عمال ونقابات سورية... ما العمل (3) ؟
طرحنا خلال العددين الماضيين من قاسيون رؤية مختزلة تصلح كإجابة عن سؤال: أين نحن اليوم كطبقة عاملة و كحركة وتنظيم نقابي؟ وكانت بمثابة تفسير منهجي للواقع نستطيع به الانتقال للتغير الحقيقي المنشود، إذا ما توفرت أدوات التحكم المطلوبة من برنامج وخطاب.
وكان من الخطأ المضي بالإجابة على سؤال «ما العمل» قبل الانتهاء من تفسير جوهري للواقع كما هو، بعيداً عن تحليل مقولب مسبقاً أو شعارات جامدة مقولبة، أو أمنيات هوائية ورغبات تنتمي لأصحاب ظاهرة المؤامرة، أو الثورة المنجزة. وبناء على ذلك ولكي نستطيع صياغة عناوين عامة تتفرع عنها مسارات النضال الطبقي السياسي النقابي المجدي، لا بد من تبويب العام إلى خاص، فنتناول مرتكزات البرنامج من الجوانب كافة، الوطني والسياسي الطبقي والاقتصادي الاجتماعي والنقابي الحقوقي، منسجمة فيما بينها وقابلة للتطبيق إذا ما توفرت الشروط الحسية الفاعلة، وأهمها الطليعة الثورية الواعية القادرة على تحشيد القوى واكتساب الاعتراف بها، وأما المرتكز الأساسي الآخر لصياغة البرنامج فهو الهدف من ورائه، لذلك علينا أن نقول: نحن كطبقة عاملة وحركة نقابية ماذا نريد وما هي أهدافنا على المستوى القريب والمتوسط والبعيد؟
انطلاقاً من أزماتنا المتراكمة والمظلومية التاريخية التي عانت منها الطبقة العاملة وما زالت تعاني منها، بل وتستمر بالتعمق، نستطيع القول بأن أهم أهدافنا البديهية هي التوزيع العادل للثروة بين طبقة العمال وسائر الطبقات الاجتماعية الأخرى، ولأن أصحاب الأرباح كانوا وما زالوا يأكلون «البيضة والتقشيرة»، وبحصة تفوق 90% من الدخل الوطني، فإن هدف السير باتجاه عدالة توزيع الثروة سيكون على رأس البرنامج والعمل اللاحق، والذي بدوره سيصيغ الأهداف الأخرى. ومن الصحيح أن يكون الهدف البعيد عكس نسب التوزيع وهو ما يتناسب مع نسبة حصص المساهمة في الدخل الوطني، كون العاملين بسواعدهم وعقولهم هم صناع الثروة وهم في الوقت ذاته الأكثرية الطبقية، فحصولهم على نسبة 90% من الدخل المحلي الإجمالي بطرق مباشرة من خلال الأجور، أو غير مباشرة من خلال دور الدولة، يعتبر العدل بعينه. ولكن هذا يحتاج لتغير بموازين القوى الطبقية المحلي والعالمي، وهو ما يتناسب مع كونه هدفاً استراتيجياً يحتاج الوصول إلى الهدف المتوسط بالحصول على 50% من الدخل الوطني، وهو هدف ثوري متناسب مع انفتاح الأفق أمام الشعوب بشكل عام والسوريين ضمناً، ومن هنا نستطيع تحديد برنامج العمل ليس لسنة أو شهر بل من الغد، إذا ما امتلكنا إرادة العمل والتغيير، لأننا نحتاج أولاً لوقف انحدار نسبة حصة أصحاب الأجور من الدخل الوطني لنستطيع العمل على رفعها تراكمياً لتصل للهدف المتوسط المنشود.
ترابط موضوعي
إن صياغة هدفنا الآني ألا وهو تثبيت نسبة حصة أصحاب الأجور ومنع استمرار انخفاضها، كفيل باستنباط برنامج عمل متكامل يربط الجوانب الوطنية والسياسية والاقتصادية الاجتماعية ببعضها البعض، وإن رفع مستوى النضال لأجلها سيجعل النجاح بها حتمياً ويتلخص البرنامج بما يلي:
• في الجانب الوطني، لا بد من العمل على وحدة سورية أرضاً واقتصاداً وشعباً، وسيادتها على كامل أراضيها وعلى رأسها الجولان المحتل، وخروج جميع القوات العسكرية غير السورية وأشباهها من البلاد، ويجب العمل على بناء جيش وطني مستقل ومتطور يمثل جميع السوريين يعاد تسليحه من دول لا تمتهن الابتزاز والشروط، بالإضافة لضرب القوى الإرهابية والفاسدة وعلى رأسها داعش وقوى المال المتنفذة الاحتكاري، وبناء أفضل علاقات إقليمية ودولية متكافئة ومبدئية ومرنة، مبنية على المصلحة الوطنية، ومتوازنة وذكية، تتماهى مع تغير موازين القوى لصالح دول الشرق الصاعدة.
