هل من مجيب؟
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

هل من مجيب؟

تراقب الطبقة العاملة كسائر السوريين الجلسات التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني التي جابت المحافظات السورية الواحدة تلو الأخرى، وتحاول تتبّع المداخلات والنقاط التي طرحها المشاركون، لعلهم يسمعون صوتهم هناك، ورغم شحّ ما وصل للإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إلّا أنّ هناك طروحات عديدة تناولت موضوعة عمّال القطّاع العام المسرَّحين والمفصولين، وأصحاب الإجازات القسرية وغيرها. وهذا الحضور المستمر لهذا الموضوع طبيعي؛ كون الجلسات والاحتجاجات العمالية تمضيان معاً، فخلال الأسبوع الماضي لم تتوقف الاعتصامات والاحتجاجات، بل وأصبحت خبراً أساسياً ضمن نشرات السوشيال ميديا، ودخلت في تقارير بعض القنوات هنا أو هناك، ليس من باب «التريندات» والاستعراض الإعلامي، وإنما لسبب مباشر وأساسي بأن مئات الآلاف من الموظفين والعمال أصبحوا خارج المظلة الحكومية وخارج دائرة الأمان الوظيفي وكأنهم فقدوا آخر قشّة تعلّقوا بها.

بدأت القرارات الحكومية التي طالت عمّال وموظَّفي قطّاعات جديدة تتوالى، وأغلبها قطاعات مفصلية وسيادية أيضاً، منها المرافئ والمطارات والكهرباء والمنافذ البرية والنفط والصناعات النسيجية. وممّا زاد الطين بلّة غياب المعايير التي اتّخذت على أساسها جملة القرارات، من فصل وإجازّات قسريّة، فتارةً يُقال بأنّها إعادةُ هيكلة وإصلاح للترهّل، ومعالجات للفساد الوظيفي، وتارة فائض عمالة ووظائف وهميّة، وغيرها من المبررات التي لا تُذكَرُ بكتابٍ خطّي واضح المعايير القانونية والمهنية الإدارية. يكفي أنْ يكتب لمقتضيات المصلحة العامّة، دون أن ننسى عشرات القرارات الشفهية، التي تجعل من الدوائر والمؤسَّسات الحكومية «دكانة سمانة»، قرارها من رأسها، وليس من الصعب تتبّع اعتراضات العمّال وكلامهم وتعليقاتهم، التي تستنكر القرارات وتوضّح عدم المهنيّة بها وقانونيتها، وبأنّ الكثير من الإدارات الفاسدة السّابقة ما زالت تجلس على كراسيها، وتوقّع قراراتهم وتشارك بصياغتها، بل وبوضع قوائم الأسماء بيدها. فزاد الاحتقان حدّةً وتحولت الدهشة إلى غضب، وأصبح الموظفون يطالبون بوقف القرارات، وتشكيل لجان مختصة تمتلك الخبرة والنزاهة والدراية الكافية لاستبيان الخيط الأبيض من الأسود، ومحاسبة كل فاسد مهما علا شأنه، ومكافأة من أدّى واجبه واستحقّ ذلك.

لا منفعة بالانتظار

بدأت النقابات وعلى رأسها الاتحاد العام، بجملة من الخطوات باتجاه التعاطي مع ملف المفصولين، وخطت الكتب اللازمة، ووجهت اتحادات المحافظات عبر نقاباتها بجمع الحالات التي تعرضت للفصل أو الاجازات القسرية أو القرارات الشفيهة، وحصرها وإرسالها إلى الاتحاد العام. ورغم ضرورة الخطوة وأهميتها، إلّا أنها ما زالت تحتاج لخطوات ومبادرات أخرى، ومنها دعم الاحتجاجات العمّالية المستمرة في اللّجوء للشارع، والوقوف إلى جانبها بشكل رسمي وعلني، ومتابعة وتوجيه اعتراضات خطية لكلّ إدارة ومؤسسة ومعمل أصدرت قراراتها، ولقاء تلك الإدارات وإيصال عدم موافقة النقابات عليها، ومعرفة آلية اتخاذ القرار ومعاييره، وتوضيح عدم قانونيتها، وطلب إلغائها. وهذا لا بدّ أن يتم مع كل قرار أيّاً كانت الجهة المصدرة له، إضافة للدخول على خط القوائم الاسمية والتقييمات التي أجرتها المديريات والمؤسسات وأرسلتها للوزارات المختصة، ومعرفة القائمين على التقييم وآلية عملهم، ومساءَلتهم عن ذلك، لأن حصر الاعتراض بالعمّال فرادى، أو بالاتحاد العام الذي صاغ اعتراضاً عاماً موجّهاً لرئاسة مجلس الوزراء، لا يكفي ولا يغني عن العمل المباشر لكل نقابة بنقابتها، وهذا حق من حقوقها لا مِنّة لأحد عليها، وهذا أيضاً حق العمال على نقاباتهم، أما الانتظار والانتظار فلن يجدي نفعاً، فالأعداد ترتفع والأضرار تزداد والمفصولون يشعرون بالخذلان والغضب والجوع أيضاً.

