بصراحة: العمال والأجور
بالأمس أطلت علينا وسائل الإعلام بخبر زيادة أجور العمال بقدر (2500)ل س مع إعفاء خمسة ألاف آخرى من ضريبة الدخل ليصبح مجموع المبلغ المعفى من ضريبة الدخل خمسة عشر ألفاً من الليرات السورية وبهذا يصبح الحد الأدنى للأجور (16000).
بالأمس أطلت علينا وسائل الإعلام بخبر زيادة أجور العمال بقدر (2500)ل س مع إعفاء خمسة ألاف آخرى من ضريبة الدخل ليصبح مجموع المبلغ المعفى من ضريبة الدخل خمسة عشر ألفاً من الليرات السورية وبهذا يصبح الحد الأدنى للأجور (16000).
يكتسب تعزيز العلاقات بين النقابات على المستوى الإقليمي والدولي أهميته كون الموقف الافتراضي الجامع بينهم هو مواجهة القوى المستغلة لقوة عمل الطبقة العاملة، وبالتالي يدفع هذا لتوحيد الجهود المشتركة، ويساهم في اكتساب الخبرات النضالية المتكونة بفعل الدور الكفاحي الذي تقوم به النقابات، في المواقع المختلفة لمواجهة العدو الطبقي، وهذا أمر ضروري لتعزيز وتطوير أشكال النضال المشترك باعتبار العدو أيضاً يطور أشكال استغلاله وآليات نهبه آخذاً بالاعتبار موازين القوى بينه وبين الطبقة العاملة وممثليها، والدروس التي يمكن الإفادة منها على هذا الصعيد كثيرة، سواء في منطقتنا أو على الصعيد العالمي، حيث مرّ النضال النقابي بمراحل مختلفة كان يتصاعد تارةً وينخفض تارةً أخرى وذلك تبعاً لعوامل كثيرة لسنا بصدد تعدادها، ولكن أهمها هو: جذرية القوى المدافعة عن حقوق ومكاسب الطبقة العاملة وفي مقدمتها الحقوق الاقتصادية والسياسية والديمقراطية، التي يسعى العدو الطبقي -كلما أتيحت له الفرصة- للانتقاص منها أو ضربها سواء بالترغيب أو بالترهيب.
استطاعت الطبقة العاملة في المراكز الإمبريالية انتزاع الكثير من الحقوق التي انعكست بشكل واضح على مستوى معيشتها وهذه المرحلة كانت تسمى مرحلة الرفاه الاجتماعي، حيث لعبت موازين القوى العالمية التي كانت سائدة في ذلك الوقت - ما بعد الحرب العالمية الثانية وانتصار الاتحاد السوفيتي- دوراً مهماً في تمكن العمال والنقابات من فرض مطالبهم وانتزاع حقوقهم، حيث كانت قوى الرأسمال مضطرة إلى تقديم تلك التنازلات للعمال والنقابات، في الوقت نفسه عملت على شق الحركات النقابية من خلال نقابات صفراء تم شراؤها بأشكال مختلفة، أسست لدور تخريبي في المراحل اللاحقة مع التغير الحاصل في موازين القوى وبدء مرحلة التراجع وتبني القوى الإمبريالية لنظام العولمة «الليبرالية الاقتصادية» الذي جرى من خلاله إعادة استلاب لمعظم الحقوق التي كانت سائدة في مرحلة الرفاه الاجتماعي، لصالح الرأسمال المالي المتوحش وهذا الواقع لم يكن في المراكز الإمبريالية فقط بل امتد إلى الأطراف التي رأسمالياتها ناشئة وتابعة لتلك المراكز ومنها البلاد العربية.
التقرير الصادر عن اجتماع اسطنبول الذي عقدته منظمة العمل الدولية مؤخراً، وشاركت فيه جهات نقابية وحكومية تمثل البلدان التي تم إليها اللجوء يعكس حجم المأساة الكبيرة التي يعيشها العمال السوريون في البلاد التي هاجروا إليها، في سياق بحثهم عن عمل. وليس مهماً بالنسبة لهم نوع العمل ولا شروطه ولا الأجور التي سيتقاضونها، طالما أنه يؤمن من حيث المبدأ إمكانية الحصول على ما يسد رمقهم ويمنع عنهم الجوع الحقيقي، الذي كان قد أصابهم في موطنهم والآن يَستكمل دوره ويفعل فعله في بلاد الهجرة التي أذلت السوريين بكل المقاييس السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
انتهى المجلس العام للنقابات من عقد جلساته وقدمت الحكومة إجاباتها وحددت موقفها مما طرح، الكوادر النقابية أدلت بدلوها في اليوم الأول والثاني بما يخص قضايا عدة على درجة كبيرة من الأهمية وتعكس إلى حد بعيد ما تعانيه الطبقة العاملة السورية في حقوقها المشروعة في مقدمتها حقها بالعمل، ومستوى معيشتها المرتبط بضعف أجورها وارتفاع الأسعار الجنوني الذي ترعاه الحكومة وتؤمن له كل الظروف والمبررات التي تجعله سيد الموقف والمتحكم بأفواه العباد وبطونهم الخاوية.
