خصخصة الحروب.. عسكر في خدمة المال
بيتير فيليبس* بيتير فيليبس*

خصخصة الحروب.. عسكر في خدمة المال

ضمن معادلة «المال يخدم السلاح.. والسلاح في خدمة رأس المال»، يبرز دور الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة في حماية الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود، وتأمين المقومات المثلى لزيادة النهب الذي تقوم به هذه الطبقة، عن طريق الإجرام العالمي، وضرب حقوق 99% من البشر، ولو اقتضت الحاجة نشر التنظيمات الفاشية في نقاط محددة من الكرة الأرضية.

إعداد وترجمة: رنا مقداد

تبدو الظواهر الفاشية غريبة عن وعي الناس. ولذلك، فهؤلاء الناس غالباً ما يستسيغون معظم ما تقدمه شركات الإعلام العالمية على مائدتهم من أكاذيب وتهويلات أسطورية عن المنظمات الفاشية في العالم. لكن ماذا لو كانت كل خطوة تخطوها الفاشية محسوبة ومدروسة؟ وماذا لو كان للفاشية وجه آخر يظهر في هيئة شبح الشركات العسكرية الخاصة؟ وأين الولايات المتحدة من هذا كله؟

دفعت عولمة التجارة والمصارف المركزية الشركات الخاصة نحو مراكز السلطة والسيطرة بشكل لم يشهد التاريخ البشري نظيراً له. ففي ظل الرأسمالية المتقدمة، تتطلب هيكلة العوائد على الاستثمارات توسعاً لا منتهياً من رأس المال المتمركز في أيدي فئة أقل وأقل من الناس، حيث بضعة آلاف منهم يهيمنون ويسيطرون على 100 ترليون دولار من الثروة العالمية.
الرأسمالية العابرة للحدود: 1%
بضعة آلاف من الناس يتحكمون بكميات رأس المال العالمية لصالح فئة تقل نسبتها عن 0.0001 من سكان العالم. إنهم يمثلون الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود «TCC»، الذين يسيطرون- بوصفهم النخبة الرأسمالية في العالم- على الدول، من خلال اتفاقيات التجارة الدولية والمؤسسات الدولية العابرة للحدود، كالبنك الدولي وبنك التسويات الدولية وصندوق النقد الدولي.
تصل الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود إلى مصالحها السياسية عبر الشبكات العالمية، مثل مجموعة «G7- السبعة الكبار»، و«G20- مجموعة العشرين»، ومختلف المنظمات السياسية غير الحكومية، كالمنتدى الاقتصادي العالمي، واللجنة الثلاثية، ومجموعة «بلدربيرغ» التي تمثل مصالح المئات الآلاف من الملايين والمليارات التي يملكها الأثرياء القابعين على رأس التسلسل الهرمي لثروات العالم، والذين لا تتجاوز نسبتهم 1% من سكان العالم.


«PMC»: مهام متعددة

تعمل الإمبراطورية العسكرية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة حلف شمال الأطلسي «الناتو» على حماية استثمارات طبقة الرأسمالية العابرة للحدود حول العالم: بالحروب، وتغيير الأنظمة، والاحتلالات، وذلك في خدمة الإمبراطورية المدعومة من المستثمرين، للوصول إلى الموارد الطبيعية ومزاياها المضاربة في السوق العالمية.
عندما تكون الإمبراطورية بطيئة في مواجهة الممانعات السياسية هنا وهناك، تظهِر شركات الأمن الخاصة، والشركات العسكرية الخاصة «Private Military Corporations- PMC» الوفاء على نحو متزايد لمطالب الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود لتحمي أصولها. وتشمل خدمات الحماية التي تؤمنها هذه الشركات حماية الأمن الشخصي للمدراء التنفيذيين التابعين لهذه الطبقة الرأسمالية وأسرهم، وحماية مناطقهم السكنية، وتقديم الاستشارات العسكرية التكتيكية، وتدريب الشرطة الوطنية والقوات المسلحة، وجمع المعلومات عن تحركات القوى السياسية وجماعات المعارضة، وإدارة نظم الأسلحة، وتأمين القوات العسكرية الضاربة الجاهزة لتنفيذ الاغتيالات.


