قصور النظام التأميني في سورية
قانون التأمينات الاجتماعية رقم 92 لعام 1959 في سورية كان خطوة مهمة في تنظيم الضمان الاجتماعي، لكنه واجه عدة تحديات ومساوئ مع مرور الوقت، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها البلاد منذ مطلع الألفية والتوجه نحو تطبيق الليبرالية الاقتصادية وبروز دور القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية.
قصور في التغطية الشاملة
رغم شمول القانون لفئات متعددة من العاملين في الدولة إلا أن نسبة كبيرة من القوى العاملة السورية، خاصة في القطاع الخاص أو الغير الرسمي لم تكن مشمولة بالتأمينات الاجتماعية، وتشير التقديرات إلى أن نحو 60 % من العمال ليسوا مشمولين بالتأمينات/ مما يعني أن شريحة واسعة من المجتمع هي خارج مظلة الحماية الاجتماعية.
انخفاض المنافع التقاعدية
المعاشات التقاعدية التي كانت تصرف للمستفيدين غالباً كانت غير كافية لتغطية الاحتياجات الأساسية خاصة مع انفجار الأزمة السورية وتراجع القيمة الشرائية للعملة وارتفاع الأسعار وتحريرها وإلغاء الدعم عن المواطن مما جعل الرواتب التقاعدية مثلها مثل أجور العمال لا تكفي لسد سوى 3 % من احتياجات المتقاعدين الأساسية، حتى بعد التعديلات التي رفعت سقف المعاش التقاعدي إلى 80 % لمن لديه 32 عاماً من العمل فقد ظلت هذه المعاشات دون المستوى المطلوب لتأمين حياة كريمة للمتقاعدين.
تعقيد الإجراءات الإدارية
إجراءات الاشتراك والحصول على المنافع كانت معقدة وبيروقراطية مما أدى إلى تأخير في صرف المستحقات التقاعدية وصعوبة في متابعة الحقوق التأمينية خاصة في حالات الإصابة والعجز.
عدم مواكبة التغيرات الاقتصادية
لم يتم تحديث القانون بشكل دوري ليتماشى مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية مما أدى إلى فجوة بين الواقع العملي والنصوص القانونية وأثر سلباً على فعالية النظام التأميني.
محدودية الاستثمارات التأمينية
أموال التأمينات الاجتماعية لم تستثمر بشكل فعال مما قلل من العوائد الممكنة التي كان يمكن أن تستخدم لتحسين المنافع وزيادة الاستدامة المالية للنظام.
كذلك كانت استدانات الحكومات السابقة زمن النظام السابق من صندوق التأمينات الاجتماعية أحد أسباب خسارة هذا الصندوق وتعرضه للخطر حيث استخدمت أموال العمال في المؤسسة لسد عجز وفساد مؤسسات الدولة، مع عدم إعادة تلك الأموال عدا عن مديونية الدولة والقطاع الخاص لمؤسسة التأمينات الاجتماعية والتي تصل قيمتها إلى مئات المليارات.
غياب التأمين الصحي للمتقاعد
رغم أن الغالبية في سن التقاعد يعانون من أمراض مزمنة والكثير منهم راتبه لا يكفيه ثمناً للأدوية والعلاج إلا أنه لغاية اليوم لا يوجد نظام تأمين صحي شامل وإلزامي للمتقاعدين ضمن إطار التأمينات الاجتماعية وهو أحد أوجه القصور الأساسية في نظام الحماية الاجتماعية في سورية، فالمتقاعدون المدنيون والعسكريون لا يحصلون تلقائياً على تأمين صحي وشامل من مؤسسة التأمينات الاجتماعية أو من الدولة، وهناك بعض الجهات الحكومية أو المؤسسات التي يعمل بها المتقاعد قد تقدم بعض الخدمات الطبية الجزئية أو التعاقدية مثل (تعويض جزئي عن الأدوية والعلاجات) ولكن ذلك ليس عامّاً أو مضمونا لكل المتقاعدين حيث إنهم مجبرون غالباً على تغطية نفقاتهم الصحية بأنفسهم أو من خلال مبادرات فردية مثل الجمعيات أو صناديق التكافل الغير النظامية.
ورغم التعديلات التي أدخلت على القانون مثل القانون رقم 28 لعام 2014 والتي هدفت إلى تحسين بعض الجوانب إلا أن التحديات الأساسية المتعلقة بالتغطية الشاملة وكفاية المنافع والإجراءات الإدارية وغياب التأمين الصحي لا تزال قائمة.
وتحسين النظام التأميني في سورية يتطلب مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد وتعمل على معالجة أوجه القصور البنيوي والتشغيلي ومن أبرز المقترحات العملية:
توسيع الشمول التأميني
دمج القطاع الخاص وغير الرسمي ووضع سياسات تحفيزية وإجراءات مبسطة لتشجيع أصحاب العمل غير الرسميين على تسجيل عمالهم.
شمول الفئات المهمشة كالعاملين لحسابهم الخاص والعاملين بالزراعة والعمال الموسميين والتأمين على العمالة في الخارج وإتاحة الاشتراك الاختياري للمغتربين.
رفع كفاءة وشفافية الإدارة
من خلال رقمنة النظام التأميني وتطبيق نظم إلكترونية موحدة لتسجيل العمال ودفع الاشتراكات ومتابعة المستحقات.
مكافحة الفساد الإداري عبر فرض رقابة مستقلة وتطبيق آليات شكاوى فعالة وتدريب الكوادر ورفع كفاءة موظفي التأمينات لتقديم خدمات أسرع وأكثر شفافية.
زيادة كفاية المنافع
تعديل المعاشات التقاعدية دورياً وربطها بمؤشرات الغلاء المعيشة والتضخم ورفع الحد الأدنى للمعاش بما يضمن حياة كريمة للمتقاعدين، وتحسين تغطية التعويضات عن إصابات العمل والأمراض المهنية.
إصلاح التمويل والاستثمار
تنويع مصادر تمويل التأمينات مثل الرسوم على بعض الخدمات أو ضرائب تضامنية مخصصة واستثمار أموال التأمينات بذكاء في مشاريع تنموية واقتصادية مدرة للعوائد، وضمان استقلال صندوق التأمينات بعيداً عن الاستخدام السياسي أو العشوائي.
إصلاح قانون التأمينات نفسه، ودمج القوانين في قانون موحد وحديث وإعادة النظر في شروط استحقاق المعاش (سن التقاعد، سنوات الخدمة...) وتمكين المرأة والعمال المؤقتين ضمن شروط أكثر مرونة، والاستفادة من خبرات منظمة العمل الدولية في تطوير أنظمة الحماية الاجتماعية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1228