الاتحادات المهنية جاء دوركم

بالموازاة مع عمل النقابات باتجاه متابعة قضية العمال، لا بدّ للاتحادات المهنية أيضاً عبر أعضائها ومكاتبها مساندة هذا التوجه، ليس من خلال دعم ملفّ المفصولين وحسب، بل من خلال البدء بالعمل على دراسة كل المنشآت الحكومية وبالأخص الإنتاجية منها، لإعداد ملفات وازنة توضح فيها أهميتها وإمكانياتها وآلية استنهاضها. بالمختصر تقديم رؤية متكاملة مع خطط، وبرنامج عمل يستنهض هذه المعامل ويحقق جدواها الإنتاجية والاقتصادية، وهذا ليس بعسير على اتحادات مهنية لديها الكثير من الخبرة والكفاءات وأهل الاختصاص والدراية، إضافة لعشرات العمال والفنيين والمهندسين الموجودين في المعامل والمؤسسات، والقادرين على المساهمة بذلك بشكل عملي وجدي ومفيد. وكل ما على الاتحادات المهنية عمله هو تبني هذا الموضوع وتشكيل لجان من العمال والمهندسين أنفسهم، والبدء بوضع رؤيتهم لاستنهاض القطاع العام بمؤسساته ومعامله، لتوضيح خطأ قرارات الخصخصة ونهج تصفية القطاع العام، فلا يكفي اليوم أن ندافع عنه فقط، بل يجب وضع الرؤية والبرنامج، ومواجهة هذا التوجه بهما، ولطالما قدمت هذه الاتحادات آراءها ونظرتها وملاحظاتها على القطاع العام للحكومات السابقة، وكانت دراسات مهمة، ولو أخذ بها لكان حال القطاع العام غير هذا الحال، ولكنّ الإرادة السياسية للنظام الفاسد البائد أرادت للقطاع العام أن يموت سريرياً بعد أن نهبته و»نشّفته على الآخر»، ولم يبق غير دفنه. وهذه الخطوة بوضع الرؤية والبرنامج للقطاع العام ستساهم بشكل مباشر بالدفاع عن العمال وحقوقهم وتحافظ على أعمالهم ومعاملهم.

أعدّوا العدّة فلا وقت لدينا

يتأمل الكثيرون ومنهم العمال والنقابات أيضاً بقدوم الحكومة الانتقالية المرتقبة آملين بها خيراً كونها ستكون ناتجة عن مؤتمر الحوار الوطني أو مصاحبة له، خاصة أنه جرى وأعلن رسمياً بأنها ستكون شاملة متنوعة، وتشكيلها من الخبرات والكفاءات. وهذا الأمل والتفاؤل محقّ، لكنه غير كافٍ، وينطوي تحت بند الانتظار أيضاً، وهذا السلوك أصبح مبدأً عند النقابات «بحكم العادة»، والذي يجب التخلي عنه فوراً، والانتقال من رد الفعل إلى الفعل، واستباق الأمور وتجهيز البرامج والرؤى. لذلك يجب إنجاز متابعة موضوع المفصولين وتجميع بياناتهم وحصرها وفرزها ومقابلة الإدارات والضغط عليها، ودعم الحراك العمالي والاستمرار به، فمع قدوم الحكومة الجديدة على العمال أن يكونوا جاهزين، وكذلك الاتحادات المهنية بملفاتها ودراساتها، من أجل الوقوف ككتلة صلبة في تحديد مسار المرحلة الجديدة، فالشارع العمّالي باستمراره بالحراك والدفاع عن حقوقه مرتكز عظيم، يُعتمد عليه، فكيف إذا أضيف عليه عملٌ نقابيٌ حقيقيٌ ورؤيةٌ اقتصاديةٌ مهنيةٌ عصريةٌ ومضمونةٌ، لاستنهاض القطاع العام؛ حينها لن يتم تجاهل عمال القطاع العام أو الاستقواء عليهم بالخصخصة من جهة وتطفيشهم من جهة أخرى. فهل من مجيب؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1215