأمريكية بالتعاون مع فيتنام في عام 2011 متضمنة تدريبات عسكرية «سلمية» مشتركة. وقد دعمت الولايات المتحدة كلاً من الفلبين وفيتنام في مزاعمهم الإقليمية ضد ادعاءات صينية حول أراضٍ في بحر الصين الجنوبي، مشجعة هذه الدول الصغيرة ألا تنشد أي حل دبلوماسي.  في عام الـ 2010 دخل المتخصصون النفطيون  من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة في مناقصة للاستكشاف في بحر الصين الجنوبي. إن المناقصة من تشيفرون في بريتش بتروليوم قد أضيفت إلى تواجد شركة بتروليوم الأمريكية المتمركزة في أناداركو في المنطقة. هذه الخطوة الأمريكية أساسية لإعطاء واشنطن الذريعة لـ ( دفاعنا عن قضايا النفط ) في المنطقة . وفي شهر نيسان 2012 دخلت السفينة الحربية الفلبينية جورجيا ديل بيلار في مواجهة مع مركبي استطلاع صينيين في سكاربور شوال، وهي منطقة يزعم كلا البلدين ملكيتها. كانت البحرية الفلبينية  تحاول أن تعتقل صيادين صينيين كانوا يقومون بأخذ قطع بحرية محمية من الحكومة بشكل مزعوم من المنطقة، إلا أن قوارب الاستطلاع الصينية منعتهم من ذلك. كما أقامت الولايات المتحدة والفلبين في 14 من شهر نيسان 2012 تدريباتهم السنوية في بالاوان في الفلبين. ودعا نائب وزير الخارجية الصيني فو ينغ في 7 أيار 2012 إلى اجتماع مع ألكس تشو المسؤول القائم بأعمال السفارة الفلبينية في الصين، وذلك لتقديم توضيح جدي حول الحادثة التي وقعت في سكاربور شوال. من كوريا الجنوبية إلى الفلبين إلى فيتنام فإن البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية  يقومان بتأجيج الصراع حول الحقوق في بحر الصين الجنوبي و التدخل بخلسة للتواجد العسكري الأمريكي هناك لـ «الدفاع» عن قضايا الفيتناميين واليابانيين والكوريين والفلبينيين. إن القيود العسكرية التي ترسم حول الصين تزداد ضيقاً شيئاً فشيئاً. وبينما تبدأ المنافذ الصينية للمصادر الضخمة من النفط والغاز التقليدي الخارجي بالتناقص، فإن واشنطن كانت تحاول بشكل فعال إغواء الصين إلى محاولات مكثفة لاستكشاف الغاز الصخري داخل الصين، والأسباب لا علاقة لها بالنوايا الجيدة للولايات  المتحدة مع الصين. لقد كانت في الواقع سلاحاً رئيسياً آخر في تدمير  الصين وحالياً عبر صيغة الصراع البيئي.