نماذج شركات الرعب

تعتبر أزمة الجماهير اليائسة واللاجئين والقوى العاملة المغتربة والإرهاق البيئي، فرصة غير محدودة للشركات العسكرية الخاصة للمشاركة في خدمات الحماية للنخبة العالمية. وتشير التقديرات إلى أن 200 مليار دولار تصرف سنوياً على الأمن الخاص الذي بات يضم في عداده حوالي 15 مليون فرد في أرجاء العالم. تعتبر «G4S» أكبر شركة عسكرية خاصة في العالم، وفي عدادها 625 ألف موظف عبر القارات الخمس في أكثر من 120 دولة، وتسعة من أكبر شركات إدارة الأموال في العالم لديها أرصدة في «G4S»، وأهم المتعاقدين مع هذه الشركة هم حكومات الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، و«إسرائيل»، وأستراليا.
وفي القطاع الخاص، عملت «G4S» مع شركات مثل «كرايسلر» و«أبل»، و«بنك أوف أميركا». أما في نيجيريا، وللمفارقة، تعاقدت شركة «شيفرون» (شركة أمريكية متعددة الجنسيات، مقرها في كاليفورنيا، تختص في مجال الغاز والنفط وصناعات الطاقة الحرارية- المحرر) مع «G4S» لمكافحة التمرد في نيجيريا بالاعتماد على «مرتزقة الاستجابة السريعة». وتتعهد «G4S» بعمليات مماثلة في جنوب السودان، وقدمت معدات المراقبة لنقاط التفتيش والسجون والمستوطنات «الإسرائيلية» في فلسطين.
وتعد الشركة العسكرية الخاصة الأخرى «Constellis» القابضة («بلاك ووتر» سابقاً)، رائدة كذلك في مجال الأمن والدعم والخدمات الاستشارية العسكرية لحكومة الولايات المتحدة والحكومات الأجنبية والشركات متعددة الجنسيات والمنظمات الدولية.


العودة إلى الولايات المتحدة؟

يلعب المئات من المتعاقدين العسكريين في القطاع الخاص الآن دوراً هاماً في أمن الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود، في عالم الشركات الفاشية الجديدة للقرن الواحد والعشرين. وعليه، سيكون رأس المال حراً في السفر على الفور ودولياً إلى أي مكان حيث الأرباح ممكنة، في حين أن الدول ستصبح أكثر تعرضاً لضوابط العمل القمعية بشكل تصاعدي. لهذه الأسباب، يجب أن يكون دور الشركات العسكرية الخاصة مفهوماً، بوصفه أحد عناصر الإمبريالية النيوليبرالية التي تتسرب إلى سلطات الدول وأجهزتها العسكرية، ومن الممكن أن تحل محلها في نهاية المطاف.
يشكل الاتجاه نحو خصخصة الحرب تهديداً خطيراً لكل ما يمكن تسميته بحقوق الإنسان، والمحاكمات العادلة والشفافية والمسائلات القانونية. حيث عولمة عمليات الشركات العسكرية الخاصة، جنباً إلى جنب مع الاستثمار الرأسمالي العابر للحدود، واتفاقات التجارة الدولية، وزيادة تركيز الثروة في يد الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود، ستؤدي إلى نتيجة مفادها أن الممارسات القمعية والحروب ستعود لا محالة إلى منزلها، لتجثم في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وبلدان غير متوقعة ربما.


بيتير فيليبس: بروفيسور في علم الاجتماع في جامعة «سونوما»، ورئيس مؤسسة مشروع الرقابة الإعلامية، له أطروحة بحثية حول نادي النخبة الاقتصادية البوهيمي عام 1994.

التجهيز لمعركة مفتوحة
99% منا يعيشون بلا ثروة، وسيواجهون التهديد الذي يلوح في الأفق، من قمع علني على أيدي الشركات الأمنية الخاصة، والفقدان الكامل لحقوق الإنسان والحماية القانونية. ونحن نرى بوادر ذلك يومياً، حيث عمليات القتل على أيدي الشرطة تتزايد (ما يقرب من 100 شخص في الولايات المتحدة الأمريكية كل شهر). فضلاً عن التجسس الإلكتروني القضائي والسجن الجماعي، ونقط التفتيش المرورية العشوائية، وقوائم أمن المطار/ حظر الطيران، وتجميع الأمن الداخلي لقواعد البيانات حول المتمردين المشتبه في أنهم سيكونون فاعلين في وقت لاحق.

*عن «Project Censored» بتصرف