عمال ونقابات سورية.. ما العمل؟ وأين نحن؟ (2)
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

عمال ونقابات سورية.. ما العمل؟ وأين نحن؟ (2)

في تتمة للمادة السابقة تحت عنوان عمال ونقابات سورية أين نحن؟ وما العمل؟ نستكمل الإجابة عن سؤال أين نحن؟ في محاولة جادة لتوصيف وتفسير الواقع كما هو، بعيداً عن المحاباة والتجميل أو المبالغة والتصيد، ووصلنا إلى انتهاء عمل حكومة البشير وتشكيل حكومة جديدة على قاعدة الإعلان الدستوري الذي أعلن عنه في 13 آذار، حكومة انتظرها العمال لعلهم يجدون فيها ما لم يجدوه في حكومة البشير وخاصة عمال وموظفي القطاع العام فربما تكون هي المسؤولة عن إصلاح الأخطاء ولملمة الفوضى وطي قرارات الفصل ورفع الأجور وغيرها من القرارات التي طالت المصلحة الملموسة والمباشرة للطبقة العاملة خاصة أن التنظيم النقابي تبنّى مفهوم انتظار هذه الحكومة وتم التسويق لها على أساس أنها ستُخرج «الزير من البير» و بأنها تتمتع بمركزية قرار عالٍ وتحوي كفاءات وخبرات قادرة على التصحيح والتأسيس والتقدم اللاحق

كان بارزاً بطريقة تشكيلها وتوزيع حقائبها ذلك الدمج المتكرر بين وزارات عدة خارج التقاليد السابقة المعهودة، ورغم الملاحظات الكثيرة والجوهرية للعمال على مختلف قطاعاتهم والحركة النقابية والقوى السياسية الحليفة للطبقة العاملة إلا أنها أصرت على تجاوزها والحفاظ على التفاؤل الذي إذا ما تحول إلى واقع ملموس ستكون بداية خير تدل على منهج جديد يميل إلى مصالح وحقوق أصحاب الأجور والقطاع الإنتاجي والاقتصاد الوطني على حساب الأثرياء السابقين والحاليين والمتربصين بكعكة المكاسب المتوفرة بكثرة هذه الأيام لغياب التحصينات التشريعية والقانونية والمجتمعية أيضاً.

كأنك يا بو زيد ما غزيت

تشكلت الحكومة الجديدة في المرحلة التي شهدت إشكالات أمنية معقدة والتي من أحد أسبابها قرارات حكومة تصريف الأعمال من فصل وتعطيل «وخصورة الملاك العددي للقطاع العام» وانقطاع أرزاق الناس وتعمق أزمتهم المعيشية وغياب الحد الأدنى من الأمن الاجتماعي المطلوب لاستقرار المجتمع، ومضت الأيام والأسابيع والعمال في حالة ترقب لعمل الحكومة الجديدة سواء في مواقع العمل المباشر أو عبر صفحات التواصل الاجتماعي ومجموعات ال «واتساب» الخاصة بعمال المؤسسات والمديريات في ظل غياب الإعلام الرسمي بطريقة غريبة، والجميع خائف ومتلهف في آن معاً وأخذ العمال يلاحقون أي قرار هنا أو هناك يخرجهم من التعطيل والبطالة القسرية التي فرضت عليهم، وفعلاً بدأت القرارات بالخروج للعلن وكالعادة على صفحات التواصل الاجتماعي وبمجهود ومبادرات إعلامية شخصية أو نقابية، ورغم صدور بعض القرارات الإيجابية من طي لإجازات قسرية أو تمديد للإجازة بكامل الأجر أو تجديد بعض العقود إلا أنها كانت كمقولة «كأنك يا بو زيد ما غزيت» فقد أظهرت هذه القرارات الخاصة من وزارة أو مديرية أو هيئة حكومية أن الفوضى ما زالت موجودة وبأن المعايير العامة لأي قرار غير موجودة وهذا طبيعي فالحكومة إلى الآن لم تخرج ببيبان حكومي يضع الأسس والنهج العام لعملها ولا برنامجها المفترض، وهذا ما جعل تلك القرارات انتقائية وغير مفهومة أو موثوقة أيضاً في إشارة واضحة بأن الحكومة الحالية تسير على المسار نفسه والاتجاه ذاته، وبالتالي فإنها وفق هذا التفسير تنطلق من الشعارات والأحكام السابقة نفسها التي تتحدث عن فائض عمالة يقدر بمئات آلاف الموظفين والعمال الأشباح وغيرها من الرؤى التي أصبحت معروفة.

