تخفيض أجور العمال في سوريا بعد نزول الدولار
شهد سعر صرف الليرة السورية تحسّناً نسبيّاً أمام الدولار الأمريكي خلال الأشهر الماضية. ولكنه تحسُّنٌ وهميّ، وليس نتيجةَ تحسّن اقتصادي، بل يرجعه خبراء ماليّون إلى سياسة تجفيف السيولة التي تتّبعها الحكومة، بدليل عدم انعكاس تحسُّن سعر صرف اللَّيرة على أسعار المواد الأساسية، خاصةً الغذائية، ورغم الانخفاض النسبي للأسعار إلّا أنه لم يصل لمستويات هبوط سعر صرف الدولار.
ووفقاً لذلك فوجئ العديد من العمال في مختلف المعامل والمؤسسات بتخفيض أجورهم الشهرية تبعاً للتحسّن الوهمي بسعر صرف الليرة السورية. هذا القرار أثار موجةً من الجدل والاستياء في الأوساط العمالية والحقوقية، وسط تساؤلات حول مدى قانونية وعدالة الإجراء في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، والتي ما زالت تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، دون أيّ اهتمام حكوميّ بالأوضاع الاقتصادية، خاصة للطبقة العاملة وأصحاب الدخل المحدود، الذين يشكّلون الأكثرية من الشعب السوري.
أصحاب العمل: خفض التكاليف ضرورة اقتصادية
برَّر بعض أصحاب العمل هذه الخطوة بأنّها إجراء مؤقَّت وضروري لضبط النفقات وإعادة التوازن المالي للمؤسَّسات، ولا سيَّما تلك التي تعتمد على الدولار في استيراد المواد الأولية ومنافسة البضائع المستوردة، بعد إلغاء الرسوم الجمركية وفتح الأسواق على مصراعيها أمام البضائع الأجنبية، فكان لا بدّ من طريقة لخفض تكاليف الإنتاج. ويقول بعضهم إنّ الأجور كانت قد ارتفعت في السابق بشكل غير رسمي لمجاراة التضخّم وانهيار الليرة. ومع تحسن سعر الصرف لم تعد هذه الزيادات مبرَّرة.
العمّال: الأسعار لم تنخفض والمعيشة تزداد صعوبة
على الجانب الآخر يؤكِّدُ كثيرٌ من العمّال أنّ الأسعار في الأسواق لم تشهد انخفاضاً يوازي تراجع الدولار، بل بقيت مرتفعة، ممّا يجعل تخفيض الأجور غير منطقي من وجهة نظرهم. ويضيفون أنّ أجورهم قبل التخفيض لم تكن تكفي لسدّ الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية، وأن أيَّ تخفيضٍ يعني المزيد من الضغوط والمعاناة اليومية.
وقد قام أرباب العمل أثناء الأزمة بإبقاء الراتب المقطوع ضمنَ الحد الأدنى المحدَّد حكومياً، وقاموا بزيادة التعويض المعاشي للعمال دون أيّ زيادة حقيقية على الراتب المقطوع. وبالتالي لم تُجعَل تلك الزيادات من حقوق العامل الأساسية بل مجرَّد تعويضٍ من ربّ العمل يستطيع الرجوع عنه وحرمان العامل منه متى أراد، لأنّ لا حقَّ للعامل به قانونياً فهو لا يُعَدُّ راتباً مقطوعاً يتقاضاه العامل مقابلَ عمله.
اقتصاديّاً يؤثّر تخفيض الأجور في هذه المرحلة بالقوة الشرائية، ويؤثر سلباً على حركة السوق، خاصةً أنّ الاستهلاك الداخلي يعتبر من المحرّكات الأساسية للاقتصاد. كما أنَّ أيَّ تحسُّن في سعر الصرف لا يُعَدُّ مستقِرّاً ما لَم ينعكس على أسعار المواد الأساسية، وبالتالي فإنّ تخفيض الأجور قبل تحقيق استقرار اقتصادي شامل يعد خطوة متسرعة. فهو اجتماعياً قد يؤدي إلى زيادة التوتر بين فئات المجتمع وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وربما زيادة معدلات الهجرة الداخلية أو الخارجية بحثاً عن فرص عمل أفضل، وقد تتعرقل عودة اللاجئين أو النازحين في دول الجوار لعدم قدرة الرواتب والأجور على تأمين حياة كريمة ومستقرة للمواطن.
رغم أنّ انخفاض سعر صرف الدولار قد يبدو مؤشراً إيجابياً، إلّا أنَّ التعامل معه على حساب العمّال قد يؤدي إلى نتائج عكسية، والمطلوب هو اتّباع نهجٍ اقتصادي متوازِن يراعي مصلحة أصحاب العمل دون الإضرار بالعمّال، مع ضرورة تدخُّل الجهات المعنية لوضع سياسات عادلة، ووضع حدٍّ أدنى للأجور والرواتب يتوافق مع مستوى المعيشة لا مع تقلّبات سعر الصرف.
أخيراً، في بلد يعاني من أزمات اقتصادية مركَّبة يبقى العامل السوري الحلقةَ الأضعف في معادلة السوق. وبين منطق أصحاب العمل ومطالب العمال تبدو الحاجة ملحّةً إلى حلول عادلة ومستدامة، لحفظ التوازن بين مصلحة الإنتاج وحقوق الإنسان، ومنح العامل السوري ما يستحقه من كرامة وأمان معيشي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1225