بعد غزو ليبيا.. التجارة بالاقتصاد الأسود تزدهر
منذ العصر الروماني كانت الصحراء الليبية طريقاً مشهورة وممراً لتهريب مختلف أنواع البضائع غير المشروعة، وبعد وقت قصير من سقوط معمر القذافي تدهورت البلاد بشكل خطير حيث يزيد عدد المسلحين في الميليشيات المسلحة المتنوعة عن عدد القوات الحكومية المعترف بها رسمياً.
بقلم: «ساوث فرونت»
ازدهرت أعمال التهريب والتجارة غير المشروعة، وشبكات الجريمة المنظمة أصبحت أكثر تعقيداً، وتغذي عدم الاستقرار في المنطقة كلها، وعن طريق عائدات هذا النشاط يتم تمويل الميليشيات العسكرية، والمنظمات الإرهابية التي تتحرك بحرية، وتساهم في هذه النشاطات ليس داخل ليبيا فقط وإنما تتجاوز الحدود إلى مالي..
300 مليون دولار من الإتجار بالبشر
لتصبح ليبيا أهم محور في الإتجار بالبشر، وتقدر قيمة هذا النشاط في البلاد بـ300 مليون دولار في السنة. وهو أكثر ربحاً من أشكال التهريب الأخرى، لتجذب أيضا العديد من الجماعات الإرهابية لممارسة هذا النشاط، وخاصة في الجزء الشمالي من البلاد بالقرب من المدن الساحلية.
ازداد نشاط عصابات الإتجار بالبشر وتهريب المهاجرين عن طريق طرابلس وسرت وبنغازي، ليس فقط من الشرق الأوسط وإفريقيا بل لكل الباحثين عن ملجأ آمن في أوروبا حتى خرجت أعدادهم عن السيطرة وبلغت مئات الآلاف، وعبر هذا القطاع تنشط جماعات مثل داعش، وتعتبر الطريق الليبية أخطر الطرق، حيث يغرق الكثير من اللاجئين في البحر، وتبلغ تكلفة المرور إلى ليبيا 1000 دولار، ومنها إلى أوروبا عبر البحر 2000 دولار وعادة ما يتعرض المهاجرون إلى الاعتداء الجسدي والجنسي، ويتم إجبارهم على العمل لعدة أشهر في محطات وسيطة طول طرق التهريب، وهو إجراء شائع للغاية.
2 مليار دولار
من الكوكايين والقنب وغيره..
يضاف إلى ازدهار تجارة الأسلحة والمخدرات والأدوية المحرمة والسلع الاستهلاكية المزيفة ونقل المهاجرين، ما تشير إليه التقديرات بأن 20 طناً من الكوكايين تدخل أوروبا عبر هذا الطريق، والربح يمكن أن يصل إلى أكثر من 1 مليار دولار سنوياً، لتمول العديد من الجماعات المسلحة نشاطها من تجارة القنب والكحول والتبغ عبر مالي لتحقق بدورها أيضاً أرباحاً سنوية قدرها 1 مليار دولار.
عتاد الجيش الليبي.. وسوق الأسلحة
ارتفعت تجارة الأسلحة غير المشروعة وفقا لبعض التقديرات، وهي تستند إلى ما كانت تحوزه القوات الليبية من عتاد، حوالي 700 ألف سلاح ناري 75٪ منها أسلحة هجومية، حيث تم نهب ثكنات الجيش ومخزونات الأسلحة، ما أدى إلى دوران تجارة الأسلحة الهجومية عبر شمال أفريقيا، بقيمة تقريبية 30 مليون دولار سنوياً.
نهبت المجموعات المسلحة مخازن الدولة الليبية من بنادق «AK-47» مع ذخائرها ودبابات «T-55» العائدة للحقبة السوفييتية، ومجمل هذه المجموعات تعمل في مجال الجريمة المنظمة وقد حظيت بتمثيل سياسي في السلطة الجديدة، بعد تأسيس حزب الإخوان المسلمين «حزب العدالة والبناء» عام 2012.