غياب البرنامج الحكومي يُغيب القرار المركزي

رغم مرور أكثر من شهر ونصف على تشكيل الحكومة الجديدة التي أعلن عنها في 29 آذار الماضي لم يصدر عنها ما يشير إلى رغبتها بالرجوع عن القرارات السابقة بل اكتفت بعض الوزارات بالقول إنها ستعيد النظر بالقرارات كافة وفق قاعدة التقييم وحاجة الوزارات لهذا الموظف أو ذاك، على قاعدة إعادة الهيكلة الإدارية المتناسبة مع المرحلة القادمة والتوجه العام للدولة دون أن نعرف تماماً جوهر التوجه وشكل المرحلة، وبالتالي ما زال الموظفون في حال «لا معلق ولا مطلّق» انتظار يائس في غياب البدائل من جهة ولعدم قدرتهم على العودة إلى الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات في ظل اشتداد تعقد الوضع الأمني وغياب دور النقابات المكتفية بتصريحات ومواقف طبقية عالية السقف على المستوى النظري وتجلى ذلك ببيان الواحد من أيار الصادر عن الاتحاد العام لنقابات العمال، وفي ظل غياب برنامج نقابي أيضاً، يوجه آلية النضال الذي يحول الموقف النظري إلى مسار نضال طبقي ينتزع الحقوق المسلوبة والضائعة بين الحكومات والوزارات، ويبرز كذلك آلاف قرارات التوظيف الجديدة بمواقع عمل لم يجرِ فيها أصلاً إنهاء موضوع الموظفين المتضررين فيها كما حصل في المنافذ البحرية والبرية ومديرية الجمارك وغيرها من المواقع الأخرى، وبعض هذه التعيينات جاءت على خلفية القرار الإيجابي الذي منح حق العودة للعمل للمفصولين أيام النظام البائد لأسباب سياسية، لكن ذلك لا يجب أن يتم على حساب زملائهم، كي لا نصلح الخطأ بخطأ آخر ولا نرد الظلم عن أحد فيصيب أحداً آخر به.

هذا حالنا اليوم

خلاصة القول بعد سرد مختزل للمرحلة الممتدة من سقوط سلطة النظام البائد وحتى اليوم أن حالة التدهور العام للطبقة العاملة والتنظيم النقابي ما زال مستمراً على الصعد كافة، فالعاملون بأجر على امتداد البلاد وعرضها يعيشون أحلك أيامهم وهذا لا يقتصر على القطاع العام بل الخاص أيضاً ويمتد على عمال المياومة والفعالة وأصحاب المهن الصغيرة الحرة وفي جميع القطاعات الإنتاجية منها والخدمية فالنسبة الأكبر منهم في حالة بطالة كاملة أو جزئية متقطعة ونسبة كبيرة أخرى على قائمة انتظار القرار الحكومي وأما أفضلهم حالاً فأولئك الذي يشتغلون برواتب وأجور لا تكفي معيشة فرد ونصف وفق معايير الحد الأدنى من المعيشة للأسرة السورية وعليه فإن الوضع العام للمعتمدين على الأجر كارثي بامتياز ومن الجوانب كافة، المعيشية منها والصحية والتعليمية والاجتماعية ولا يمكن استغراب ارتفاع نسبة المهمشين والمحرومين من الغذاء والدواء والتعليم بشكل يومي وبوتائر متصاعدة، وهذا يهدد السلم الأهلي والوحدة المجتمعية والطبقية ضمناً، خاصة باستمرار تقطع أوصال البلاد كوحدة جغرافية واقتصادية واحدة، ضف إليه ما يجري من إشكالات أمنية تمنع الاستقرار الأمني المجتمعي، وكل ذلك بغياب أي دور فاعل للتنظيم النقابي يستطيع التصدي لأسباب كل ذلك بل يقتصر على تصريح أو كتاب أو موقف لا يجد طريقه ليكون قوة مادية على الأرض.

يمكن القول بأننا استطعنا الإجابة عن سؤالنا الأول أين نحن؟ من خلال المادة السابقة والحالية وهذا ما يفتح لنا الباب للإجابة عن سؤال كبير بحجم ما العمل؟ سواء كعمال أو حركة نقابية ونقابات أو حتى قوى مجتمعية وسياسية فاعلة كي نصل إلى خُلاصات تصلح كمنطلق لبرنامج عمل نضالي طبقي وهذا ما سوف نحاول الوصول إليه في مادتنا القادمة (يتبع) ....

معلومات إضافية

العدد رقم:
1226
آخر تعديل على الأحد, 11 أيار 2025 20:57