عودة العمال للنشاط السياسي
أما في الجانب السياسي الديمقراطي، فيجب النضال من أجل إطلاق مؤتمر حوار وطني شامل تشارك به الطبقة العاملة من خلال النقابات والقوى السياسية المعبرة عنها والحليفة لها، والعمل على وحدة واستقلالية الحركة النقابية، والتخلص من الهيمنة والتسلط والتحكم الممارسة عليها منذ عقود، وضمان رفع مستوى الحريات السياسية والنقابية، وانخراط الطبقة العاملة في الحياة السياسية، لتتمكن من ممارسة دورها في صناعة القرار الوطني والاقتصادي، والعمل أيضاً على استعادة دور الأحزاب في النقابات لما له من دور هام بزيادة صلابتها وارتفاع وعيها الطبقي والسياسي، واستمرار النضال من أجل الوصول لدولة المواطنة الحقيقية على قواعد ديمقراطية، وضمان حق التظاهر والإضراب، وسيادة سلطة القضاء المستقل، و كذلك انتزاع حق المشاركة بلجان صياغة الدستور والقوانين العامة والخاصة ورسم النهج الاقتصادي.
النضال الاقتصادي المعيشي
في الجانب الاقتصادي الاجتماعي يجب استمرار العمل والضغط من أجل إلغاء كل القرارات المجحفة التي طالت مئات آلاف موظفي القطاع العام، وضمان حقوق الجميع ومحاسبة الفاسدين قانونياً، والحفاظ على القطاع العام وتأهيله، من خلال توفير كامل عناصر نهضته المادية والبشرية ومنع الخصخصة والتفريط تحت أي ذرائع من هنا أو هناك، وإعادة تقييم الأجور بما يتناسب مع الحد الأدنى للمعيشة والمتقاعدين ضمناً، ورفع قيمة الأجور غير المباشرة من خلال السلل الاستهلاكية ودعم التعليم والمحروقات وتوفير التأمين الصحي المجاني الشامل للعمال، وتفعيل الحق بالوجبات الوقائية العينية وزيادة تعويض طبيعة العمل وبدل اللباس، ورفع نسبة الحوافز الإنتاجية والمكافآت، وتوفير النقل المجاني للعمال، وإعادة الاعتبار للتعليم المهني، وإدخال مناهج نظرية وعملية حديثة تواكب التطور التكنولوجي العالمي، والنضال الجدي من أجل السير بنهج اقتصادي متوازن يحقق أعلى نمو وأوسع عدالة بعيداً عن استغلال اليد العاملة، وفتح جبهات عمل جديدة من خلال تخطيط وطني متكامل يضمن التنمية المستدامة والاستفادة القصوى من الميزات المطلقة للاقتصاد السوري، مما يضمن توقف هجرة الخبرات بل عودة القوى العاملة الفاعلة والمنتجة الخبيرة، ورؤوس الأموال الصناعية الوطنية، كما يجب الوقوف بوجه أي محاولات لتسليم رقابنا لسكين المؤسسات الدولية الغربية كصندوق النقد والبنك الدوليين، بل العمل على أعلى دور ممكن للدولة بالحياة الاقتصادية الاجتماعية، وخاصة بالقطاعات السيادية والاستراتيجية.
ماذا عن دور النقابات؟
يكمن نجاح أي نضال طبقي في برنامجه المترابط والمنسجم، ويقع في الخطأ من يظن أنه يمكن فك الجوانب الوطنية عن الديمقراطية وعن الاقتصادية، فعن أي لقمة عيش كريمة نستطيع الحديث إن كانت البلاد مقسمة أو محتلاً جزءٌ منها، فهي بذلك لن تكون قادرة على السير بالاقتصاد وإنعاشه، وإن حصل ذلك وغابت الحريات السياسية والنقابية، فلن تستطيع هذه الطبقة أو تلك الدفاع عن نفسها أمام تغول رأس المال أو الفساد، لأنها مكمومة الفم تبطش بها القوى الأمنية، فتسلبها حقوقها طوال الوقت وتبقيها تأكل من فتات الموائد غير قادرة على النهوض، حينها يكون هذا الاقتصاد القوي منعكسه على أثرياء البلاد وفاسديها، لذلك لا بد من النضال الشامل وبكل الجوانب كي تستطيع الطبقة العاملة اغتنام الفرصة التاريخية التي أمامه، وهنا يأتي دور النقابات كتنظيم طبقي، لتكون في طليعة القوى المجتمعية حاملةً لبرنامج متكامل (يتبع).
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1227