ويتم نشر عدم الاستقرار والجريمة في المجتمع الليبي بسبب عاملين: الأول هو فراغ السلطة وعدم وجود حكومة قوية وقوات تمنع عمل الجماعات المسلحة المختلفة، والثاني هو الوضع غير المستقر في شمال مالي رغم العملية الفرنسية لمحاربة الإرهاب الذي يجد لنفسه مأوى في ليبيا، حيث تنتشر جماعات وميليشيات إرهابية مسلحة مختلفة تشارك في الأعمال السابقة أقدمها تنظيم القاعدة في المغرب، الذي يعتمد على النشاط الإجرامي كمصدر دخل رئيسي، وتختلف عن غيرها بممارسة أعمال الخطف والابتزاز، وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا التي تنتشر في الجزائر ومالي وشمال ليبيا أيضاً تتاجر هذه الجماعة بالأسلحة والتبغ، ولها شركة مستقلة هي (شركة المرابطين) المتصلة مع عصابات تهريب المخدرات والكوكايين. ويمكن تصنيف منشأ المجموعات المتواجدة من «الكتائب الثورية» التي ظهرت بسرعة في المراحل الأولى من الحرب وجمعت وحدات قتالية تبدي قدرة عالية من الخبرة والتنظيم، بالإضافة إلى «ألوية غير منظمة» المنفصلة عن المجالس العسكرية المشكلة، و«كتائب ما بعد الثورة» التي تشكل تمثيل قبلي بمعظمها، بالإضافة إلى «الميليشيات» التي عادة ما تكون تشكل من عتاة المجرمين وقطاع الطرق والمتطرفين.
الجماعات المسلحة الرئيسية في ليبيا
في ليبيا اليوم أكثر من 12 مجموعة مسلحة مرتبطة بالحكومة الجديدة، أو مناهضة لها، أغلبها تشكل منذ عام 2011، ولجزء هام منها علاقات مواضحة مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، حيث نشوئها. تتقاسم هذه المجموعات جغرافية البلاد، ومواضع النفوذ والمال فيها، وجزء هام منها مرتبط بالحكومة، وبجماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر تمثيل سياسي لبعض الجماعات، ومجملها تنشط في العمال الإجرامية، ليختص بعضها بمناطق النفط، وتتقاسم (أمن الحدود)، ويختص بعضها بأمن الشخصيات السياسية، ويترأس إحداها معتقلين سابقين في غوانتانامو..
داعش في ليبيا.. خطة بديلة
ظهر تنظيم داعش في ليبيا في عام 2015، عندما أعلن تواجده في منطقتين رئيسيتين في شمال افريقية الأولى هي سيناء المصرية، والثانية هي مدينة سرت الليبية، وعلى العكس من مصر، تبدو الأجواء في ليبيا متاحة للإرهاب، فبعد السيطرة على سرت، ظهر التنظيم أيضاً في العديد من المدن الليبية منها مصراته وبنغازي ودرنة، وأجدابيا، ومجمل هذه المدن قد تصبح أهداف محتملة ليجمع التنظيم قوت جديدة وتوسيع النفوذ والسيطرة، حيث في بلد مقسم كليبيا يصبح تكرار السيناريو السوري، لمبايعة وخضوع العديد من الميليشيات المسلحة لداعش.
بينما يتعقد الوضع في الشرق الأوسط على مشروع داعش، ليشكل مجتمع ليبيا المقسم، وإمكانياتها الاقتصادية، خطة بديلة في حال خسارة التنظيم لكل تواجده في العراق وسورية..
الفاشية تنقل ليبيا من دولة إلى (منصة انطلاق)!
تعتبر العلاقة بين الدول المنهارة، والاقتصاد الأسود، واضحة المعالم، حيث التجارة غير الشرعية الدولية، والتي كانت في التسعينيات تشكل نسبة 30% من التجارة الدولية، تحولت لاحقاً إلى واحدة من مصادر تمويل الانهيارات المالية في الأزمة المالية العالمية في عام 2008، كما أشارت دراسات اقتصادية للأمم المتحدة. وبينما يزداد تأزم المنظومة الاقتصادية العالمية، يزداد وجهها الفاشي بروزاً ليظهر توظيف الانهيارات السياسية لدول كانت قائمة، محولاً إياها مسرحاً للفوضى، ومنطقة متوترة تمنع الاستقرار في مناطق بمجملها. وتعتبر ليبيا النموذج الأبرز لذلك، حيث دخلها الناتو في آذار عام 2011، مؤدياً إلى انهيار دولتها عالية المركزية، وكانت مدة زمنية أقل من خمس سنوات كافية، ليتشكل فيها اليوم أكثر من 12 ميليشيا مسلحة تتقاسم إدارة مصادر الأموال الإجرامية ومناطق البلاد وبوابات الأعمال غير الشرعية لكل افريقيا.. وتؤدي الغرض السياسي الأهم بالإبقاء على (منصة انطلاق) محمية تتحرك منها الفاشية العالمية لتثير الفوضى من بلد لآخر..