قرار تحديد من يحكم مصر يتّخذ في واشنطن

قرار تحديد من يحكم مصر يتّخذ في واشنطن

بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الخدمة المشرّفة للولايات المتحدة (راكم فيها مبارك ثروةً شخصيةً تقدّر بمبلغٍ يزيد على 30 مليار دولار)، جاء الوقت كي يتخلّى عن عصا القيادة: هذا ما تقرّر في واشنطن. الوقت يضغط، والمدّ المتصاعد للانتفاضة الشعبية قد لا يكتفي بجرف الدكتاتور فحسب وهو ما تحقق حتى الآن، بل كذلك جهاز السلطة الذي بنته الولايات المتحدة الأمريكية في مصر.

لذلك، ضغط الرئيس أوباما من أجل «انتقالٍ منظّمٍ وسلميٍّ» للسلطة، ليمحو على أساس «إصلاحاتٍ دستوريةٍ» غير محدّدة بدقّة، صورة الدكتاتور المخلوع، لكنّها تترك أعمدة السيطرة الأمريكية على البلد سليمةً لأنّه يحتلّ أهمّيةً استراتيجيةً لواشنطن على رقعة الشطرنج الشرق أوسطية.

بالنسبة لواشنطن، الاحتفاظ بالسيطرة على مؤسسة القوّات المسلّحة المصرية التي موّلتها الولايات المتّحدة وجهّزتها ودرّبتها أمرٌ أساسي. لقد أعطى وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس تعليمات مخرج النجاة لرئيس الأركان المصري الجنرال سامي عنان، الذي استدعي إلى البنتاغون أواخر شهر كانون الثاني وبقي على تواصلٍ وثيقٍ معه. هكذا امتدح الرئيس أوباما القوات المسلّحة المصرية على «احترافيتها ووطنيتها»، مشيراً إليها بوصفها ضمان «الانتقال السلمي والمنظّم».

وفق خطّة واشنطن، ينبغي أن يبدأ هذا الانتقال بحكومةٍ «انتقالية» تدعمها القوّات المسلّحة، إذ تمثّل المؤسسة العسكرية أداة التأثير الرئيسة للنفوذ الأمريكي في مصر. لكنّها ليست الأداة الوحيدة. فمنذ عدّة سنوات، تساند واشنطن إضافةً إلى مبارك جزءاً من معارضيه في المجتمع المدني. الأدوات الرئيسة لهذه العملية هي صندوق دعم الديمقراطية وبيت الديمقراطية، وهما منظّمتان «غير حكوميتين» منخرطتان في «نشر الديمقراطية والحرّية في العالم أجمع». غير أنّهما في واقع الحال تابعتان لوزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون ووكالة الاستخبارات الأمريكية، التي تموّلهما وتدير نشاطهما في المناطق الحرجة بالنسبة إلى المصالح الأمريكية. صندوق دعم الديمقراطية، التي تموّل كلّ عامٍ أكثر من 1000 منظّمة غير حكومية في أكثر من 90 بلداً، تدعم اقتصادياً في مصر 33 منظمة غير حكومية، فتزوّد كلاً منها كلّ عام بتمويلٍ يبلغ عشرات أو مئات الألوف من الدولارات.

عبر بيت الحرّية، تمّت دعوة مجموعاتٍ معارضة لمبارك (تتألّف عموماً من مثقّفين شباب ومن أصحاب المهن الحرّة) إلى الولايات المتّحدة حيث تابعوا دروساً في «الدفاع عن الديمقراطية» تقدّم كلّ شهرين. كما استقبلتهم وزارة الخارجية رسمياً: في أيار 2008 استقبلتهم كوندوليزا رايس، وفي أيار 2009 استقبلتهم هيلاري كلينتون. أثناء اللقاء، أعلنت وزيرة الخارجية أنّ «من مصلحة مصر المضيّ نحو الديمقراطية وإظهار مزيدٍ من الاحترام لحقوق الإنسان». كما لو أنّ الولايات المتحدة، التي بنت جهاز مبارك القمعي وموّلته، لا علاقة لها بانتهاك حقوق الإنسان في مصر.

إذاً، تقوم واشنطن بإعلاء طبقةٍ حاكمةٍ مصريةٍ جديدة، مهمتها إعطاء وجهٍ «ديمقراطي» لبلدٍ تواصل فيه السلطة الاعتماد على القوات المسلّحة، ويبقى فيها بخاصّةٍ النفوذ الأمريكي مسيطراً. غير أنّه يبقى أن تهزم مقاومة الطبقة الحاكمة القديمة التي تشكّلت حول مبارك ـ ضبّاط الجيش وعناصر المخابرات ومديري صناعة الحرب والمقاولين ـ وتخشى فقدان المزايا التي حصلت عليها أو وجوب تقاسمها. هنالك بصورةٍ خاصّةٍ الانتفاضة الشعبية التي سيصعب وضعها على السكّة التي رسمها أوباما، سكّة «الانتقال المنظّم والسلمي».

مانليو دينوتشي