سيُعقد الاجتماع الدوري لمجلس الاتحاد العام لنقابات العمال في 23/8/2015 ومن المفترض أن يكون على جدول أعمالة العديد من القضايا ذات الصلة بالوضع الاقتصادي، وحجم تأثيره على المستوى المعيشي للعمال خاصةً، مع الارتفاعات اليومية للأسعار، التي دائماً ما يكون لها مبرراتها من وجهة نظر الحكومة دون أن تقدم بدائل حقيقية يمكن أن تخفف من وطأتها على العمال بالوقت الذي يُطلب من العمال شدّ أحزمتهم على بطونهم، وأن يزيدوا من صمودهم وعطائهم، مع العلم أن الحكومة تقدم كل ما هو ممكن من تسهيلات وإعفاءات لذوي الجيوب المنتفخة، من قوت العمال وفقراء الشعب السوري، ليزيدوا من تراكم الثروة المنهوبة قدر استطاعتهم، واستطاعتهم كبيرة ليس لها حدود طالما الحكومة في سياستها الاقتصادية محابية لهم، بل هي إلى جانبهم في السراء والضراء.
في الآونة الأخيرة كثر الحديث حكومياً عبر وسائل الإعلام والندوات والاجتماعات عن أهمية وضع الخطط والدراسات وخلافه من أجل التحضير لمرحلة ما بعد الأزمة صناعياً، أي إعادة إعمار ما دمر من منشآت صناعية يمكن إعمارها وهذا الأمر قد يجري بالتعاون مع القطاع الخاص، وفقاً لقانون التشاركية الذي أقرته الحكومة مؤخراً، وقانون الاستثمار، أي أن الخطط والبرامج المطروحة مبنية على الاحتمالات التي ستجذب القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب والمحليين للمساهمة في انجاز ما تطرحه الحكومة بسبب «قلة» الموارد المتاحة، من التحضير للعملية الإعمارية التي تطمح الحكومة لإنجازها متجاوزةً قضيه على غاية من الأهمية،
بعد مرحلة التأميم التي جرت في الستينات للمعامل والمنشآت الإنتاجية وتحول ملكيتها لقطاع الدولة، لم تكن هناك مشكله أسمها عمال القطاع الخاص، المشكلة بدأت بالظهور والتفاقم مع صدور قانون الاستثمار رقم (10) الذي أعلن من خلاله إشارة البدء للقطاع الخاص بالاستثمار الموسع، الكبير والصغير باتجاهات مختلفة.
في العدد السابق من جريدة «قاسيون» زاوية بصراحة كنا قد طرحنا ضرورة أن تسعى الحركة النقابية لصياغة الأدوات الضرورية التي ستمكن الطبقة العاملة من الدفاع عن حقوقها ومصالحها وفقاً لما نص عليه الدستور السوري، حيث أجاز الدستور للطبقة العاملة ممارسة حق الإضراب والتظاهر، وهذا الحق ليس شكلياً من حيث وروده في الدستور، بل هو أداة فعل بيد الطبقة العاملة يمكن لها استخدامه في سياق صراعها مع الرأسمال الذي يملك أدواته القانونية والتشريعية، التي تمكنه من التحكم والسيطرة بمستوى الأجور والحقوق الأخرى، منها حق العمل وشروط العمل التي غالباً ما يجري انتهاكها وهنا لا فرق بين قطاع عام أو خاص إلا بشكل الملكية والإدارة للعملية الإنتاجية وبالتالي كل ما يرتبط بها من حقوق مشروعة للعمال.
مع مطلع كل يوم يزداد وضع العمال المعيشي تراجعاً عن اليوم الذي قبله، وبالمقابل يزداد غنى الأغنياء ويزداد توحشهم مع توحش السوق، وقوانينه، التي يمسكون بخيوطه ويحركونه كما هي مصالحهم التي جوهرها مركزة الثروة إلى الحدود القصوى، من خلال حصولهم على الحصة الأكبر منها ليبق للعمال والفقراء بعض الفتات الزائد عن حاجتهم، إن زاد عن حاجتهم شيء ذا قيمه يمكن أن يسد الرمق أو يغني من جوع هذا الواقع الذي أصبح ملموساً ومرئياً ولا يحتاج لتمحيص أو تدقيق للتدليل على الواقع المعيشي الذي وصلت إليه الطبقة العاملة خصوصاً، دون أن يحرك هذا الواقع أصحاب الأمر والنهي من أجل التخفيف عن كاهلهم بإجراءات حقيقية تمكنهم من تأمين الاحتياجات الضرورية لمعيشتهم.